ودّع المنتخب الوطني لكرة القدم أجواء المنافسة على المونديال و معانقة الدب الروسي عام 2018 ، مخيّبا بذلك آمال ملايين الجزائريين و غيرهم في ليلة حزينة بمدينة قسنطينة التي كانت فأل خير عليه منذ خمسة و ثلاثين سنة، أين تأهل لأول مرّة إلى المونديال عام 1982 و الذي أقيم باسبانيا و انتصرت فيه بجلاء الإرادة الجزائرية على المعجزة الألمانية. و مع ذلك فإن الإقصاء المبكر من السباق مع منتخبات ليست أحسن منّا أو الغياب عن أكبر محفل رياضي في العالم بأسره و إن كان يبعث على شيء من الحسرة و الندم، فإنه لا يشكل بأي حال من الأحوال نكسة رياضية أو كارثة وطنية كما يريد البعض من المتشائمين تصويرها بخبث و تقديمها للرأي العام على أنها عيّنة عن الفشل في مجالات أخرى. فهناك أمم تتكون من دول عظمى تعتبر فيها لعبة كرة القدم صناعة و حرفة في آن واحد و لكنها تتعثر و لا تكيّف ذلك على أنه جريمة وطنية تستوجب العقوبة القصوى أو تحميل الهزيمة الرياضية أكثر ممّا تحتمله . بل تحوّل العثرات الرياضية التي يتقبلها المتنافس النزيه و المناصر المنصف بكل روح رياضية، إلى مواعيد وطنية شجاعة للوقوف وراء الذي عثر و مساعدته على النهوض من جديد لاستكمال المنافسة الرياضية و تحقيق التفوق لإسعاد الملايين من المناصرين و إثارة إعجاب المتفرجين. إن المؤازرة و التضامن وقت الشدائد هو الذي يحفّز أكثر الرياضيين على تحقيق المعجزات الرياضية و قلب الهزائم إلى انتصارات في اللحظات الأخيرة من النزال الرياضي بين الأمم في المحافل الرياضية. و قد أثار بالفعل هذا التوجه الدائم نحو مؤازرة شبان المنتخب الوطني في الظروف الصعبة من قبل الأنصار، استغراب المتابعين الرياضيين الذين يجتهدون في البحث عن سر تعلق المناصرين الجزائريين بفريقهم القومي و قضاء عيد الأضحى المبارك إلى جانبهم في أدغال إفريقيا. و مع ذلك، فإن هذا لا يبرّر السكوت عمّا يجري في عالم الكرة المستديرة عندنا، أين أصبح المرء يستحي من ذكر النتائج الهزيلة التي أصبح يسجلها المنتخب الأول و كذا الفرق الرياضية على المستوى العربي و القاري في السنوات الأخيرة، مقارنة بالأموال السّخية التي سخّرتها و تسخّرها الدولة الجزائرية على أمل تسجيل حضور مشرّف بين الأمم المتحضرة و تحسين صورة البلاد في المحافل الرياضية الكبرى . رياضة كرة القدم و إن كانت الرياضة الأولى في العالم، فإنها لا تشكل مصدرا و حيدا لتأكيد الحضور ما بين الأمم و الشعوب و لا أيضا الباب الوحيد الذي يجلب السعادة و الرفاه لملايين الشبان الذين يتنفسون كرة القدم. فهناك رياضات أخرى لا تعد و لا تحصى و لا تكلف الدولة تجنيد أموال كبيرة، إذ يكفي النزر القليل من الإمكانيات المرصودة لصالح النخبة الوطنية، لتسجيل نتائج مشرّفة يذكر بها اسم الجزائر عاليا و يرفرف علمها شامخا و تذرف دموع الفرح بغزارة. إن الرياضة في عالم اليوم لم تعد كذلك، أي لم تعد لعبة مسلية لإمتاع الجماهير و فقط أو كرة تتقاذفها الأرجل و تتابعها العيون، بل أصبحت تتشكل من خلطة ممزوجة بالسياسة و الاقتصاد و الأمن و المال و لذلك النجاح في إعدادها يتطلب المزيد من الوقت و الصبر.