حتى فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية تمنعها إسرائيل وبكل حزم، والأمر لا يتعلق هنا بالقمع الذي يمارسه الاحتلال بل بإشارة سياسية مهمة جدا، والإشارة موجهة إلى العرب والمسلمين جميعا، ففي تبرير قرار منع الاحتفالية قالت الحكومة الإسرائيلية إنها تعتبر القدس منطقة خاضعة لسيادتها وهي لن تسمح بالقيام بهذه النشاطات. إذا كانت إسرائيل لا تسمح بالاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية فإنها لن تفكر أبدا في التفاوض بشأن المدينة المقدسة، والخداع الذي يمارسه الحكام العرب ودعاة التسوية بالحديث عن قدس شرقية وغربية سقط نهائيا مع هذا الموقف الإسرائيلي، فالقدسالشرقية تعتبر جزء من المدينة التي يقول عنها الإسرائيليون، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إنها ستبقى عاصمة أبدية وموحدة لدولة إسرائيل، والذين يعجزون عن إقامة احتفال ثقافي هم أعجز عن جعل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية التي تعدهم بها أمريكا. إسرائيل تقوم بحفريات تحت المسجد الأقصى وقد تهدمه يوما، وهي تعيد كتابة تاريخ المدينة المقدسة كما تشاء، وتجند علماء الآثار لخدمة المشروع الصهيوني وتبريره بالأساطير التوراتية، واحتفاليات عاصمة الثقافة العربية لا تساوي شيئا أمام هذا التبديل المخيف للوقائع وهذا التحريف المنهجي للتاريخ والتغيير المقصود للمعالم، ومع ذلك فإن إسرائيل لا تسمح حتى بنشاط رمزي يذكر الناس بالهوية العربية لمدينة القدس، ولا فرق هنا بين شرقية وغربية. المؤكد هو أن إسرائيل ستواصل تهويد القدس، وفي مقابل هذا سيواصل العرب اعتماد التسوية خيارا وحيدا في التعامل مع إسرائيل، وستبقى القدس في خطابات الحكام العرب مجرد إشارات غامضة للمسجد الأقصى الذي لا يفعلون شيئا من أجل إنقاذه من الهدم الذي يتهدده، ولن تستطيع السلطة الفلسطينية ومن يدعمها من العرب أن تدافع عن القدس ما دامت تعتبر أن الهدف الأول والأخير هو التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، أي اتفاق وبأي ثمن.