بقي تخوف واحد.. إنه نسبة الإقبال الشعبي على الانتخابات التشريعية .. ويمكن للمواطنين أن يستنسخوا تجربة رابح سعدان، وأن يقطعوا الطريق على من حرم عليهم اليغورت. بدأ التساؤل عن مدى مشاركة المواطنين في الانتخابات التشريعية القادمة، فهناك من ينظر نظرة تشاؤمية ويقول أن المقاطعة ستكون مرتفعة، وهناك من يقول أن نسبة المشاركة ستكون عادية، وآخرون يربطونها بمدى شعور المواطنين بمصيرية الانتخابات القادمة. والواقع أن تدني المشاركة الشعبية في الانتخابات أصبح هاجسا عالميا، فكل دول العالم تشكو من هذا العيب الديمقراطي بما فيها الدول ذات الديمقراطيات العريقة. وأصبح المعدل العالمي للمشاركة في الانتخابات يقل عن 50 بالمئة. فهل الجزائر تنجو من هذا الواقع أم هي أيضا تخضع لنفس المنطق ؟ بداية لا يمكن أن نقارن نسبة المشاركة في تونس ومصر بالنسبة المتوقعة للجزائر يوم 10 مايو القادم. ذلك أن التوانسة والمصريين شهدوا أول انتخابات حقيقية في تاريخهم، وهي انتخابات تأسيسية أساسا، فلا لاغرو إذن أن تكون المشاركة مرتفعة مقارنة بماضي الانتخابات في البلدين. وهكذا فإن الذين لا يتخوفون من نسبة المشاركة هم الذين ينظرون للمعدل العالمي المتدني أصلا، من الولاياتالمتحدة إلى فرنسا وغيرها من البلدان، وهو ما جعل التساؤل قائما حول حقيقة الديمقراطية في حد ذاتها وهل هي حقا تمثيل حقيقي للشعب. ففي بريطانيا بدأ التفكير في نظام ديمقراطي جديد، لأن الانتخابات تفرز مثلا 35 بالمئة للحزب ما، و20 بالمئة لحزب ثاني، و15 بالمئة لحزب ثالث، وتتقاسم أحزب أخرى نسبة 30 بالمئة. فمنطقيا وديمقراطيا فإن 35 بالمئة هم الذين يشكلون الحكومة باعتبارهم أغلبية، أي أن 35 بالمئة تتحكم في 65 بالمئة. أو يتم اللجوء إلى التحالفات بكل ما فيها وعليها. بدون الحديث عن نسبة المقاطعة، فإذا كانت نسبة المشاركة 45 بالمئة مثلا، فهذا يعني أن أصوات 55 بالمئة هي التي قررت مصير بلد وغيرها من التساؤلات، ما يعني أن تدني نسبة المشاركة أصبحت واقعا في البلدان الديمقراطية، وفي الوقت ذاته أصبحت أهم هاجس عند السياسيين. والجزائر يحكمها هذا المنطق أيضا. نحو القضاء على السلوك السلبي للناخب أما أصحاب النظرة التسويدية فيعتقدون أن تدني نسبة المشاركة هي ظاهرة محلية، بيد أن الأمر ليس كذلك، ويرجعون ذلك إلى عدم وجود برامج جادة أو إلى وجود وجوه قديمة، أو إلى قضية رؤوس القوائم وما شابه. وإذا سلمنا بصحة هذا على الجزائر على سبيل النقاش، فهل يصدق هذا على أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم من البلدان؟ طبعا لا. فهناك برامج وهناك شخصيات وهناك منافسة. إذن هناك أسباب أخرى للمقاطعة، بدأ الغرب يجد لها حلولا تتمثل حاليا في الانتخابات الإلكترونية التي يرجح أنها ستقضي أو تقلل على سلبية الناخب. فالذي ينتخب من البيت مثلا سوف يتشجع على التصويت أفضل من ذلك الذي يجب أن يتنقل إلى مكتب الاقتراع. وهذا موضوع آخر سوف نعود إليه لاحقا. قضية أخرى تتعلق بمصيرية الانتخابات، فكلما شعر المواطن بأن الانتخابات مصيرية أقبل على المشاركة أكثر. ففي الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2002 حدث زلزال سياسي في فرنسا بوصول اليمين المتطرف إلى دور الثاني، حينها ارتفعت نسبة المشاركة وصوت الفرنسيون لصالح شيراك ضد لوبان. وهنا تقع المسؤولية على الأحزاب والمترشحين الذين يجب أن يحسّسوا المواطنين بمصيرية الانتخابات القادمة، وهي مصيرية فعلا بسبب الظروف الإقليمية والدولية أولا وقبل كل شيء. وبعد ذلك تقع المسؤولية على الشعب، فالشعب ليس غافلا ولا قاصر. فعندما حقق رابح سعدان نتائج إيجابية مع الفريق الوطني لكرة القدم، كان يلقب ب »شيخ المدربين«، وتغنى به الفنانون في أزيد من 100 أغنية. وبعد تدهور النتائج انقلب الشعب عليه، وأصبح أتفه مدرب تعرفه الجزائر. كذلك يستطيع المواطنون أن يتعاملوا مع الانتخابات، وأن يميزوا بين الغث والسمين. بين من يحقق النتائج للشعب والبلد، وبين من يخدم شخصه فقط، وهذا التمييز بدأ في وقت مبكر على صفحات الأنترنيت، فعبر اليوتيوب انتقد المواطنون رجلا سياسيا عاتب الجزائريين على »أكل اليغورت« وقيمته لا تتعدى 10 دينار للعلبة. على الشعب أن يكون مسؤولا، يقبل على الانتخابات ليقطع الطريق على سياسيين غير أكفاء، أرادوا أن يحرّموا عليه »اليغورت«. وفي النهاية فإن الانتخابات التشريعية يتوقف عليها مصير أمة وليس مصير فرد. فلا لتحريم اليغورت، ولا للتفكير الشخصي الضيق. والحديث قياس.