حرمت الشركة الفرنسية للنقل بالسكك الحديدية مؤخرا من المشاركة في مناقصة للفوز بمشروع في أمريكا، والسبب تاريخها إبان الحرب العالمية الثانية، إذ أن الشركة قامت بنقل اليهود المرحلين إلى المحتشدات والمحارق التي أقامتها النازية لليهود الأوربيين. هذا الخبر تناقلته وسائل الإعلام الفرنسية الأسبوع الماضي وعلقت عليه بأنه على الشركة أن تعتذر على هذا التاريخ غير المشرف لها. لكن، هل كان على وسائل الإعلام الفرنسية أن تكترث وتطالب الشركة بالاعتذار عن تاريخها الأسود لو لم يكن وراء افتكاك مثل هذه المواقف نشاط وضغط يهودي على المجتمع الدولي للاستفادة إلى أبعد الحدود من الجرائم النازية المقترفة في حقهم؟ طبعا لا. المصيبة أننا في الجزائر ورغم المحارق والمداخن، ورغم كل المجازر التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية ضد الجزائريين، خاصة في السنوات الأولى للاحتلال، أين طبقت مخطط التصفية العرقية في العديد من القرى والمداشر الجزائرية بشهادة جنود فرنسيين دونوا هذه المجازر في كتاباتهم ومراسلاتهم لرؤسائهم وأهلهم وذويهم، حيث اشتكوا من بشاعة الأعمال التي يمارسها جنود الاحتلال ضد الأهالي، نلاحظ أن هناك إرادة سياسية واضحة لمنح الأفضلية للشركات الفرنسية المشاركة في أية مناقصة في الجزائر، حتى أن فرنسا هي أكبر مستثمر أجنبي ببلادنا، مع أن كل الشركات الفرنسية دون استثناء شاركت وبقوة في الجرم الاستعماري سواء ضد الجزائر أو غير الجزائر، بدءا بشركات النقل البحري التي نقلت المعمرين القادمين من كل أوربا، ومرورا بشركات النقل الجوي، والتنقيب عن النفط والصناعات الحربية، والبنوك التي مولت الحملات ضد الجزائر، ومع ذلك فتحنا كل الأبواب واسعة أمامها، وكأن المجازر والمداخن والتنكيل الذي ألحقته القوات الاستعمارية بشعب أعزل، وكل البؤس الذي فرضته عليهم لأزيد من قرن، وكان أبشع بعشرات المرات مما ألحقته النازية باليهود، لا يعنينا ولم يمس أهلنا وذوينا. فبقدر ما كنا نتباكى على شتم الشهداء من قبل الإعلام المصري، بقدر ما نسينا وتسامحنا مع الفرنسيين، ومازلنا نرهن كل مستقبلنا بين أيديهم، مع أن الجميع يعي مدى الأحقاد التي يكنها لنا سياسيو هذا البلد، لأنهم لم يهضموا بعد استقلال الجزائر، ومازال حلم الجزائر الفرنسية يؤرق الكثيرين منهم. ألم يحن الوقت للتخلص من عقدة النقص تجاه كل ما هو فرنسي؟ ألم يحن الوقت لتجاوز عقدة المستعمر بكسر الميم؟ وهل يلزمنا قرن آخر من الزمن لنفهم أننا مثل أبناء عمومتنا اليهود، مررنا بتجربة إنسانية قاسية، ومن حقنا إجبار فرنسا وشركاتها على الاعتراف بالجرم.