عمليات استئصال الغدد تتحول إلى عمليات لقطع الحبال الصوتية يضطر الإنسان أمام فقدان الصحة إلى التمسك بأي حل يقدم له أملا في استرجاع عافيته، ورغم قلة الدخل لدى البعض من المرضى إلا أنهم يندفعون كالعميان إلى أحضان العيادات الخاصة والتي بدورها تستغل هذه الحاجة الملحة لدى أكثرهم من أجل ربح أكبر قدر من المال على حساب أمل وصحة المرضى.. س. بوحامد تحوّلت العيادات الخاصة في الجزائر من حل لعقدة النقص في قطاع الصحة، إلى كابوس يطارد المواطنين، مستنزفا أموالهم، جاعلا منهم مواطنين متسولين مؤقتين لتكاليف العلاج وإجراء الأشعة والتحاليل، فالآلاف من الجزائريين يحملون الملايين ويتجهون يوميا إلى العيادات المتخصصة التي انتشرت بشكل كبير، بحثا عن وهم اسمه العلاج لدى الخواص، الذين بدورهم تحوّلوا إلى مافيا تسعى فقط إلى استنزاف آخر فلس لدى المواطن.. مرضى يتحوّلون إلى متسولين مؤقتين والنداءات تملأ الجرائد 180مليون سنتيم يعتبر مبلغا خياليا لدى الكثيرين، فهذا المبلغ يمكن أن يؤمن العديد من الحاجيات، إلا نه لدى البعض هو المبلغ المستحق من أجل دفع تكاليف عملية جراحية على مستوى القلب في إحدى العيادات الخاصة المتخصصة المتواجدة بالجزائر، وبين التردد وعدم الاقتناع بأمل الشفاء يندفع المرضى في رحلة بحث مضنية عن الكنز الذي سيقدمونه للعيادة الخاصة مقابل استرجاع حق الحياة بشكل سليم.. والوصول إلى تجميع هذا المبلغ لدى البعض من المرضى يعتبر في غالب الأحيان أمرا شاقا وعسيرا، ويتطلب الكثير من الجهد وأيضا الوقت، إلا أنهم يتحملون في سبيل استعادة أملهم في الظفر بالشفاء، كل الصعاب التي تقابلهم ولو على حساب كرامتهم، هذا وإن حالف الحظ البعض منهم بتجميع هذا المبلغ الكبير من بعض الأصدقاء والأقارب، فإن الكثيرين، تدفعهم الحاجة إلى الاستنجاد بناس الخير عبر وسائل الإعلام مثلا وحصص التضامن وأيضا عن طريق الجمعيات الخيرية.. لذا فإن سماع أو قراءة أخبار وإعلانات النداءات المتعلقة بالمطالبة ببعض المساعدة المالية من طرف المواطنين، تحوّلت مع الأيام إلى أمر عادي ومألوف، فكيف أصبحت النداءات أمرا مألوفا في مجتمعنا ومن المتسبب في هذه الحالة التي تعيشها العديد من العائلات..؟ المصابون بالعقم أكثر الضحايا جاءتنا الأجوبة تلقائيا من أفواه من يعايشون هذه المآسي، ففقدان الصحة أنهك أيامهم وأول أمل في الشفاء ولو كان ضئيلا يتتبعونه إلى آخر رمق ولو على حساب دفع كل ما يملكون واللجوء إلى الاقتراض. هذه المنطقة الحساسة من الجسم تعرضت هي الأخرى إلى الاستغلال، وقدمت على طبق من ذهب إلى الخواص، ولقد أفادنا بعض المرضى المصابين بأعراض مختلفة على أعينهم تمنعهم من الرؤية بشكل سليم، أنهم اضطروا إلى اللجوء إلى العيادات الخاصة من أجل استرجاع نعمة البصر، والمفاجأة كانت بالمبالغ الخيالية التي طلبت منهم، فبدأ مشوارهم مع تجميع هذه المبالغ من الأهل، وأكثرهم لجأ إلى الاقتراض، فيما كان طلب الصدقة المالية من الميسورين الحل الأخير أمام البعض من المرضى المحتاجين.. والمشكل أن البعض منهم لم تنجح عمليته، فاضطر إلى معاودتها مرة أخرى وبنفس التكاليف أو أكثر.. و20 مليون هي ثمن إجراء عمليات التلقيح الاصطناعي من أجل الإنجاب، وهي عمليات تضاعفت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بعد أن تضاعفت العيادات الخاصة المتخصصة في علاج العقم ومشاكل الإنجاب، فبعد أن كانت أمراض القلب والعيون هي الأكثر تداولا في سوق العيادات الخاصة، انصب الاهتمام مؤخرا على المتاجرة في ميدان علاج العقم، الذي تحوّل في وقت قياسي إلى الأمر الأكثر جلبا للمال في سوق الخواص، فمع تضاعف مشاكل الإنجاب بين الأزواج الجزائريين خاصة مع تأخر سن الزواج فإن العيادات الخاصة استغلت الوضع وتحوّلت إلى الرابح الوحيد في معادلة العقم وتعلق الأزواج بآخر أمل في الظفر بنعمة الأبوة والأمومة، وهنا بعد أن كانت العيادات المتخصصة في معالجة العقم عن طريق التلقيح الاصطناعي تعد على الأصابع، الآن امتدت لتشمل عدة مناطق من الوطن، فالعاصمة لوحدها تضم العديد من العيادات المتخصصة في علاج الإنجاب واستعمال التلقيح الاصطناعي، تعرف حالة تنافس شرسة تصل في بعض الأحيان إلى حد التلاعب بمصائر الأزواج وتعليقهم بأمل خيالي مقابل أموال خيالية هي الأخرى.. الخيال كل شيء يبدأ منه وينتهي فيه، فالخواص يستعملونه من أجل جذب المرضى ودفعهم إلى تخيل الشفاء مقابل الملايين، وقوة الرجاء لدى المرضى وعائلاتهم تدفعهم إلى الوقوع فريسة سهلة في يد مافيا الصحة في القطاع الخاص.. فتقول آمال والتي تعالج هي وزوجها أمراض العقم منذ أكثر من 15 سنة، وتنقلت عبر العديد من الأطباء الخواص بحثا عن أمل للشفاء، إلا أن الأمر يتكرر في كل مرة، فالأموال تستنزف في كل مرة من طرف الأطباء دون ورود أية آثار على الواقع، والآن مع افتتاح العديد من العيادات المتخصصة قي التلقيح الاصطناعي، أرادت هي وزوجها استغلال هذه الفرصة ومواصلة البحث عن أمل للإنجاب، خاصة مع حملة الإغراء التي تقودها هذه العيادات من ناحية النسب الكبيرة لنجاح عمليات التلقيح التي تعرضها أمام الأزواج اللاهثين وراء نعمة الإنجاب.. وحسب نفس المتحدثة فإنها مطالبة هي وزوجها بدفع 20 مليون مقابل هذه العملية، بالاضافة إلى مصاريف الأشعة والتحاليل والأدوية قد تصل كلها إلى مليون دينار، وكل هذه المصاريف وقد لا تنجح العملية، وفي غالب الأحيان يقلى باللوم على الزوجة لأنها لم تستطع الحفاظ على الجنين. مرض.. فأموال.. فخطأ طبي فادح والعيادات المتخصصة لم تعد قبلة المرضى من أجل البحث عن أمل في الشفاء عبر العمليات الجراحية التي استعصت عليهم في المستشفيات التابعة للقطاع العام، وإنما تحولت أيضا إلى قبلة للآلاف من المرضى من أجل القيام بالأشعة والتحاليل، فالقيام بأشعة التنظير المغناطيسي تستلزم دفع أزيد من 18 ألف دينار، فمن يعمل بأجر متدنٍ يستحيل عليه القيام بدفع تكاليف هذا النوع من الأشعة الذي أصبح مطلوبا لدى العديد من الأطباء في الوقت الحالي.. وفي ظل الأمل الضعيف في استفادتهم من أشعة التنظير في القطاع العام وفي التكاليف العالية لدى القطاع الخاص، فإن المواطن البسيط، يقف مشدوها حائرا أين المفر و السبيل لمساعدة نفسه، فيكون اختياره أمرا إجباريا فبعد أن تغلق في وجهه أبواب القطاع العام، وفي عدم امتلاكه ل(المعريفة) فإنه يلجأ الى الاقتراض وطلب الصدقة وبعدها إغماض عينيه عن كل الأخطاء والعيوب من أجل دق أبواب العيادات الخاصة، حاملا معه مبالغ خيالية لم يتوقع يوما أن يحملها بين يديه، بعضها من مدخراتها والبعض من الاقتراض والباقي من الصدقة، وكلها تذهب إلى جيوب مافيا العيادات الخاصة مقابل نتائج غير مضمونة.. بل أن الأخطاء الطبية التي تقترفها العيادات الخاصة في حق المرضى تضاعفت بشكل خطير، وفي الغالب لا تتحمل هذه الأخيرة المسؤولية الكاملة عن أخطائها التي يبقى المريض الضحية الأولى لها، وبات الخطأ الطبي يعلل بكلمة (الله غالب مكتوب)، فبعد فشل العملية أو ظهور خطأ طبي فادح هذه الجملة تتردد على أفواه الأطباء، من أجل طرد غضب عائلات المرضى.. ومن أخطر الأخطاء الطبية التي شاعت مؤخرا في الوسط الطبي، عمليات الغدد الدرقية، والتي تعتبر من أكثر الأمراض شيوعا بين الجزائريين من كل الأعمار، ورغم أن استئصال الغدة تعتبر من أسهل العمليات لدى الجراحين المختصين، إلا أنها تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى أكثر العمليات التي تعرف أخطاء طبية فادحة، بحيث حسب بعض الشهود فإن البعض من المرضى دخلوا إلى غرفة العمليات لإجراء عملية استئصال للغدة فوجدوا أنفسهم بدون حبال صوتية، وآخرون أوشكوا على الموت، بعد أن كاد الطبيب الجراح على ملامسة أحد الأعصاب في هذه المنطقة.. الموت أو فقدان أحد الأعضاء بسبب خطأ طبي، تحول إلى أمر شائع، ورغم تضاعف هذه الحالات تستمر حالة توافد المواطنين على العيادات الخاصة، ودفع الملايين مقابل أمل واحد في الخروج من دائرة الألم، والابتعاد عن المعاناة في طوابير القطاع العام التي لا أحد يعرف متى تنتهي..