ألعاب القوى (ذوي الهمم)/ الجائزة الكبرى بتونس: الجزائر تختتم مشاركتها بحصيلة 16 ميدالية    مشروع المرجع الوطني للعنونة: إبراز البعد الاقتصادي للعناوين ومخططات التوجيه    في يومهم العالمي: تواصل ارتفاع عدد اللاجئين و دعوة للتضامن معهم    أمطار رعدية مرتقبة بولايتي جانت وتمنراست ابتداء من ظهيرة يوم الخميس    مجلس الأمة : المصادقة على نص القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية    إيران: بدء الموجة 12 من عملية "الوعد الصادق 3" بإطلاق صواريخ "سجيل" نحو الكيان الصهيوني    الجيش الوطني الشعبي: تخرج دفعات جديدة بالمدرسة العليا للبحرية بتامنفوست    مهرجان "سيرتا للفروسية": مسابقة التقاط الأوتاد، خطوة أولى نحو ترسيخ رياضة جديدة وطنيا وجهويا    المنافسات الإفريقية للأندية: الكونفدرالية الإفريقية تضبط تواريخ منافسات موسم (2025- 2026)    الرئيس المدير العام لمؤسسة "أوكلا" الإسبانية يشيد بتحقيق "موبيليس" لأفضل تغطية للهاتف النقال في الجزائر ل2024    الجزائر الأولى مغاربيا بتصنيف 53 جامعة ضمن تصنيف التايمز للجامعات العالمية    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 55706 شهداء و130101 مصاب    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    ضرورة العمل من أجل إحياء دور الدبلوماسية في حل الأزمات    تأكيد على "أهمية تعزيز أواصر التعاون البرلماني بين البلدين"    فلسطين: استشهاد 10 فلسطينيين بقطاع غزة    الميزان التجاري سجل فائضا قدره 8ر26 مليار دولار    الجزائر ترغب في الانضمام للتحالف الإفريقي للهيدروجين    ما يرتكبه الكيان الصهيوني جريمة حرب يجب توثيقها    خامنئي يرد على ترامب ويحذّره من عواقب التدخل    تلغي رحلات خطوطها من وإلى العاصمة الأردنية    الجزائر تعتمد استراتيجية سيادية في الأمن السيبراني    دفع 800 مليار تعويضات خلال 5 سنوات    توثيق الذّاكرة المشتركة للشعبين الجزائري والإيطالي    إجراءات جديدة للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب    الجزائر تشارك في دورتين حول تنفيذ الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد    وفاة 3 أشخاص وإصابة 211 آخرين بجروح    حديقة التسلية "حبيباس لاند" إضافة نوعية ل"الباهية"    توتنهام الإنجليزي وأنتويرب البلجيكي يتنافسان على زرقان    حسم اللقب يؤجل إلى الجولة الأخيرة    نادي سطاوالي يجرّد اتحاد الجزائر من اللقب ويحقق الثنائية    موهبة تعطي "عديم القيمة" نبضا جديدا    وكالات السياحة والسفر تضبط برامج عطلة الصيف    عنابة تحتفي بالطفولة والهوية    بجاية تحتضن ملتقى وطنيا حول المسرح الأمازيغي للهواة    متيجة من عل تسبي العالم    "تارزيفت"... تعبير عن حفاوة الاستقبال    فعل الخيرات .. زكريا عليه السلام نموذجا    فتاوى : الهبة لبعض الأولاد دون البعض    وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ    في الذكرى ال69 لاستشهاده..تسيط الضوء على بطولات الشهيد الرمز أحمد زبانة    جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة..استشهاد 144 فلسطينيا وإصابة 560 خلال 24 ساعة    لتثمين البحث العلمي وحماية ذاكرة المؤسسات والأمة ..تأكيد على أهمية التعاون بين الجامعات والمديرية العامة للأرشيف الوطني    قسنطينة: الطبعة ال11 للمهرجان الدولي للإنشاد من 25 إلى 30 يونيو    الخضر يتوّجون    المصادقة على حصيلة سوناطراك    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    مرّاد يستقبل المخرج السعيد عولمي    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    يرتقي بالقطاع ويؤكد حق المواطن في التمتع المجاني بالشواطئ    تتويجا للإصلاحات الهيكلية العميقة التي بادرت بها الدولة    إيران تطالب بإدانة الكيان الصهيوني بشكل صريح وواضح    السيد سايحي يشرف على تنصيب اللجنة الوطنية لأخلاقيات الصحة    الجزائر/الأردن: تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن تابع ل "حكمة فارما الجزائر"    مرتبة ثانية لسجاتي    الحماية الاجتماعية مبدأ مكفول قانونا لكل جزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجارب النووية الفرنسية لا بد من خارطة طريق
نشر في صوت الأحرار يوم 15 - 02 - 2009

خلال الحرب العالمية الثانية، احتل الجيش الألماني فرنسا، كما هو معروف، لكن الملاحظ أن الشعب الفرنسي لم يتعرض، طوال فترة الاحتلال الألماني، لواحد من ألف مليون مما تعرض له الشعب الجزائري على يد الجيش الفرنسي والمعمرين الذين جيء بهم من كل أصقاع أوروبا، ومع ذلك، فأن المخيال الفرنسي لازال يحمل في أعماقه الكثير من الكراهية للألمان، كما أن السينما الفرنسية أنجزت مئات الأفلام التي تبين الوجه القبيح للنازية ولممارسات الغاستابو الهيترلية في فرنسا، والكتب المدرسية لهذا البلد لازالت تلقن الأطفال الفرنسيين مساوئ النازية ومعاناة الفرنسيين في ظل الاحتلال وكذلك المواقف البطولية للمقاومين الفرنسيين.
عندنا، ورغم كل ما سلط على الجزائريين من طرف الفرنسيين من ظلم و"حقرة" وتجهيل وسلب للممتلكات واستهتار بدور العبادة (حول بعضها إلى إسطبلات).. رغم كل ذلك، فإننا، منذ الاستقلال، ونحن نشعر وكأن هناك رغبة سكنت الجزائريين، أو مسؤوليهم على الأقل، تدفعهم باستمرار إلى طي ملف الممارسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر إلى الأبد. ولا بأس أن نذكر هنا أنه لولا مواقف بعض الفرنسيين الشرفاء الذين ينشطون في بلدهم ضد القوانين الجائرة لكان الجزائريون ضيعوا الكثير من حقوقهم ومن وثائقهم، ولا بأس أن نذكر أيضا أن تعليمات كانت أعطيت للصحافة الوطنية، خلال مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، بعدم ذكر فرنسا عند الحديث عن الاستعمار.
صديق كوري جنوبي، كان زميلي بالدراسة في جامعة فرنسية، لاحظ كيف نتعامل، نحن الجزائريون، بدون كراهية أو حقد مع الفرنسيين، فسألني ذات مرة قائلا: أنتم الجزائريون، كيف لا تحقدون على الفرنسيين رغم كل ما قاموا به تجاهكم أثناء فترة الاحتلال؟. جوابي للصديق الكوري كان جد بسيط: "نحن لا نحقد عليهم لأننا انتصرنا عليهم في الحرب. المنتصر لا يحقد، بل هم الذين لازالوا يحملون لنا الكثير من الحقد، ألم تلاحظ بأنه لا يكاد يمر يوم دون أن يتكلم هذا الأستاذ أو ذاك، خلال الدروس، عن الجزائر أو يضرب بها مثلا؟ فرنسا، يا صديقي لا زالت لحد اليوم تعاني من علة الجزائر" تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع ما كتب وقيل خلال هذا الأسبوع بمناسبة ذكرى التفجيرات النووية الفرنسية برقان.
في كل مناسبة يعيد البعض اجترار نفس الكلام ويكررون نفس التساؤلات المتعلقة بحق الجزائر والضحايا في المطالبة بالتعويضات ثم ينصرفون إلى أشغالهم في انتظار مناسبة أخرى لإعادة نفس الكلام وبنفس الطريقة. هذا يتكرر، على الأقل منذ بداية التعددية الحزبية، بدون أن يكون هناك أي مسعى جدي في هذا المنوال، بل وكأن القوم يستطيبون هذا الوضع الذي لا يقلق فرنسا ويعفيهم، في نفس الوقت، من بذل أي مجهود لاستعادة الحقوق المهضومة للآلاف من الضحايا.
السؤال الذي يطرح هنا هو: لماذا تستمر الجزائر، سلطة ومجتمع مدني وشعب، في هذه المتاهة التي لن توصل إلى أي هدف؟ هناك من يقول بأن كل من يتعرض لملفات التعذيب والتفجيرات النووية وغيرها، يحرم وأفراد عائلته من تأشيرة الدخول إلى فرنسا. يقولون أن سفارة فرنسا بالجزائر لها قائمة "سوداء" مفتوحة يضاف إليها كل من يتجرأ ويتكلم عن جرائم فرنسا بالجزائر، وأن كل من يسجل في هذه القائمة يعتبر منتهيا سياسيا في الجزائر ومحروم مدى الحياة من تأشيرة الدخول إلى بلد الجن والملائكة.
وهناك من يقول أن الطابور الخامس في الجزائر، أي عملاء فرنسا، هو من وقف دوما ضد فتح ملف التعذيب والتجارب النووية الفرنسية في الجزائر، وأن هذا الطابور هو من القوة والنفوذ بحيث يستطيع أن يثير الكثير من المشاكل لكل من "يخلط" في الماضي الاستعماري. أصحاب هذا الطرح يذهبون إلى حد القول أن هذا الطابور نفسه من أجبر اليمين زروال على الاستقالة بسبب إصراره على التحدث باللغة العربية خلال المقابلة التي كانت مبرمجة بينه وبين الرئيس شيراك في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ألغيت بسبب إصرار الرئيس زروال "الشاوي" على موقفه.
لا ندري مدى صحة كل ما يقال في هذا المجال، لكن بكل موضوعية، نقول أنه من حق فرنسا أن تضغط على الجزائريين، إن قبلوا بالضغط، وان من حقها أن تحمي سمعتها وأن تحاول بكل الوسائل أن تمنع التعرض لكل ما يمسها بسوء. في لعبة الدول، لا مجال للأخلاق ولا للغباوة فالمصلحة العليا للبلد فوق كل اعتبار.
المشكل إذن ليس في فرنسا، ولا في سفارتها أو مصالحها، بل في الوطنيين الجزائريين. هؤلاء لم يدركوا لحد اليوم بأن البكاء على الأطلال والحديث في المناسبات والخطب الرنانة والبلاغة الكلامية وقصائد الشعر، الخ. لن تجعل فرنسا تعترف بأخطائها، ولا شك أن المصالح الفرنسية عندما تتابع الكيفية التي لازالت الجزائر تحتفل بها وتطالب من خلالها بالتعويضات، تشعر بالكثير من الراحة لأنها متأكدة أن هذه الأصوات لن تتجاوز جدران القاعة التي يجري داخلها الحفل.
ليس بالجمعيات التي "تعلف" من المال العام بدون حساب، والتي تستغل المناسبات الوطنية لإقامة الحفلات التي تنفق فيها مبالغ معتبرة من ميزانية الدولة. جمعيات يسير معظمها أناس لا مستوى تعليمي لهم مما يجعلهم، حتى عندما يرغبون فعلا في القيام بعمل ما، لا يعرفون لا كيف ولا من أين يبدؤونه. ليس بمثل هذه الجمعيات تخاض المعارك على المستوى الدولي.
المفروض أن النخب المثقفة مع منظمات المجاهدين وأبناء الشهداء وأبناء المجاهدين هي، بحكم مستواها وانتماءاتها وتسمياتها، الأكثر تأهيلا لحماية إرث الشهداء والدفاع عن حقوق الضحايا، بل ووضع خارطة طريق تصل من خلالها إلى جعل فرنسا تعترف بجرائمها في الجزائر، وتعوض لكل ضحايا المرحلة الاستعمارية، وتضمن العلاج لكل الملوثين بإشعاعات التفجيرات النووية. هذا ممكن لو تبتعد النخب عن كل ما يفرق بينها، والمنظمات عن الكثير من الممارسات التي لا تدخل في صلب مهمتها الوطنية النبيلة وأن تلتفت لعلة وجودها أي لما هو أهم وأبقى وأصح من جهة، وتتفتح على كل الإطارات الوطنية الراغبة في العمل من أجل هذا المشروع الوطني الكبير من جهة أخرى.
إنها لمهمة نبيلة وتاريخية وحيوية للأجيال المقبلة لو يدركون، لأن الهدف ليس في التعويض في حد ذاته، ولا في تأجيج الأحقاد على الدولة الاستعمارية بل وفقط "حتى لا تتكرر المأساة ثانية" كما يحلو للمثقفين الفرنسيين أن يقولوا.
خارطة الطريق التي يجب أن توضع لتحقيق المراد، تكون من تسطير باحثين من مختلف التخصصات، يعرفون المجتمع الفرنسي ويدركون نقاط الضعف فيه ومطلعين على القانون الدولي ويجيدون كيفية تحريك وسائل الاتصال المختلفة للتأثير على الرأي العام الفرنسي والدولي. لابد من إنشاء فوج عمل يكلف بوضع تصور لكل ما يمكن القيام به في هذا المجال وأن يتحول المسعى من مجرد نشاط مناسباتي حول موضوع الاعتراف بالجرائم والاعتذار والتعويض إلى عمل جاد ومتواصل وطويل الأمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.