سقطت مبادرة مقاطعة البرلمان بعد أن نفض تكتل الجزائر الخضراء يده منها وتبعه نواب حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، وتحولت مبادرة تنصيب البرلمان الموازي أو الشعبي إلى تجمع لمجموعة من قادة الأحزاب الذين فشلوا في تحقيق أي انجاز سياسي يذكر ووجدوا في خرجة البرلمان الافتراضي فرصة لخطف الأضواء، دون أن يدركوا أنهم بهذه الخرجة وضعوا مستقبلهم ومستقبل أحزابهم السياسية في مهب الرياح ويبدو أن ما حدث لموسى تواتي مجرد بداية. دشنت الأحزاب الستة عشر التي تداعت لتشكيل ما سمي ب »البرلمان الشعبي « حركتهم الاحتجاجية بمزيد من الانشقاق والتشرذم والارتباك في المواقف ، وربما تكون خطوة نواب حزب الأفانا التسعة الذين أعلنوا عدم اعترافهم بما يقوله ويفعله رئيس حزبهم موسى تواتي أكثر الضربات إيلاما لهذه المبادرة، والأهم من ذلك أن سجل الحضور والغياب في أولى جلسات البرلمان الجديد لم يسجل سوى غياب ثلاثة نواب اثنين منهم من حزب العمال، مما يؤكد أن خطوة المقاطعة التي لوح بها حلف 16 قد سقطت من الناحية الفعلية وما تبقى من الموضوع هو مجرد فرقعات إعلامية الغرض منها خطف الأضواء لا أكثر. بعيدا عن المقاربة القانونية والدستورية التي تناولها وزير الداخلية ولد قابلية في معرض رده على الدعوة لإنشاء برلمان مواز ، حين وصف الخطوة بالمساس الخطير بدولة القانون، فإن التحليل السياسي للموضوع تجعلنا نقف على جملة من التناقضات والمفارقات. ومن أهم هذه المفارقات هو أن دعاة ما يمسى بالبرلمان الشعبي أصبحوا يحوزون ولحد الآن على 19 نائبا ، إذا ما افترضنا أن جميع نواب الأحزاب المنضوية تحت لواء حلف 16 لازالوا أوفياء لقيادتهم السياسية، باستثناء طبعا نواب موسى تواتي وهو ما يعني أنهم لا يمثلون حتى خمسة بالمائة من مجموع نواب البرلمان ، وهم بهذا المعنى لا يمثلون أي قوة تذكر على الساحة السياسية والحزبية وأن تصريحاتهم وخطواتهم مجرد صيحة في واد . اللافت أيضا في مبادرة مقاطعة البرلمان أو إنشاء البرلمان الشعبي أو الموازي ؛ أي كانت التسمية أنها انطلقت بزخم سياسي وإعلامي أحدثته تصريحات قيادات حمس على وجه التحديد ، لكن الذي حدث لاحقا هو أن »حمس« ذاتها ومن ورائها النهضة والإصلاح نفضوا أيديهم من هذه الخطوة ، وكانت أكثر الضربات لهذه المبادرة حين رفض حزب العمال والأفافاس الالتحاق بدعاة البرلمان الموازي، وهو ما شكل من الناحية السياسية إعلان وفاة مبادرة مقاطعة البرلمان قبل أن تبدأ، على اعتبار أن جميع الأحزاب والشخصيات التي بقيت متمسكة بفزاعة البرلمان الشعبي لا تملك تمثيلا وحضورا سياسيا قويا ورصينا؛ بدءا بجاب الله وتجاربه المريرة في إنشاء الأحزاب والفشل في الاحتفاظ بقيادتها مرورا بموسى تواتي ومسلسل الانشقاقات الذي لا ينتهي داخل حزبه، وصولا إلى الطاهر بن بعيبش الذي يبدو أنه لم يستسغ لحد الآن خروجه من الباب الضيق من الأرندي ويود العودة إلى الساحة السياسية بقوة ولو على ظهر برلمان شعبي هو أقرب للوهم والمراهقة السياسية أكثر منه عملا سياسيا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد. من الناحية العملية لا يوجد شيء اسمه البرلمان شعبي، وحتى من الناحية السياسية والإعلامية وإذا ما جاز لنا مجاراة أصحاب هذه المبادرة على اعتبار أن هذه الخطوة قد يمكن قراءتها في سياق الخطوة الاحتجاجية الغاضبة ، فهي حتى بهذا المعنى فقدت مبررات وجودها بعد أن تم تنصيب البرلمان الجديد بشكل عادي جدا وانتخب له رئيسا جديدا وحضر جميع النواب جلسة الافتتاح وسجلوا حضورهم في لجنة إثبات العضوية، وبالتالي ما تبقى من خطوات وخرجات له تسمية واحدة لا أكثر وهو تجمع أو لقاء لمجموعة من الأحزاب أغلبها لا تملك تمثيلا في البرلمان وأرض الواقع بهدف الحصول على بعض التغطية الاعلامية..لا أكثر. وفي المقابل فإن خطوة مقاطعة البرلمان أو إنشاء برلمان موازي وإن فشلت في إحداث أي إرباك أو إحراج للبرلمان الجديد فإن تداعيات وآثار هذه الخطوة ارتدت على أركان الأحزاب التي دعت إلى هذه الخطوة بدءا ب »حمس« التي كانت السباقة والمبادرة برفع شعار مقاطعة البرلمان، أين انتهى بها الأمر تتخبط في أزمة داخلية عميقة تهدد بنسف ما تبقى من تماسك الحركة، بعد أن اتضح بشكل جلي أن النائب والوزير السابق عمار غول متحفظ أو بمعنى أدق معترض على خطوات حمس وتكتل الجزائر الخضراء في إدارتهم لملف المشاركة في الحكومة والتعاطي مع البرلمان الجديد . المصير نفسه يواجهه حزب الجبهة الوطنية الجزائرية بقيادة تواتي الذي يبدو أنه أكثر الأحزاب تضررا بخرجات وشطحات رئيسه ويكاد من الصعب جدا أن ينجح تواتي هذه المرة في لملمة شتات جبهته التي تناثر نوابها بعيدا عنه في البرلمان، والقائمة مفتوحة في الأيام القادمة لأحزاب أخرى من حلف 16 بعد أن تتأكد القواعد والنواب على حد سواء أن خرجة البرلمان الموازي أو البرلمان الشعبي لم تكن سوى خطوة سياسية مستعجلة وغير مدروسة أقدمت عليها هذه الأحزاب من دون أن تدرك عواقبها وتداعياتها.