في خضم التحولات الرقمية المتسارعة، تقف الجزائر، اليوم، على أعتاب لحظة فاصلة في تاريخ الأنترنت، لحظة إدخال تكنولوجيا الجيل الخامس ضمن فضائها الاتصالي؛ إذ لم تعد هذه التقنية، اليوم، حكرا على الدول الصناعية الكبرى، بل صارت ضرورة استراتيجية في قلب السياسة الوطنية الجزائرية في ظل عالم تقاس فيه القوة لا بعدد الجنود ولا ببراميل النفط فقط، بل بسرعة نقل البيانات، وسلاسة ربط الآلة بالإنسان، وقدرة الدولة على الاستجابة الفورية للمعلومة لمواكبة كل تطور مرتبط بتلك التكنولوجيا. ولكن في الوقت الذي تتجه الأبراج الذكية لتغطي السماء، وتوفير تغطية أوسع، يطرح السؤال نفسه بإلحاح في أذهان المواطنين والمختصين، هل لهذا التقدم وجه آخر؟، وهل ثمة ثمن خفي تدفعه أجسادنا مقابل كل هذا التطور؟، وهل تتحمل صحتنا وسلامة أطفالنا، ومستقبل أجيالنا، وطأة هذه القفزة التكنولوجية ذات الترددات العالية والقوية؟... تساؤلات طرحتها "المساء" على الدكتورة فايزة مجدوب، طبيبة عامة، لإعطاء نظرتها حول انعكاسات التكنولوجيا على صحة الإنسان. وقبل الحديث عن سلبيات التكنولوجيا الجديدة أو بالأحرى الجديدة في الجزائر، كان ل«المساء" حديث مع إسماعيل زهار خبير في التكنولوجيا والاتصال، أكد أن منذ مطلع عام 2025، بدأت الحكومة الجزائرية بخطى حثيثة، في وضع الأطر التنظيمية والتقنية لنشر شبكات الجيل الخامس ليدخل حيز الخدمة قريبا، هادفة الى إدماج الاقتصاد الوطني في الثورة الصناعية الرابعة، ومواكبة الدول المتقدمة، فالرهان اليوم لم يعد تحسين سرعة الإنترنت لمجرد الترف، بل إعادة صياغة الحياة اليومية على أسس ذكية، وإدخال مفاهيم جديدة تواكب عصرنة مختلف القطاعات؛ طب عن بعد، نقل ذاتي القيادة، تعليم افتراضي، مدن متصلة، اقتصاد رقمي، وأمن سيبراني متكامل، وغيرها من الأنظمة التي تحرر الإنسان من جهة، وتمنحه سلاسة في بلوغ بعض الخدمات اليومية من جهة أخرى. تكنولوجيا تشبه الحلم مستمَدة من أفلام "الخيال العلمي".. أوضح الخبير أن الجيل الخامس يُعد للمهتمين منظومة ثورية تتجاوز مجرد تحسين في سرعة الإنترنت، فهي، في الحقيقة، منصة تمكينية؛ أي تتيح لقطاعات بأكملها بأن تنهض وتتطور في ظرف زمني قصير لإجراء عملية جراحية عن بعد، عبر ذراع روبوت متصل في الزمن الحقيقي، أو مدرس في مدينة يقدم دروسا لفائدة أطفال في قرية نائية، أو مزارع في بيته يتابع حركة المحاصيل والرطوبة والتربة عبر شبكة أجهزة ذكية عن بعد، وغيرها من الحلول الأساسية للحياة اليومية.. كل هذا ممكن من خلال تكنولوجيا الجيل الخامس، التي توفر سرعة تبلغ 10 جيغابايت في الثانية فقط. ويقلَّل، بذلك، زمن الاستجابة إلى أقل من جزيئات الثانية، ما يسمح للأجهزة بالتفاعل كما لو كانت عقلا واحدا. وأوضح المتحدث يقول: "إننا، اليوم، في زمن تتسارع فيه الحركة في جميع القطاعات؛ نظرا لتحركات الدول العظمى؛ ما يضعنا أمام واقع ضرورة مواكبة ذلك. وهذه التكنولوجيا من الجيل الخامس هي قفزة ليست رفاهية، بل ضرورة تنموية؛ فالجزائر بموقعها الإفريقي المتوسطي وبطاقاتها البشرية الشابة، لا تستطيع أن تبقى حبيسة الجيل السابق، بينما تتحول أسواق العالم إلى أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فبفضلها ستتمكن الدولة من خلق فرص عمل جديدة، وجذب استثمارات أجنبية، وتحديث الإدارة والخدمات العمومية، وتحقيق قفزة رقمية تختصر سنوات من الانتظار في قطاعات مختلفة". الوجه الخفيّ للتكنولوجيا.. هل سندفع صحتنا ثمن ذلك التقدم..؟ وعلى إثر كل تقدم تكنولوجي جديد تبرز تساؤلات أخلاقية وعلمية عن تكلفة ذلك، وآثارها غير المرئية. ومع الجيل الخامس يوجه السؤال مباشرة: "ما هي آثار ذلك على الصحة؟ وهل سيدفع الفرد ثمن ذلك بصحته؟. وبالرغم من أن العلماء لم يٌجمعوا بعد على أدلة قوية تدين تكنولوجيا الجيل الخامس كخطر صريح، إلا أن غياب الجزم لا يعني غياب القلق.. هذا ما استهلت به الدكتورة فايزة مجدوب حديثها، والتي أوضحت أن الجيل الخامس يعتمد على موجات كهرومغناطيسية عالية التردد، تختلف عن تلك المستخدمة في الأجيال السابقة، وهذا ما يجعلها قوية وسريعة. وهذه الترددات التي تتراوح بين 24 و100 جيغاهيرتز، ويتم حينها الاستعانة بعدد كبير من الهوائيات والأبراج الخاصة بتوزيع تلك التكنولوجيا داخل المدن، تزيد من ضغط وتركيز تلك الترددات في المنطقة الواحدة، وهي تزيد من خطر تأثير تلك الترددات على صحة الفرد، خصوصا عند تعرض الجسم لتلك الموجات بصفة متكررة، ولسنوات طويلة. وإلى جانب اضطرابات النوم التي قد تصيب المتعرضين لتلك الترددات، تشير دراسات الى أن ذلك قد يزيد من مستويات القلق، وخلل في التركيز، وبعض التغيرات في النشاط الدماغي، الى جانب قلق متصاعد نحو أمراض أكثر خطورة، كالسكتة الدماغية او القلبية المفاجئة، وانخفاض الخصوبة، وأمراض أخرى يصعب رصدها في الأمد القصير، تم تسجيلها في دول تبنت تلك التكنولوجيا حديثا؛ أي قبل خمس سنوات على الأكثر. وشددت الدكتورة على أن الدراسات وتخوفات الخبراء تتعلق بالانتشار الكثيف للبنية التحتية الخاصة بتلك التكنولوجيا، على عكس الأجيال السابقة، التي كانت تكتفي ببرج واحد في كل مجموعة سكنية أو في بلدية أو حتى في عدد من البلديات. أما الجيل الخامس فيحتاج الى أبراج أكثر، وهوائيات متقاربة من أجل تكثيف نقاط الإرسال بكثافة عالية، ستوضع في الشوارع، وفي أعالي المباني، وأعمدة الإنارة؛ ما يعرض الفرد دائما لتلك الترددات، وفضاء مشحون بموجات عالية قد لا يتحملها جسم الإنسان، دون أن يكون له حتى خيار في ذلك، وحق العيش في بيئة آمنة. وفي الأخير نبهت المتحدثة إلى أن من الضروري إنشاء بالموازاة لإطلاق تلك التكنولوجيا، هيئة علمية رقابية، تهتم بدراسة آثار الجيل الخامس على الصحة، مع فرض شروط صارمة على أماكن تركيب تلك الأبراج والهوائيات، وتنظيم بشكل دوري، حملات توعية حول طريقة استعمال وحتى استهلاك تلك التكنولوجيا وأجهزتها المتصلة.