مقرمان: الجزائر ملتزمة بالعمل متعدد الأطراف    شايب يشرف على لقاء افتراضي مع أطباء    حيداوي يشدد على ضرورة رفع وتيرة تنفيذ المشاريع    إكينور مهتم بتعزيز استثماراته في الجزائر    تهيئة موقف الطائرات بمطار المشرية    سوناطراك.. نَفَس جديد    مدير المدرسة الوطنية العليا للعلوم الفلاحية: التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي مفتاح عصرنة الفلاحة في الجزائر    شباب المغرب قادر على كسر حلقة الاستبداد    الشبيبة تتأهل    نجاح باهر لحملة الجزائر خضراء    دورة تكوينية دولية في طبّ الكوارث    الجيش يسجّل حضوره    ركائز رمزية تعكس تلاحم الدولة مع المؤسسة العسكرية    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    السلطة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية تسجل مشاركتها    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن    للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية التارقية    دعوة المعنيين بالفعالية إلى الولوج للمنصة الإلكترونية    للطلبة نصيب في مشروع 20 ألف مؤسّسة ناشئة    88% من ميزانية الصناعة مخصّصة للاستثمار في 2026    الجزائر فاعل اقتصادي وشريك حقيقي للدول الإفريقية    خلايا إصغاء لكشف التوتر النفسي لدى التلاميذ    الداخلية تشيد بالحس المدني للمواطنين في التبليغ عن التجاوزات    مخطط استباقي للتصدي لحمى وادي "الرفت" بالجنوب    وقفة حقوقية في الجزائر لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    غاريدو يثّمن الفوز ويوجه رسائل واضحة    ملتقى دولي حول الجرائم المرتكبة في حق أطفال غزة    منداس بين السوق والسويقة    إعذارات للمقاولات المتأخرة في إنجاز المشاريع    عمورة يعاني مع "فولفسبورغ" والضغوط تزداد عليه    أخريب يقود شبيبة القبائل إلى دور المجموعات    قراءات علمية تستعين بأدوات النَّقد    المصحف الشريف بالخط المبسوط الجزائري يرى النور قريبا    إصدارات جديدة بالجملة    تأكيد موقف خالد في مساندة قضية "شعب متلهّف للحرية"    انطلاق الطبعة التاسعة للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية التارقية بولاية إيليزي    نجاح الحملة الوطنية لغرس الأشجار وتعزيز مشاريع التشجير في الجزائر    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    تأهيل الشوارع وتعبيد الطرق واستعادة الحياة    الجزائر تظل وفية لدورها في خدمة الإسلام الوسطي المعتدل"    تفوز بالفضية في نهائي عارضة التوازن    سوناطراك انجزت 142 بئر مقابل 121 بئر بنهاية أوت 2024    معيار الصلاة المقبولة    هيستيريا صهيونية في موسم قطف الزيتون الفلسطيني    الموسيقى : "أوندا "تشارك في أشغال الجمعية العامة    مهرجان الجونة السينمائي : الفيلم التونسي"وين ياخذنا الريح" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي روائي    الرئيس تبّون يُهنّئ كيليا نمور    ناديان جزائريان في قائمة الأفضل    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    بطولة العالم للجمباز الفني:الجزائرية كيليا نمور تنافس على ثلاث ميداليات في مونديال جاكرتا    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جزائر الشهداء وجزائر الأحياء !
نشر في صوت الأحرار يوم 18 - 02 - 2014

توقّف مدُّ الجزائريين الثوريّ، مع انتهاء حقبة الاحتلال، واسترجاع الدولة الجزائرية المُغيَّبة، بآخر شهيد في قائمة المليون ونصف مليونٍ سقطوا أثناء الثورة وحدها، وإن راح بقايا المجاهدين- سواء ممّن بدَّلوا تبديلا، أو ممّن لم يُبدِّلوا وانعزلوا بالإغراء أو عُزِلوا بالإقصاء- يُشعلون شموعًا على شواهد أضرحة الشهداء، مازالت تهب عليها الريح التي يقصف بها الجزائرَ أولئك الذين قالوا: لا لاستفتاء تقرير المصير، ولا لإنهاء الحقبة »الاستعمارية«، فكأنهم يريدون أن يُطفِئوا نور الله الذي أضاء الشعبُ به التاريخ، منذ ثورة الأمير عبد القادر، إلى أن أصبح لهبًا، أحرقت به الثورة الجزائرية، كل فصول العصر الكولونيالي المباشر وإلى الأبد، ولولا أن الله أَتمَّ نُورَه، لكانت الجزائر مجموعة جزر متناحرة، بعد أن تحوّلت الجغرافيا الثورية الجزائرية، إلى مُجرَّد إصلاح سياسي شبيهٍ بالانقلاب، يتباهى- بقهقرته للدولة- أولئك المتداولون على كرسيّ الحكم، ويرفعه- في تخلّف مُحزِنٍ للمجتمع- الذين نكبوا الأمة بسياستهم، في فتراتٍ متتالية من تاريخ الخمسين عامًا عن تاريخ رحيل الشهداء، قد يكون أكثر إيذاءً مما ناور به الجنرال ديغول، فيما أسماه بمشروع قسنطينة، من أجل القضاء على الثورة الجزائرية.
منذ ستةِ أيام حدّق الجزائريون من جديد، في جروحهم العميقة الغائرة التي أحدثتها فيهم فرنسا، بإجرامها في حق مجموعاتٍ من الأجيال المتلاحقة، حينما فجّرت فيهم »يرابيعها« النووية، التي وصلت إشعاعاتها القاتلة، إلى أبعد مدًى مكانا وزمانا في رڤان الشهيدة وما جاورها، كي تدخل النادي النووي النّتن بتلك الجريمة المستمرّة في الوقت، قتلا وإعاقة واغتصابا لكل مظاهر الحياة، وقبل يومٍ واحد أعادوا فتح صفحة يوم الشهيد، ليُشيدوا بأولئك الذين نقلوا المعركة إلى قلب دولة الاحتلال، ولم يَهِنوا ولم يفشلوا حتى استردوا حق كل الأجيال الجزائرية، في أرضهم وثرواتهم وذاكرتهم ثم ارتحلوا، وفي الذِّكرييْن وقف الجيل الجديد مصدومًا من حجم التناقض الصارخ، بين ما كان يدعو إليه الراحلون إلى جوار ربِّهم وقد وهبوا له أنفسهم، وبين ما تمارسه قِلة من رفاقهم، وكثْرة خرجت من جحورها كخفافيش الظلام عندما انطفأ نور الشهداء، من عبثٍ بالبلاد وتحطيم لمصداقية مؤسساتها، ولولا الجِينَة الأصيلة التي زرعها الله في الجزائريين، كأمةٍ واحدة رغم تنوّعها المتعدِّد، لأصبحوا لذلك شِيَّعًا وطوائف وقبائل، تحمل في وجودها بذور فنائها، بفعل كل هذه التوتّرات نصنعها والفجائع التي نعيشها، والتي يُعِدّها العقلاء لحظات مُخِلّة بالحياء، يتعرّض فيها الوطن إلى عملية اغتصاب تكاد تكون جماعية .
لا أحد يمكن أن يدَّعي أن الثورة الجزائرية لم يتراجع توهّجها، فالجميع يُقِرّ بانحسار قِيّمها إلى مستوًى سحيق، على المستوييْن الوطني والدولي، ولم تعُد الوثيقة التاريخية المرجعية لبيان الفاتح نوفمبر، سوى كلامٍ يُردِّده السياسيون في مجالس إلهائهم للشعب، أو في مواعيدهم الانتخابية، أو أثناء حملاتهم التضليلية، لاكتساب شرعيةٍ افتقدوها، أو أخرى شعبيةٍ لم يستطيعوا الحصول عليها، وهم الذين استعاروا من النظام »الاستعماري« أُسُسَ انتشاره كلعنةٍ تُلاحق الإنسانية، فالدولة الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية التي دعا إليْها البيان، ومن أجلها انخرط الشعب- بأغلبيته الغالبة- في الثورة لتحقيقها ولو دفع عُشر أبنائه، لم تعد إلا حلمًا يُرتجَى وحديثًا يُروَى، أو قِصّة تُقرَأ كما تُقرأ أسفار اليهود المُحرَّفة، أو أناجيل المسيحيين المغشوشة، حتى بدا أنه كلما ابتعد تاريخ رحيل الشهداء، كلما ازداد أنين الوطن، وتعاظمت آلام المواطن، وكأن خديعةً كبرى وقعت في مسيرة الشعب نحو التحرّر الشامل، بل كأنّ هناك »جزائريْن« واحدة للشهداء جامعة، وأخرى للأحياء بعدهم متنافرة .
لم يكن الشهيد في رحلة شهادته، قد رسم خط العودة أو فكّر فيه، كما يفعل المقاتلون على جبهة القتال قبل الإعداد للمعركة، لأنه كان يُقدِّم روحه من أجل وطنٍ للآخرين، تحيا فيه أجيال من أزمنة مختلفة، حتى المجاهدون الصادقون الذين تخطاهم الموت، في كل ساحات الوغى بالأمس، هم اليوم يبكون بمرارة، لأنهم لم يفرحوا كما فرح رفاقهم السابقون، خاصة وأنهم كانوا يحلمون بدولةٍ يحكمها جزائريون بروح الشهداء، لا دولةٍ يُسيِّرها جزائريون بفكر دعاة الإدماج أو الحركى، وقد تحوّل بكاء المجاهدين الأطهار إلى نحيب يُزلزِل، وهم يروْن فرنسا التي تركت أمراضها تفتك بالجزائريين، وتُشوِّه نُطَف رجالهم وأرحام نسائهم، وتُدمِّر فيهم ذاكرتهم التاريخية، تعود من أبواب متفرٍّقة مُشرَعة، وقد أخرجها الشعب بثورته من الباب الضيِّق .
الذكريات تعود على الجزائريين، بسؤال يُردِّدونه كل عام : هل هذه الجزائر التي حلم بها الشهداء ؟ ومن دون أن يُجيبهم أحد، ينظرون إلى مَن كالهم- قرْنًا وما يزيد عن الربع قرن- ظلمًا وتشريدًا وقتلا ونفيًا، وقد أصبح صديقًا حميمًا لسياسةٍ تحكمهم، حوّلت الشعب الكريم العزيز بفقره أيام الاحتلال، إلى شعبٍ ذليل فقير بغناه في عهد الدولة »الوطنية«، فبدل أن نلاحق فرنسا في المحافل الدولية،على جرائم دولتها الكولونيالية، التي سنّت لها قانونًا تُمجِّد به كل ما فعلته فينا من مناكر، ونطالبها بحقنا الثابت شرعًا وعُرفًا وقانونًا، جعلت منها سياستنا الرشيدة نافذتنا الوحيدة المفتوحة لنا على العالم، وما عداها ليس إلا عمى ألوان أو عدم تبصّر، فمنها ملبسنا ومأكلنا ومشربنا، وفيها مأوانا ومشفانا وحتى منكحنا، وإليها نفرش البُسُط الحُمْر لكل مفلسٍ قادمٍ منها، تحت يافطة الاستثمار الأجنبي، ولكن الحمد لله على أن الشهداء- الذين منحونا تأشيرة التحرّر-ليسوا بيننا الآن، و »لن يعودوا هذا الأسبوع« بل لن يعودوا أبدًا، فلو بُعِثوا لفضّلوا الموت ألف مرة في اللحظة الواحدة،وهم يروْن آخر إبداع مَن ورثوا تركتهم من غير العُصْبة، وقد استبدلوا قرآنهم- في الحِداد على موتاهم- بالموسيقى الكلاسيكية، تمامًا كما تفعل فرنسا ومَن ساعدها على قتل الجزائريين بالجملة، من دول الأطلسي أثناء حرب التحرير، فالموت في نظر هؤلاء وأولئك، ليسعِبْرةً للأحياء، إنما هو لعبة يمارسها البعض على البعض الآخر ...
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.