كشفت وثيقة بريطانية أن الملك الأردني الرّاحل طلال بن عبد اللّه حاول توحيد الأردن مع السعودية خلال الفترة القصيرة التي حكم فيها الأردن ما بين 20 جويلية 1951 - 11 أوت 1952 من أجل ربطها بالحجاز، وأنه تقدّم بطلب إلى الملك عبد العزيز آل سعود بهذا الشأن وتمّت الموافقة عليه. وكشفت الوثيقة التي تحمل الرّقم ( PR-FO 371/91798) أنه رفض طلبا مماثلا يبدو أنه حظي برغبة بريطانية وهو توحيد الأردن مع العراق، والتي تتمتّع بظرف مشابه بالأردن من حيث ارتباطها ببريطانيا على عكس السعودية، والتي تحوّلت آنذاك من السيطرة البريطانية الى السيطرة الأمريكية بعد اتّفاق الملك عبد العزيز مع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945، ممّا يجعل وحدة ما بين الأردن والسعودية هي أكبر صفعة لبريطانيا آنذاك. كان الملك الرّاحل طلال قد تعرّض لحرب شعواء ومضايقات لم تنته حتى وفاته عام 1972 أخطرها اتّهامات له بالجنون، والتي بدأتها بريطانيا ووالده الملك عبد اللّه الذي اغتيل عام 1952، ثمّ استمرّت عليه المضايقات من قِبل شخصيات مقرّبة من والده، والذين كانوا بريطانيين أو أردنيين على ارتباط مع الحكومة البريطانية والوكالة اليهودية وعلى رأسهم رئيس الوزراء آنذاك توفيق أبو الهدى وسعيد المفتي وسليمان طوقان ومن وراء الظلّ زوجته الملكة زين الشرف. كما أن الملك طلال بدأ حكمه بمحاولة عزل كلّ الشخصيات الفاسدة التي قرّبها والده حوله وقام بتقريب الشخصيات الوطنية منه، كما وضع أوّل دستور مدني للأردن حاز على توافق عامّ في الأردن وقَبول والتفاف شعبي حول هذا الملك الشابّ الذي اشتهر بذكائه ووطنيته وتديّنه وكرهه العميق للبريطانيين والحركة الصهيونية على عكس الدعايات المغرضة التي نالت منه على مدى سنين طويلة. وقد بلغ ببريطانيا حتى التدخّل في تعليمه عندما أرسلت له من يقنعه بدراسة الزراعة في الجامعات البريطانية وليس العلوم العسكرية كما أراد، ومع أنه التحق بدراسة العلوم العسكرية في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية إلاّ أنه تعرّض لحوادث مريبة أثناء دراسته دفعته إلى أن يقطع دراسته ويغادر بريطانيا. والأعجب أن آلاف الملفات والوثائق التي يحتفظ بها الأرشيف البريطاني كانت تتابع هذا الزّعيم منذ صباه وحتى وفاته، ومنها لم يكشف عنه غطاء السرّية حتى يومنا هذا رغم اتّهام السلطات البريطانية له بالجنون، والذي لو كان صحيحا لما حظي بهذا الاهتمام الذي لم ينقطع عنه من قِبل السلطات البريطانية فلو كان مجنونا حقّا لرفعت عنه القلم على الأقل. ورغم اتّهام هذا الزّعيم بالجنون إلاّ أنه لم يثبت أيّ تقرير مستقلّ هذه التهمة، بل إن التقرير الذي أعدّه أطبّاء سويسريون بشكل مستقلّ أثبت أن الملك طلال في حالة صحّية ونفسية وعقلية مكتملة، وهو التقرير الذي استبعده البرلمان الأردني عندما جرى عزل الملك. يذكر أن الملك طلال عانى طويلا بسبب مواقفه الوطنية حتى من أقرب النّاس إليه، حيث طرده والده من القصر، وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية وقف مع الأتراك والألمان وثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين وأبناء عمومته في العراق، ممّا دفع والده الملك عبد اللّه إلى سجنه داخل منزله وقطع عنه المال ثمّ زوّجه بالأميرة زين الشرف في محاولة للسيطرة عليه فلم ينثن، وقد توفيت طفلته الرّضيعة أسماء بسبب فقره، ثمّ توفي ابنه محسن بعد ولادته بعد أن رفض الملك عبد اللّه أن تتمّ ولادة زوجته في المستشفى، وهنا قد يتوقّف المرء عند رباطة جأش هذا الزّعيم ويسأل: كيف لم يجنّ أصلا بعد كلّ ما جرى له؟