بفيلم لوك بوسون الجديد، «لوسي»، الذي يشهد عودة قوية للمخرج الفرنسي الشهير بعد مجموعة أعمال باهتة، افتتح أمس مهرجان لوكارنو (6 - 16 آب)، دورته ال.67 حديث الساعة: كيف اقنع بوسون سكارليت يوهانسون لتكون بطلة فيلمه؟ كل سنة، منذ ,1946 وفي مثل هذا الشهر، تتحول مدينة صغيرة مطلة على بحيرة عدد سكانها 15 ألف نسمة، واقعة في قلب أوروبا وتابعة جغرافياً الى الجزء الايطالي من سويسرا، محجاً سينمائياً يقصده بضعة الآف من أهل السينما: نقاد ومخرجون واصحاب باع طويل في المجال السينمائي. طوال 11 يوما، تطرح القارات الخمس جديدها من أفلام غالباً ما تُعرض للمرة الاولى عالمياً مهرجان لوكارنو يحتضن اساساً المواهب الفتية ويراهن في برمجته الأساسية على الاكتشافات أكثر منها على القامات الكبيرة. تتقاطع لوكارنو معنوياً وروحياً مع ثلاثة بلدان عريقة رفعت راية السينما منذ ولادتها: ايطاليا، فرنسا وألمانيا. كل واحد من هذه البلدان دفع بالسينما الى الامام على طريقته الخاصة: ايطاليا ب»الواقعية»، فرنسا ب»الموجة» وألمانيا ب»التعبيرية». مهرجان لوكارنو منصة تلملم هذه الاتجاهات السينمائية وتتيح لقاءات متواصلة منذ ستة عقود بين أبنائها الروحيين. من هذه الثقافة المتعددة وأشكال الفكر المتنوع، يستقي المهرجان فرادته، لونه وخياراته. البرمجة تعكس ايضاً هذا التضاد في الاتجاهات: من فيلم لوك بوسون الخاطف للأحاسيس الى فيلم الفيليبيني لاف دياز ذي الدقائق ال,338 قفزة واحدة، فقط لا غير! مساءً، يجتمع المشاهدون في ساحة المدينة ذات الشكل الهندسي الساحر، من أجل العروض في الهواء الطلق. فبالهجة التي يثيرها المهرجان لا تكتمل من دون هذا الموعد المسائي الشهير في «لا بياتزا غرانده»، حيث عيون 8 آلاف مشاهد تتجه الى أدق التفاصيل التي تدور على الشاشة الضخمة. منذ دورتين، يدير كارلو شاتريان المهرجان فنياً، وهو صحافي وكاتب ايطالي أربعيني مجاز في الأدب والفلسفة، وسبق أن كتب مقالات نقدية لعدد من المطبوعات، بالاضافة الى مهامه كمبرمج ومستشار لمهرجانات أوروبية عدة. يأتي شاتريان خلفاً للفرنسي أوليفييه بير، الذي لم يبق في منصب المدير الفني الا سنتين متتاليتين (كان سابقاً في قسم «إسبوعا المخرجين» في كانّ). في مقابلة حديثة، أعرب شاتريان عن اعتزازه بأنه جعل لوكارنو في عهده مكاناً يلتقي فيه اطراف سينمائيون، عادة يقف البعض منهم في مواجة البعض الآخر. في المقابلة نفسها، ذكر شاتريان أنه لا ينتهج خطاً واحداً عندما يختار الأفلام، بل يترك للمشاهد فرصة ان يجد خطوطه وسط حقل من الألغام. في دورة يُكرَّم فيها الممثل الفرنسي جان بيار ليو (1944)، مالت ادارة المهرجان الى أفلام تذكّر بتجربة «الموجة الجديدة»، و»ليس فقط الفرنسية منها»، كما قال شاتريان، بل «بالطريقة التي اعادت إلى السينما الاعتبار في علاقتها بالمجتمع خلال ستينات القرن الماضي». المخرج المكسيكي نيكولاس بيريدا هو النموذج الأبرز في هذا المجال. فيلمه «الغائب» كوميديا عن عجوز يُطرد من منزله ويصبح مجبراً على الذهاب للعيش خلف الجبال الشامخة. عمل مجدِّد تلتقي فيه الطرافة بالتحدي، ويتضمن ايقاعاً سردياً خاصا به. هناك ايضاً فيلم لاف دياز، من دون ان ننسى البرتغالي بدرو كوستا الذي يعود ب»حصان المال»، كإحدى العلامات الفارقة في هذه الدورة. الى هؤلاء، ثمة اعمال لسينمائيين شباب لم تضعهم المهرجانات على خريطة مجدها بعد، ولا سيما بعض الاسماء التي من المتوقع ان تلمع وهي تأتي من كوريا الجنوبية وأميركا اللاتينية. من الأخيرة، يأتينا مارتن ريختمان بفيلمه «طلقتان» الذي يتمحور على صبي يطلق رصاصة في رأسه، فتستقر الرصاصة فيه ولكنه لا يموت. يبدو ان الفيلم استعارة عن الحياة والمحنة التي يواجهها الانسان. أما من كوريا، الحاضرة بقوة في المهرجان، فهناك «على قيد الحياة» لجونغ بوم بارك، ثاني فيلم يقدمه هذا المخرج بعد «دفاتر موزان»، في رؤية غير مألوفة للمجتمع الكوري. طبعاً، لا يكتفي المهرجان بالوجوه الجديدة فحسب، اذ هناك مشاركة لافتة لأصحاب «الوزن الثقيل» من أمثال جان ماري ستروب وطوني غتليف وبول فيكيالي وجاسميلا زبانيتش. تنطوي العروض على اقسام عدة: الأفلام المعروضة في ال»بياتزا غراندي»؛ المسابقة الدولية روائي ووثائقي؛ مسابقة مخرجي الحاضر روائي ووثائقي؛ «باردي دي دوماني» روائي قصير؛ «اشارات حياتية» برنامج عن أفلام تبتكر لغة سردية جديدة؛ «حكايات السينما» استعادات وتحيات هناك ايضاً قسم مخصص لأفلام أخرجها السينمائيون المشاركون في لجان التحكيم أو من اختيارهم. والى الاستعادة المخصصة لأفلام ستوديوات «تيتانوس» الايطالية، هناك ايضاً خانة لسينمات افريقيا السوداء تختارها الجهة التي تتولى مهام الانتاج المشترك بين القارتين.