المجلس الشعبي الوطني: رئيس لجنة الشؤون الخارجية والجالية يترأس جلسة عمل مع نظيره من برلمان عموم أمريكا الوسطى    طائرات جديدة للجوية الجزائرية    موسم الحصاد والدرس: رئيس الجمهورية يأمر بالعمل على تحقيق نتائج أعلى من الموسم الماضي    دفعة جديدة من الهجمات الصاروخية الإيرانية على الكيان الصهيوني    الاتحادية الجزائرية لكرة القدم تحدد شروط الصعود والنزول للموسم 2025-2026    ورقلة : مشروع المرجع الوطني للعنونة ركيزة في مسار التنمية    6416 مخالفة لأصحاب الدرّاجات النارية    حملة وطنية للتبرع بالدم    سايحي يستعرض بتونس تجربة الجزائر    غليزان..جمع أزيد من 19 ألف وحدة من جلود الأضاحي    عين تموشنت.. مساعي لتوسيع نشاط تربية المائيات في المياه العذبة    صناعة صيدلانية: تنظيم ورشة عمل للتقييم الذاتي في إنتاج وتسويق الأدوية واللقاحات    دراجات /طواف الكاميرون-2025 : الجزائري إسلام منصوري يفوز بالقميص الأصفر للنسخة 21    الرئيس الصحراوي يثمن مجهود الحركة التضامنية مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 55362 شهيدا و 128741 مصابا    وزير الصحة يلتقي بتونس المدير الإقليمي للبنك الدولي لدائرة المغرب العربي ومالطا    تخيل.. عام واحد بلا كهرباء ولا آلات!    "واللَّه يعصمك من الناس"    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    بشارات ربانية عظيمة    المرصد الوطني للمجتمع المدني يعقد دورته العادية السابعة    بسكرة..تخرج 12 دفعة جديدة بالمدرسة العليا للقوات الخاصة    الإنتاج الوطني المرتقب من القمح الصلب سيضمن الاكتفاء الذاتي لسنة 2026    كرة القدم/الدورة الدولية الودية لأقل من 17 سنة: المنتخب التونسي يتعادل مع نظيره الموريتاني ب(0-0)    شايب و واضح يشاركان في لقاء من تنظيم قنصلية الجزائر بنيس حول المقاولاتية    سعداوي: الإعلان عن نتائج عملية إصلاح مناهج وبرامج الطور الابتدائي قريبا    وزير التربية الوطنية يعطي إشارة انطلاق امتحان شهادة البكالوريا من ثانوية الإدريسي بالجزائر العاصمة    باتنة: عودة أول فوج من الحجاج عبر مطار الشهيد مصطفى بن بولعيد الدولي    أزيد من 850 ألف مترشح يجتازون اليوم امتحان شهادة البكالوريا    انهيار المحور المقاوم وصعود إسرائيل الكبرى"    بن جامع : الكيان "يتصرف وكأنّ القانون غير موجود، أو لا ينطبق عليه"    تتويج الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"    بعد تسجيل خروقات في استغلال المصنفات المحمية، الوصاية:    حجز 85 كلغ من الكوكايين بأدرار    تحذيرات ودعوات دولية للتعقّل والتهدئة    نشوب حرب شبه اقليمية بالمنطقة غير مستبعد    حرب بوسائل متطورة وأتوقع أن يطول أمدها    ارتفاع أسعار النّفط بسبب التوترات في الشرق الأوسط    كهربة وسائل النّقل العمومي والفردي.. والتحوّل الطاقوي واقع    العرباوي يشرف على إحياء يوم الفنان    نحو جمع 90 ألف قنطار من الحبوب بالبليدة    "عائد إلى حيفا" في قالمة    الطاووس يتجول بكبرياء بين ضفتي الألوان والأكوان    منع مواقد الشواء في الغابات لقلة الوعي البيئي    طقوس وولائم تصل درجة البذخ    ''الفاف" توسّع مهمة اكتشاف المواهب محليا وأوروبيا    عمراني يتحسّس نوايا الإدارة قبل التحضير للموسم القادم    لو كنت في إسبانيا لأقالوني منذ أكتوبر    نصائح للمقبلين على البكالوريا    نورة علي طلحة تبدع في بانوراما الجمال والهوية    نشر القائمة المؤقتة للوكالات المرخّص لها تنظيم العمرة    الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين تطلق حملة وطنية للتبرع بالدم    مونديال الأندية ينطلق اليوم    الكسكسي في مسابقة دولية    اختبار مفيد رغم الخسارة    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يبتسم الظواهري!
نشر في أخبار اليوم يوم 31 - 07 - 2013


بقلم: وضاح خنفر
الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر بداية الشهر الحالي والاعتداءات الدموية التي ترتكبها قوات الجيش والشرطة ضد المؤيدين للشرعية الدستورية ستشكل مفصلا مهما في التاريخ السياسي والمسار الفكري في الشرق الأوسط بأكمله، ذلك أن تأثيرها سيتعدى الحالة المصرية ليشمل المنطقة بأسرها، وسيتجاوز دائرة التدافع السياسي ليشمل التيارات الفكرية والأيدلوجية المستقبلية لأبناء المنطقة، مما يجعل الانقلاب ونتائجه لحظة فارقة بين الاستمرار في خيار التحول العسير نحو الديمقراطية، أو ركوب مسار أدهى وأمر، عنوانه العنف الشامل ومنهجه الفوضى العابرة للحدود.
عانت شعوب العالم العربي منذ استقلالها عن الاستعمار الغربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عقودا عجافا من الديكتاتورية والتسلط وغياب الكرامة الإنسانية، واستطاعت دولة التجزئة القُطرية أن تبرر عسفها وجورها بتبريرات مختلفة، بعضها قومي مثل ذريعة مواجهة إسرائيل والمناداة بتحرير فلسطين، وبعضها وطني متعلق بزعم الحفاظ على الوحدة الوطنية.
ولقد سمحت الأجواء الدولية لهذه الأنظمة بالمضي قدما في سياساتها التسلطية، مرة بسبب توازنات الحرب الباردة، وتارة أخرى بسبب تفضيل القوى الغربية للتعامل مع أنظمة ديكتاتورية مؤثرة الاستقرار على الحرية.
فكان أن عاش العالم العربي تحت أنظمة تسلطية معظمها ذو خلفية عسكرية، استخدمت القمع والتعذيب والإقصاء منهجا مألوفا في الحكم، وتحالفت مراكز السلطة هذه مع مراكز المصالح المالية مستفيدة من غياب الشفافية والمحاسبة، فتولد مفهوم الدولة العميقة، الناشبة في كافة المرافق العامة والمتحكمة في مجالات العمل السياسي والنشاط المجتمعي.
جاء الربيع العربي الذي انطلق في نهاية 2010 على أيدي جيل شاب متعلم متواصل مع العالم يتحلى بمخيال سياسي رحب، استفاد من ثورة التواصل الاجتماعي، ووظف وسائط جديدة في نشر الوعي وفي التشبيك بين الناشطين.
وفوجئت الدولة العميقة بأنماط في التعبير وإستراتيجيات في التغيير لم تعهدها من قبل، فانهارت الأنظمة الهرمة في تونس ومصر في فترات قياسية، وبدأت مسيرة التحول نحو المؤسسات الديمقراطية، فجرت انتخابات لهيئات تأسيسية، وتشكيلات انتقالية، وانطلقت مسيرة تدافع للسلطة في مختلف هذه الدول، وبالطبع كانت تلك المسيرة صعبة ومتعبة، فالقوى السياسية المختلفة كانت محجوبة عن المشاركة السياسية لعقود طويلة، وكان عليها أن تتحاور فيما بينها للوصول إلى عقد سياسي مجتمعي، يؤسس لمستقبل من الحرية والكرامة والتعايش السياسي السلمي.
في هذه الأثناء كانت الدولة العميقة، في مصر على وجه الخصوص، متمثلة في المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها الجيش والأمن والقضاء، ومتحالفة مع مراكز المال ورجال الأعمال، قد بدأت التعافي، فالتغيير الذي أحدثه الربيع العربي لم يكن ثورة على غرار الثورة الفرنسية أو الإيرانية، إذ لم يقتلع الجذور الموغلة في أعماق الدولة، بل كان تغييرا ناعما، اكتفى بتغيير قمة الهرم، وبأن يستبدل به قيادات جديدة منتخبة ولكنها قليلة الخبرة، فاستطاعت قوى الدولة العميقة بعد فترة من الاضطراب أن تلتقط أنفاسها، وأن تشوه التحول الديمقراطي وتقدمه للجماهير على أنه فشل ذريع، لاسيما في الخدمات الأساسية التي تمس ضرورات حياة المواطن العادي.
وقد ساند الدولة العميقة في ذلك إعلام دعائي شحن الجمهور بمشاعر غرائزية استئصالية، وكانت النتيجة انقلابا عسكريا بغطاء سياسي رقيق، ودعم من قطاعات شعبية غاضبة من تردي الخدمات متعبة من الأزمات ومشحونة بجرعات مركزة من التضليل الإعلامي، وهو انقلاب وافق هوى ومصلحة لدى دول إقليمية متضررة من الربيع العربي، وأخرى دولية تواطأت بالصمت أو بعبارات مترددة خجولة.
أما على مستوى الفكر والمنهج، فيعد الإسلام السياسي الإصلاحي أبرز المستفيدين من الربيع العربي، فقد استطاع خلال الأعوام الثلاثة الماضية أن يكسب على مستوى المنهج والنظرية.
فالتيار الإسلامي في تفاعله مع قضية تغيير الأنظمة التسلطية كان قد انقسم خلال أواسط القرن الماضي إلى منهجين، الأول يرى ضرورة الإصلاح السلمي المتدرج للواقع السياسي، والثاني يرى أن التغيير ينبغي أن يكون جذريا، ولا يتم إلا بالمواجهة الحاسمة وباستخدام القوة.
وبينما انحازت جماعة الإخوان المسلمين في المجمل للخيار الأول، مؤثرة المشاركة في العملية السياسية في كثير من الدول العربية، مؤسسة بذلك لما نسميه بالإسلام السياسي، انحازت جماعات أخرى للخيار الثاني، أي التغيير الجذري للأنظمة، لتؤسس الحركات الجهادية المسلحة، التي كان من نتائجها تنظيم القاعدة.
جاء الربيع العربي ليثبت أن التغيير السلمي ممكن، ويعزز بذلك رؤية الإسلام السياسي، ويحسم الجدل حول موقف تيار الإسلام السياسي من الديمقراطية، وتعدى تأثير ذلك الإخوان المسلمين ليشمل تيارات سلفية كانت متشككة في المسار الديمقراطي، فتأسست أحزاب سياسية ذات خلفية سلفية في تونس ومصر واليمن وليبيا، وهو ما أضعف حجة التيارات الجهادية، ودفع زعيمها أيمن الظواهري إلى مهاجمة التحول الديمقراطي والسائرين في ركابه، وانتقد حركات الإسلام السياسي زاعما أنها تسير في خديعة كبرى لن تقودها إلا نحو الخسارة المحققة. واليوم يبتسم أيمن الظواهري وهو يرى الانقلاب على الشرعية الدستورية في مصر، ولسان حاله يقول: (ألم أقل لكم؟).
وبينما يتابع الجمهور العربي العنف الدموي للجيش والأمن ضد المتظاهرين السلميين المؤيدين للشرعية في مصر، الدولة العربية الأكبر ثقلا والأهم إستراتيجيا، ويتابع خذلان المجتمع الدولي للمسيرة الديمقراطية، المتمثل في التصريحات البائسة للإدارة الأميركية حيال ما إذا كان ما حدث انقلابا أم لا، وتصريحات باهتة من دول غربية أخرى تساوي بين الضحية والجلاد، يشعر كثير من أبناء العالم العربي الغاضبون أنهم قد خُدعوا حقا، وهو شعور خطير، يمكن أن ينحرف بمسار الأحداث صوب عنف وفوضى كاملة.
ذلك أن نتيجة ما يحدث اليوم في مصر إن لم يتم تداركه فلن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى نظام تسلطي مستقر، تتوطد له الأمور كما استقرت لنظام بن علي في تونس ونظام مبارك في مصر، فالواقع العربي اليوم قد تغير إلى غير رجعة، فعلى المستوى المعرفي وتجربة الشعوب أحدثت الأعوام الثلاثة الماضية تغييرا جذريا في عقول الجماهير العربية، وفي مهاراتها العملية، وأدواتها في التفاعل والتعبير، وليس من الممكن الخضوع لدولة أمنية مرة أخرى.
أما على مستوى المؤمنين بخيار الثورة المسلحة والعنف فالمنطقة مهيأة لتزويدهم بما يحتاجون إليه، فاستمرار الثورة المسلحة في سوريا والصدامات الطائفية في العراق والتوتر الأمني بلبنان بالإضافة إلى الأزمات الأمنية في السودان والصومال ووفرة السلاح في ليبيا ومصر، كل ذلك سيمثل فرصة مثالية لتأسيس ميدان واسع من الفوضى والعنف العابر للحدود.
إذن فنحن اليوم أمام خيارين اثنين، إما أن نستعيد مسار التغيير الديمقراطي في مصر بجرأة وحزم، ونضع حدا للدولة العميقة ومحاولاتها المتكررة للعودة، وما يتطلبه ذلك من شراكة سياسية بين القوى المختلفة تستعيد الثقة في التغيير السلمي، وإما أن نسلم أوطاننا ومستقبل أجيالنا لفوضى عارمة، وصراعات دموية، لن يعرف القاتل فيها لم قَتَل، ولا المقتول لم قُتل.
هذه الفوضى ستؤثر بالضرورة على كل دول المنطقة من دون استثناء، وسيتعدى أثرها إلى الجوار الأوروبي وإلى المصالح الأميركية، وعندها سيبدو الحديث عن مصطلحات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحسن الجوار وحقوق الأقليات ترفا مثاليا أو قولا مستهجنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.