شهدت مختلف المدن الفرنسية، اليوم الخميس، احتجاجات واسعة شلت قطاعات حيوية عدة، حيث خرج أكثر من مليون متظاهر للتعبير عن رفضهم للسياسات التقشفية التي تنتهجها الحكومة، بحسب ما أعلنته النقابات المنظمة. وتأتي هذه التعبئة بعد ثمانية أيام من حركة "لنغلق كل شيء" التي ضمت نحو 200 ألف مشارك، لتفتح مرحلة جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية بعد موجة الغضب التي اجتاحت فرنسا سنة 2023 ضد قانون إصلاح التقاعد. تعبئة نقابية غير مسبوقة الاحتجاجات جاءت بدعوة من ثمانية نقابات وأحزاب معارضة، وامتدت إلى مختلف القطاعات الحيوية، بما فيها النقل، التعليم، الصحة، الطاقة، والنظافة. وقدرت النقابات المشاركة عدد المتظاهرين بأكثر من مليون شخص، من بينهم نحو 100 ألف في باريس، فيما أحصت السلطات ما بين 300 و400 ألف متظاهر على المستوى الوطني. وفي قطاع التعليم، أعلنت النقابة الرئيسية للثانويات أن نسبة المضربين بلغت 45%، ما أدى إلى شلل شبه كامل في المؤسسات التربوية. أما في قطاع الصحة، فقد أغلقت أكثر من 18 ألف صيدلية أبوابها احتجاجاً على تقليص التخفيضات التجارية للأدوية الجنيسة، بينما اقتصرت العيادات على تقديم الخدمات الاستعجالية. شلل في النقل وتصاعد الغضب الاجتماعي تأثرت حركة النقل بشكل كبير، حيث سجلت اضطرابات واسعة شملت معظم الخطوط في المدن الكبرى، فيما توقفت عدة مصانع وخدمات عمومية. كما انضم عمال الجامعات ودور الحضانة والمكتبات إلى الحركة الاحتجاجية. الأمينة العامة للكونفدرالية العامة للعمال، صوفي بينيه، وصفت التعبئة ب"النجاح"، مؤكدة أن "لن يكون هناك استقرار حكومي من دون عدالة اجتماعية"، مجددة مطالب النقابات بإلغاء "ميزانية بايرو" والتراجع عن إصلاح التقاعد. حضور أمني مكثف ومواجهات محدودة لمواجهة المظاهرات، جندت السلطات أكثر من 80 ألف شرطي مدعومين بوسائل لوجستية، وطائرات مسيرة، وعربات مدرعة. ورغم الطابع السلمي للمسيرات في أغلب المدن، شهدت مدن ليون، مرسيليا، مونبولييه ورين مواجهات متفرقة بين متظاهرين وقوات الأمن. امتداد أزمة اجتماعية المشاركة الواسعة في احتجاجات اليوم أعادت إلى الأذهان تلك التي شهدتها فرنسا ضد إصلاح التقاعد في 2023، والتي بلغت ذروتها ب1.4 مليون متظاهر. ويؤكد المراقبون أن موجة الغضب الحالية قد تمثل اختباراً جديداً للحكومة الفرنسية، في ظل تصاعد المطالب الاجتماعية واحتقان الشارع.