منذ 15 سنة تقريبا كانت الجزائر تحترق، وعلى وقع ألسنة اللهب صرّح الزعيم الجزائري حسين آيت أحمد من باريس قائلا: "إنني أريد أن أشعل النار في جسدي كي ألفت انتباه الرأي العام الدولي لما يحدث في الجزائر"! ولكن الرأي العام الدولي لم يعر اهتماما لما قاله آيت أحمد! وبعد 15 سنة تقريبا طبق التونسي البوعزيزي نظرية آيت أحمد في جلب انتباه الرأي العام الدولي لما يحدث في تونس.. ونجح البوعزيزي في حرق نفسه وتحرير شعوب بأكلمها من الخوف وانخرطت في مطالب الحرية! في تونس حدث ما حدث ولم ينعقد مجلس الأمن الدولي! وفي مصر حدث أيضا ما حدث ولم ينعقد مجلس الأمن الدولي! ولم ينعقد مجلس الحرب لحلف شمال الأطلسي كما حدث الأمر في الشأن الليبي! وحتى الجامعة العربية لم يكن لها أي موقف في الشأن التونسي أو المصري مثلما كان شأنها في الموضوع الليبي! وحتى مجلس التعاون الخليجي الذي لم يهمه أمر البحرين وسلطنة عمان واليمن واهتم فقط بالشأن الليبي على غير العادة تناغما مع مجلس الأمن الدولي. صحيح أن بن علي ومبارك لم يقم أيّ منهما بقصف شعبه بالطائرات كما فعل القذافي.. لكن الصحيح أيضا أن الغرب وعرب الخليج المستغربين لهم مواقف خاصة من القذافي ومن ليبيا وشعب ليبيا.. ويهمهم أن يتصومل هذا البلد لتسهيل عملية الوصول إلى نفطه بسهولة.. وقبل هذا يسهل الوصول إلى احتياطاته الهائلة من مئات المليارات من الدولارات الموجودة في بنوك ليبيا.. والقذافي على استعداد لصرفها إلى مراكز القوة في الغرب من أجل شراء سكوتهم على ما يحدث في ليبيا! أو على الأقل تأجيل هذا السكوت لأطول وقت ممكن يصل فيه الوضع إلى حالة الصوملة! فلم يعد هناك فرق بين مشعل الحريق ورجل المطافئ ويكاد يتساوى في الأمر البوعزيزي بجلاد سيدي بوزيد؟! الملاحظ أن الغرب يحبّب ممارسة العنف حيث توجد منابع النفط! في السودان مورس العنف حتى تقسيم البلاد، وفي اليمن يجري العنف أيضا.. وفي العراق الجميع يعرف ما حدث.. وفي الجزائر جرى ما جرى ولكن الله حفظ الجزائر من كارثة الانشطار.. لكن الأمور تتم بسلاسة سلمية، حيث لا يوجد بترول ويمارس العنف حيث منابع البترول! هل يمكن أن نفهم مواقف العرب من أحداث ليبيا.. أو نفهم موقف القذافي من القاعدة وأمن إسرائيل وأمن أوروبا؟! وهل يمكن أن نفهم موقف الثوار من حكاية التدخل الأجنبي؟! لسنا ندري! لكن الواقع في ليبيا أخلط كل الأوراق.. فلم يعد القذافي قذافي ولا العرب عربا ولا الغرب غربا.. ولا حتى دول الجوار جوارا.. فقد اختلطت الأمور.