لا تتوقف الحكومة المصرية المؤقتة عن إثارة الجدل بمشروعات القوانين التي تعلن عنها بين الحين والآخر، والتي بدأت بقانون تنظيم التظاهر، ثم قانون الإرهاب، ومؤخرا قانون حماية تصرفات كبار المسؤولين بالدولة التي تتم بحسن نية ودون قصد جنائي. وجاء وقع قانون (تحصين الوزراء) صادما على الساسة والقانونيين وحتى الشارع، مما دفع الحكومة لتأكيد أن عبارة (حسن النية) المقترحة في مشروع قانون حماية تصرفات كبار المسؤولين، يقصد بها تشجيع الوزراء وكبار المسؤولين على اتخاذ القرارات بشجاعة. وجاءت الدعوة إلى إعداد مشروع قانون لتحصين تصرفات وزراء الحكومة متناغمة مع تسريبات سابقة منسوبة لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي طالب فيها بوضع مادة بالدستور تحصنه في منصبه وتسمح له بالعودة لاستئناف دوره حتى لو لم يصل إلى الرئاسة. واعتبر أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة ثروت بدوي، مشروع قانون (تحصين المسؤولين الحكوميين) سابقة لم تحدث في تاريخ الدول بالعصر الحديث، لأنها تسمح للمسؤولين بارتكاب الأعمال المنافية للقانون والأخلاق دون حساب. وأضاف، أن مجرد التفكير في إصدار قانون بهذا الشكل، دليل واضح على تخوف قادة الانقلاب، من سقوط النظام الحالي، وبالتالي الخشية من المحاكمة على (جرائمهم التي ارتكبوها بحق الشعب المصري). وتوقع بدوي ألا تتمكن الحكومة من إصدار هذا القانون (الكارثي) لأنه يعطي مسوغا قانونيا لاستمرار الفساد ودون رادع في جميع المصالح الحكومية، ويكون من الصعب اثبات أن نية المسؤول كانت غير حسنة. من جانبه أكد نائب رئيس حزب الوطن أن الهدف من إصدار هذا القانون هو تقنين الفساد المالي والإداري داخل الدولة، والعودة إلى ممارسات نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك التي أدت لتدمير الاقتصاد وخصخصة القطاع العام. وطالب الدكتور يسري حمّاد، الحكومة الحالية بالتوقف عن إصدار القوانين المثيرة للجدل، وخصوصا أنها حكومة مؤقتة وليست دائمة، مشيرا إلى أن الإعلان عن هذا القانون يأتي بالتزامن مع إلغاء لجنة إعداد الدستور (لجنة الخمسين) للمادة التي تنص على أن العقوبة بجرائم الفساد لا تسقط بالتقادم. في المقابل يبرر عضو لجنة التشريع بمجلس الدولة المستشار محمد أبو المجد، قرار الحكومة بإعداد هذا القانون، بأنه وسيلة (لطمأنة متخذي القرار) للعمل على الإدارة السليمة للمرحلة الحالية في ضوء الاتهامات لأعضاء الحكومة وكبار المسؤولين بأن (أيديهم مرتعشة) في اتخاذ القرارات. وأضاف في تصريحات صحفية أن قانون العقوبات ينص على تحصين أعمال المسؤولين من المسألة الجنائية ما دامت كانت بحسن نية، مشددا على أن هذا القانون لا يمكن أن يتطرق إلى تحصين قرارات المسؤولين التي يتخذونها من رقابة القضاء الإداري حتى لو تمت بحسن نية وإلا يُعتبر هذا القانون غير دستوري. وأكد أبو المجد عدم تطبيق هذا القانون على المسؤولين السابقين، لأنه ليس من حق الحكومة عند إصدار قوانين أن تضمنها بأثر رجعي، لأن هذا حق أصيل لمجلس الشعب، ويجب أن يتم بأغلبية الثلثين، مؤكداً أن القانون يطبق من اليوم التالي لإقراره. أما محمد خالد الديب، شقيق أحد قتلى مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية، فشدد على أن القانون المزمع إصداره يمثل حلقة في سلسلة كبيرة من قلب المسميات وتضاد الأوصاف (فقتل الآلاف وسفك دمائهم واعتقال عشرات الآلاف وإصابة أمثالهم، وإدخال شركات الاحتلال الصهيوني لحماية مصالحها في مصر، أصبح في قاموس الانقلابين حسن نية). وأضاف أن قوة الحراك الشعبي الضاغط لكسر الانقلاب، أجبرت السيسي وغيره على أن يبحثوا عن التحصين ويضعوه في حساباتهم. واستنكر الديب استمرار بعض النخب في التعويل على أن السيسي وقادة الانقلاب، قادرون على الحفاظ على مدنية الدولة، وإقامة دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وتثبيت أقدام العدالة الاجتماعية.