هذا جديد الجامعات    انطلاق دروس التكوين المتواصل    لقاء مع صناع المحتوى    ستيلانتيس الجزائر توقع اتّفاقية    بن زيمة يفضح نفسه    قافلة تضامنية مدرسية    الدخول المدرسي 2026/2025: 12 مليون تلميذ يلتحقون غدا الأحد بمقاعد الدراسة عبر 30 ألف مؤسسة تربوية    12 مليون تلميذ يلتحقون اليوم بمقاعد الدراسة    94%من الضحايا مدنيون عزل    طغمة مالي.. سلوك عدائي ونكران للجميل    جمال سجاتي يفتك الميدالية الفضية    هكذا تتم مرافقة المكتتبين في "عدل 3"    الفن أداة للمقاومة ضد التطرّف والانقسام والإرهاب    بوغالي يهنئ جمال سجاتي المتوج بميدالية فضية في سباق 800 متر بطوكيو    فارق الأهداف يحرم الجزائريات من نصف النهائي    التحضير للبطولة الإفريقية من أولويات "الخضر"    تعليمات بتشكيل لجنة مركزية لمتابعة إنجاز الخطين المنجميين الشرقي والغربي    الدخول المدرسي: مخطط أمني وقائي و حملة تحسيسية وطنية للوقاية من حوادث المرور    تفكيك شبكة إجرامية خطيرة    جهود للدفع بعجلة التنمية بسكيكدة    كرة القدم/رابطة ابطال افريقيا/الدور الأول التمهيدي /ذهاب/: مولودية الجزائر تعود بتعادل ثمين من مونروفيا أمام نادي فوس الليبيري (0-0)    بن دودة تعاين أشغال تأهيل المكتبة الوطنية ورقمنة رصيدها الوثائقي..اطلعت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة في زيارتها التفقدية للمكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة،    مركز الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب: تنظيم الطبعة الثانية لتظاهرة "الفن من أجل السلام" بالجزائر العاصمة    توات تعرض زخمها الثقافي بمدينة سيرتا    الوفاء لرجال صنعوا مجد الثورة    رغم الإبادة الإسرائيلية..900 ألف فلسطيني ما زالوا في مدينة غزة    إجلاء جوي لمريض من الوادي إلى مستشفى زرالدة    الجزائر العاصمة..تكثيف جهود الصيانة والتطهير تحسبا لموسم الأمطار    الدخول الاجتماعي:التكفل بانشغالات المواطن محور اجتماع سعيود بالولاة    العاب القوى مونديال- 2025 /نهائي سباق 800 م/ : "سعيد بإهدائي الجزائر الميدالية الفضية"    هذه إجراءات السفر عبر القطار الدولي الجزائر-تونس    الجزائر تستعرض استراتيجيتها لتطوير الطاقة المتجدّدة بأوساكا    تثمين دور الزوايا في المحافظة على المرجعية الدينية الوطنية    افتتاح اشغال جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي، بن دودة:دور ريادي للجزائر في حماية التراث وتعزيزه عربيا ودوليا    مشاركة 76 فيلما من 20 بلدا متوسطيا..إدراج مسابقات جديدة بالطبعة الخامسة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    انضمام الجزائر إلى الأيبا: مكسب جديد للدبلوماسية البرلمانية    معسكر: معركة حرق مزارع المعمرين...استراتيجية محكمة لتحطيم البنية التحتية الاقتصادية للاستعمار الفرنسي    رسمياً.. نجل زيدان مؤهّل لتمثيل الجزائر    توحيد برامج التكفّل بالمصابين بالتوحّد    وزارة التضامن تطلق برنامج الأسرة المنتجة    الجزائر تنظم حدثا حول التجارب النووية الفرنسية بالجنوب    انتخاب الجزائر عضوا بمجلس الاستثمار البريدي    شؤون دينية: بلمهدي يزور لجنة مراجعة وتدقيق نسخ المصحف الشريف    المعرض العالمي بأوساكا : تواصل فعاليات الأبواب المفتوحة حول الاستراتيجية الوطنية لتطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار البرتغال الاعتراف بدولة فلسطين    غوتيريش يؤكد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء "المذبحة" في غزة    "لن نستسلم.. والجزائر لن تتخلى أبدا عن الفلسطينيين"    شكوى ضد النظام المغربي لتواطئه في إبادة الشعب الفلسطيني    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا تعلّمتُ من طلبتي؟
نشر في أخبار اليوم يوم 29 - 07 - 2013


بقلم: نضال قسوم
مع إسدال الستار على العام الدراسيّ (وانتهاء الفصل الصيفيّ للتوّ)، أقف لأتأمّل في عملي، والذي يتضمّن التدريس، والبحث، والعمل الإداريّ والتواصل والتوعية. إن العالم الحديث سريع جدا ومحموم، والأشهر تمضي أحياناً دون أن تعطينا فرصة للتفكير بما ننجزه، وبما تعلّمناه، وبالتغييرات التي يجب أن نحدثها في حياتنا. لقد كان الفيلسوف الإنجليزيّ (جون لوك) هو من أشار للتعلّم بأنه (بداية تكوين الإنسان النبيل)، لكنه أشار للتأمّل والمراجعة بأنها (عمليّة اللمسات الأخيرة لتكوين الإنسان النبيل).
ومن بين الأفكار التي لفتت انتباهي وأنا أستذكر لحظات مهمة من عامي الدّراسي، لحظات ما أسهل أن نغفل عنها، مواقف من التفاعل مع الطلبة، والتي تعلّمتُ منها بعض الأشياء المهمة، وهي ما قادتني لمحاولة التفكير فيما تعلّمته من الطلبة على مرّ السنين...
أولاً، أتعلّم من طلبتي من خلال مناسبات ومواقف عديدة: من خلال ما يكتبون في أوراق امتحاناتهم أو الواجبات والمهمّات التي أكلّفهم بها، ومن خلال رسائل البريد الإلكترونيّ التي أتبادلها معهم، والأهمّ من ذلك كلّه ما يتمّ خلال المناقشات التي نجريها في مكتبي، حيث غالباّ ما يكشفون عن طرقهم في التفكير وأنماط حياتهم واتجاهاتهم وآمالهم المستقبلية.
واحدٌ من أهم الأمور التي تعلّمتها باكراً كأستاذ ومربِّ هو أنّ الطلبة ليسوا فقط ذوي أنماط تعلّمية مختلفة، (فالبعض يفضّل الشروحات اللفظية، والبعض يتعلّم بشكل أفضل من خلال العرض البصريّ، على السبّورة أو على الشاشة، فيما آخرون يفضّلون النماذج المجسّمة والأنشطة العملية، إلخ.)، بل إنهم كذلك يحملون شخصيات متباينة بشكل كبير. لذلك فإن على المعلّمين والمربّين أن يجدوا الطريقة المثلى والأكثر فعالية للولوج إلى ذهن كلّ طالب. وفي هذا السياق، أود الإشارة إلى مقولة عظيمة قرأتّها مؤخّراّ، ويجدر بكلّ معلّم أن يبقيها في ذهنه في كلّ الأوقات: (لن يهتمّ الطلبة بالتعلّم حتى يتعلّم المدرّسون الاهتمام بهم!).
وبالفعل، عندما نتفاعل نحن المعلّمين والمربّين مع الطلبة بشكل جدّيّ، وعندما نستمع لهم بقدر ما نتحدّث، فإننا نتعلّم الكثير. لكن هل نتعلّم من الطلبة اليوم أكثر مما تعلّمه المدرّسون والمربّون من طلبتهم في الماضي؟ أعتقد ذلك فعلاً، فلدى طلبة اليوم معارف وخبرات عامة أكثر، إذ لديهم مصادر أكثر في متناولهم، وطرقٌ تعليمية أكثر تعددا، وفرصٌ أعظم للمشاركة، واستقلالية أكبر مما كان لدى الطلبة في أي وقت مضى...
ومع ذلك، فإن الاستقلالية والقدرة الكبيرة على تحصيل المعلومات والمعرفة لا تعني أبداً أن الطلبة باتوا غير محتاجين لمعلّميهم. على العكس من ذلك، فهم، أكثر من أيّ وقت مضى، يشعرون بالاضطراب والتشوّش في هذا العالم السريع، حيث المتاح كثيرٌ جداً ولكنّ الصعب عليهم معرفة من أين يبدأون وأيّ مسار يسلكون. كثيرا ما يكون التعليم اليوم غامرا، إذ صار التركيز على المنهجيّة في التفكير بدلاً من كمّ المعلومات، وعلى الصرامة والضبط في التفكير، والبحث، والكتابة، إلخ. إن الطلبة كثيرا ما يحسّون بالتشويش والإحباط، لدرجة الشعور بالشلل، فيكونون مستعدّين للاستسلام وتقبّل الفشل في مادة دراسية ما.
وهكذا، فإن الأمر الثاني الذي تعلّمته هو أن أُبسّط وأُسهّل العملية التعلّمية للطلبة بقدر الإمكان. في الواقع، غالباً ما نميل بشكل مغلوطٌ تجاه الإكثار من المعلومات على حساب المعرفة والتعلّم الحقيقيّين؛ فالكتب الدراسية زاد سمكها بشكل كبير، ومحتوى المناهج الدراسيّة صار أكثر زخماً، والمنافسة العالميّة على الوظائف جعلتنا نسعى لحشو أدمغة الطلاب أكثر وأكثر. لكن الخبرة التعليمية علّمتنا أنّ الفائدة والجدوى هي في (ما قلّ ودلّ)، إذا كنا نبغي تطوير العقل بدلاً من حشوه، وإذا أردنا بناء أسس قوية للتعلّم مدى الحياة... وبهذا الصدد، ها هي توصية مني لمصمّمي المناهج ومؤلّفي الكتب الدراسيّة: الرجاء تخفيف كمّ محتوى المادة الدراسيّة...
ثمّ بالطبع، هناك الهاجس المعروف تجاه التقييم والدرجات، وكلّ واحد مذنبٌ ومسؤول عن هذه الظاهرة ولو جزئياً: فالآباء يريدون أن يحصل أبناؤهم على درجات الامتياز فقط، والطلبة تعلّموا أن يقيسوا نجاحهم من خلال معدّل علاماتهم، والمعلّمون يشدّدون ويركّزون على الاختبارات والدرجات، جاعلين طلبتهم يعتقدون أنّ درجة 77 مثلاً تختلف حقيقةً عن درجة 80، وكأنها تظهر فرقاً ذا دلالة! إلى آخره من الأخطاء التي أدّت إلى ذلك الهوس بالتقييم والدرجات... ولذا، فإنّ إحدى مهامّي كمدرّس هي دوما محاولة خفض توتّر الطلبة نحو الاختبارات والدرجات.
علّمني الطلبة أيضاً الكثير في مجال العلم والمعرفة والتقنيات المختلفة، خاصة في العالم الرقميّ متغيّر بسرعة. فمن خلال أسئلتهم التي تتحدّى شرحي بنمط استفهام (لكن لماذا...؟)، ومن خلال تزويدهم إيّاي بمصادر ومراجع لم أكن على دراية بها (إذ يتمتع طلبة اليوم بقدرات عالية على العثور على الجواهر المعرفية على الإنترنت)، وبتعريفي بتقنيات جديدة، من خلال ذلك كلّه فإنني أتعلّم خلال تدريسي، وأنمو وأتطوّر مع طلبتي...
وأخيراً، على مدى السنين، وصلتُ لإدراك أنّ الطلبة ينظرون إلى أساتذتهم بأبعد من كونهم معلّمين، فهم يعتبرون بعضهم على الأقلّ مثالاً يُحتذى. طلبتُنا يراقبوننا باستمرار وبالطرق كافّة: فهم يتابعون طريقة تفكيرنا، وأنماط حديثنا، وأخلاقنا وسلوكيّاتنا، وطرقنا في التفاعل والتواصل معهم ومع الآخرين، وشخصياتنا وكيفية ظهورنا وحضورنا. وفي خلفية أذهانهم فإنهم (باستمرار وبلا وعي) يسألون أنفسهم: هل هذا الشخص هو من أريد أن أحذو حذوه وأن يكون قدوتي؟
يمكنني القول في الختام وبكلمة واحدة: من خلال التعليم والتفاعل مع الطلبة، فإننا نحن المدرّسين والمربّين نتعلّم التواضع. صحيح أننا نقدّم بعض المعرفة والخبرة، لكننا نكتشف بعد فترة أن العملية ذات اتجاهين باستمرار، ويلعب طلبتنا فيها دوراً مهماً. إنها رحلة لنا جميعاً مع بعض...
* باحث جزائري
ترجمة: أ. بسمة ذياب عن جريدة غولف-نيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.