وعلى الرغم من تقديم عدة مسودات ومشاريع وبلورة تصور كامل للإستراتيجية الصناعية من قبل وزير الصناعة، السيد حميد طمار، فإن هذه الاستراتيجية لم تتجسد ميدانيا وقد طال أمدها، ما أثار استفهاما كبيرا لدى المتعاملين الاقتصاديين والمسؤولين السياسيين. وعلى الرغم أيضا من الكشف عن نسب نمو إيجابية مقارنة بالسنتين الماضيتين في عدد من القطاعات الصناعية العمومية، حيث قدرت نسبة النمو ب 2.2 بالمائة، ولكن هذه النسبة تظل نسبية واصطناعية وهي راجعة للارتفاع المحسوس لعدد من القطاعات على رأسها الطاقة، فيما عرفت قطاعات مثل الورق تراجعا كبيرا بالنظر إلى الأزمة التي يواجهها القطاع الصناعي العمومي، يضاف إليه الوضع السيء للقطاع الخاص، خاصة بعد الأزمة التي عرفها مجمع "تونيك"، حيث أدت هذه الأزمة لأول مجمع خاص في الجزائر الى تدني مستويات الإنتاج وتدني حصص السوق أيضا، إضافة إلى تراجع نسب النمو العام للقطاع الصناعي عموما. ونفس الأمر ينطبق على قطاعات مثل الجلود والنسيج وقد أضحى القطاع الصناعي العمومي مهددا بالزوال كليا. ومن المعروف أن الإستراتيجية الصناعية المعتمدة منذ أكثر من سنة لم تتبلور ميدانيا، وأن تسيير رؤوس أموال الدولة لايزال يخضع للأمر رقم 01-03 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتعلق بتنمية وتطوير الاستثمار والمرسوم التنفيذي رقم 01-253 المتعلق بكيفية سير مجلس مساهمات الدولة. وقد ارتأت السلطات العمومية، خاصة بعد استفحال الأزمة المالية الدولية إبراز أقطاب صناعية رائدة ضمانا لقدرات ومزايا خاصة للصناعة الجزائرية. وقد تم اختيار عدد من القطاعات "الرائدة" لضمان قدرة تنافسية في السوق، على غرار البتروكيمياء والكيمياء، إلا أن الأزمة المالية الدولية وتبعاتها أضفت غموضا أكبر، رغم توجه السلطات إلى العودة الى منطقة "الوطنية الاقتصادية" وتجميع المؤسسات أو إنشاء أقطاب جديدة. وقد شرعت السلطات العمومية في عملية تطهير جديدة للمؤسسات العمومية وإعادة تنظيم النسيج الصناعي وإعادة رسملة البنوك بعد تطهير محافظها من الديون المتعثرة. ولكن المساعي الجديدة لم تتضح ميدانيا، وطال أمد المرحلة الانتقالية والمراحل الأولية التي تم الإعلان عنها، خاصة التقييم والدراسات التي ساهمت فيها مراكز دراسات متخصصة ومكاتب خبرة لتقييم وضعية المؤسسات العمومية المؤهلة والقطاعات. وقد تقرر إنشاء 13 شركة صناعية كبرى تختص في مجالات تضمن لها قدرة تنافسية ومزايا تفضيلية، مع الشروع في مرحلة أولى في تشكيل تسع شركات كبرى. كما تقرر، بعد ضبط الشركات المعنية التي تنشط في مجالات الميكانيك والطاقة والبيتروكيماويات والصيدلة والكيمياء، فتح رأسمال هذه الوحدات للشركاء الأجانب دون أن تتعدى النسبة 50 في المائة. وفي حالة ما إذا تأكد التوجه الجديد للسلطات العمومية لإعادة النظر وإعادة بلورة الاستراتيجية الصناعية وفقا لمعطيات محينة وجديدة، فإن هذا التوجه سيعتبر بمثابة تراجع جديد عن الخيارات المعلن عنها، ما سيؤثر أكثر على البنية والنسيج الصناعي الهش أصلا.