السيد عطاف يستقبل من قبل رئيس البرلمان السنغافوري    فلسطين: 11280 اعتداء نفذها الاحتلال الصهيوني خلال النصف الأول من 2025    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57523 شهيدا و 136617 مصابا    رفع الاثقال/ البطولة الوطنية (أكابر, أواسط, أشبال) : أكثر من 300 مشارك في الطبعة ال60 بوهران    موجة حر شديدة وأمطار رعدية مرتقبة على عدد من ولايات الوطن يومي الاثنين و الثلاثاء    السيد حيداوي يشيد بإصلاحات رئيس الجمهورية لتعزيز مساهمة الشباب في بناء الجزائر المنتصرة    كأس إفريقيا للأمم للسيدات 2024: انتصار مهم للجزائر أمام بوتسوانا    فولفسبورغ الألماني : عمورة يتعافى من الإصابة ويندمج في تحضيرات الموسم الجديد    ميلان يوجه إهانة قاسية لياسين عدلي..وجه نادي ميلان الإيطالي إهانة قاسية لياسين عدلي، قبل ضربة انطلاق استعدادات الموسم الجديد    سوناطراك توقع عقدا مع إيني لاستكشاف واستغلال المحروقات في محيط زمول الكبر    وزير المجاهدين يعزي في وفاة المجاهد أحمد بوحيرد    بشار: انتهاء أشغال انجاز خط السكة الحديدية تندوف-غارا جبيلات    مرصد صحراوي يدعو إلى فتح تحقيق في أنشطة الشركات المتورطة في نهب موارد الصحراء الغربية    كرة القدم (الرابطة المحترفة الاولى" موبيليس"): مهدي رابحي يستقيل من رئاسة مجلس إدارة شباب بلوزداد    رئيس الجمهورية: حرصنا على تسخير كل إمكانيات الدولة لإنجاح التمكين الاقتصادي للشباب    جانت: مخيمات صيفية لفائدة 130 طفلا بشواطئ ولاية الشلف    البيض : الانتهاء قريبا من ربط ثلاثة تجمعات سكنية ريفية بشبكة الغاز الطبيعي    الاحتفال بعيدي الإستقلال والشباب بمعسكر: فنانون يمتعون العائلات المعسكرية بوصلات غنائية من مختلف الطبوع    سوق أهراس : إعادة فتح المسرح الجهوي مصطفى كاتب بعد أشغال تهيئة شاملة    اللقاء الوطني للفنون التشكيلية بمعسكر : لوحات زيتية تسلط الضوء على شخصيات تاريخية    الصحراء الغربية : إصابة ثلاثة أشخاص بالأراضي المحتلة    خريف الغضب يطيح بفرنسا..؟!    تغيراتها وانعكاساتها الإقليمية ج2    جامعة الجلفة تناقش 70 مذكرة تخرج    ضرورة بناء جبهة إعلامية موحدة للدفاع عن الجزائر المنتصرة "    رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بالنادي الوطني للجيش    عملية إعادة تشغيل ثلاثة أرصفة لتعزيز قدرات معالجة الحاويات    نهاية مهمة بن يحيى    ارتفاع حصة الجزائر بدءاً من أوت    إطلاق اسم المجاهد درايعية على مقر مديرية الأمن الوطني    ناصري: الجزائر ستبقى سيّدة    ما هي الهالات السوداء    كالثلج بسرعة لن تصدقي جمال أبتسامتك    طريقة تنظيف ثريات الكريستال بعناية وخطوات سهلة    عفو رئاسي عن آلاف المحبوسين    هذا جديد الجوية الداخلية    2.2 مليون منزل متصل بالألياف البصرية    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    من اندر الاسماء العربية    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    نظام المغرب غير مستدام والانتفاضة الشعبية أمر حتمي    تكريم الرئيس تبون عرفانا بما يقدمه للرياضة الجزائرية    البحث الأكاديمي يسلّط الضوء على آليات صون قصيدة "سبيبا" في مهرجان جانت الثقافي 2025    سونلغاز تعزز شبكة الكهرباء في العاصمة استعدادًا لصيف 2025    شعيب كوسة ومولود عكروف وكوثر فراحتية يتوّجون في مهرجان شعر الشباب بمستغانم    "سوقرال" تطلق تطبيق "طاكسي سايف" لطلب سيارات الأجرة المعتمدة    حق الصحراوين في تقرير المصير لا يمكن التنازل عنه    نادي سوسطارة يتوّج بالتاسعة    صدور "خراطة من الاحتلال إلى الاستقلال"    توقرت: قطاع الصحة يتدعم بعيادة طبية نموذجية متعددة الخدمات    تدشين مشاريع تنموية هامة وإطلاق أخرى    تكريم المتفوقين وحث على البعد الأكاديمي العالي في التكوين    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطوفون بالمسجد الحرام
نشر في النصر يوم 02 - 02 - 2019


مهنة مقدسة تجاوزت 5 قرون من الزمن
يتخذون مواقع لهم على بوابات المسجد الحرام بمكة المكرمة في نظام بديع، ينتظرون طلبات الحجيج و المعتمرين غير القادرين على أداء المناسك الشرعية، بسبب تقدم السن و المرض و العجز الحركي، لأن المهمة ليست سهلة بأكبر مسجد على وجه الأرض ، و خاصة خلال أوقات الذروة عندما تمتلئ مواقع أداء الشعائر، و تصبح الحركة غاية في الصعوبة حتى بالنسبة للزائرين الذين يتمتعون بالصحة و اللياقة البدنية.
روبورتاج: فريد غربية
بلباس موحد و كراسي متحركة و صبر جميل، يقابلونك بابتسامة و وجه بشوش رغم التعب و ثقل السنوات الطويلة ، إنهم طوافة المسجد الحرام الذين ورثوا المهنة المقدسة منذ أكثر من 5 قرون من الزمن، مدة طويلة تطورت معها مهنة الطوافة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من أطر قانونية تنظمها، و إمكانات مادية تسهل المهمة ، و تمد في عمر المهنة الشريفة التي تجمع بين العبادة و الرزق الحلال الذي يحفظ كرامة آلاف العائلات المكية التي تعتمد على مواسم الحج و العمرة لتأمين مصادر عيشها من التجارة و خدمة الزوار.
هم متواجدون بالحرم المكي المقدس على مدار الساعة تقريبا ، لأن شعائر الطواف و السعي لا تتوقف ، فليل مكة كنهارها ، حشود بشرية كبيرة في تحرك دائم بين الحرم و الفنادق المحيطة به، و الحاجة للمطوفين مستمرة على مدار ساعات الليل و النهار.
200 ريال سعودي و مسيرة 10 كلم وسط زحام شديد
عندما يتم الاتفاق بين المطوف و الحاج و المعتمر تبدأ الرحلة المقدسة و الشاقة أيضا، لأن مهمة رجال التحدي ليست سهلة كما يتصور البعض، فهي تجمع بين الجهد البدني المضني و أحكام الطواف و السعي، و العلاقة الإنسانية المميزة بين المطوف و زائر بيت الله الذي يأمل في أداء المناسك على أكمل وجه رغم المرض و العجز عن الحراك، فقد أجاز المشرع لهؤلاء أن يستعينوا بالمطوفين للقيام بالمهمة الصعبة و العودة بأمان إلى الفنادق و الديار البعيدة.
و تعد الطوابق العلوية من المسجد الحرام المكان المخصص لعمل المطوفين، لأنه من الصعب إنجاز المهمة بالمطاف الأرضي حول الكعبة الشريفة نظرا لصعوبة استعمال الكرسي المتحرك بسبب الازدحام الشديد ، و خاصة عندما يمتلئ الصحن و يضيق بالآلاف من الطائفين .
و تبلغ تكلفة الطواف و السعي بالحاج أو المعتمر الواحد 200 ريال سعودي، أي ما يعادل 11 ألف دينار جزائري ، و تقدر مسافة الطواف و السعي بنحو 10 كلم يقطعها المطوف في نحو ساعتين من الزمن في الحالات العادية ، لكن هذا الوقت قد يتضاعف عندما يشتد الزحام وقت الصلاة و بعدها ، حيث تضيق مسارات التحرك ، و يجد المطوفون صعوبة كبيرة في شق صفوف الحشود الكبيرة المتحركة بالمطافات العلوية ، و عندما يشتد الوضع تسمع عبارات «طريق، طريق» في كل مكان، حيث يطلب المطوفون من الناس فتح المسارات و عدم إعاقة الكراسي المدفوعة بقوة ، و من يقع في طريقها قد يسقط أرضا أو يتعرض لإصابات على مستوى الأرجل فيعتذر له المطوف و يساعده على الوقوف.
و يحاول المطوفون تفادي الحوادث قدر الإمكان ، لكنهم لا يجدون التفهم و المساعدة من الزوار المندفعين في كل الاتجاهات لحجز مواقع للصلاة أو البحث عن منافذ الخروج ، و في أوقات الذروة يتوقف الطوافة عن العمل ريثما يقل الزحام و تنفتح المسارات.
و يعد الطواف بالأدوار العلوية أطول و أكثر صعوبة مقارنة بالطواف الأرضي الأقصر مسافة ، لكنه لا يستوعب العدد الكبير من الطائفين على الكراسي المتحركة. و يعد الطواف الأكثر جهدا على المطوفين نظرا لطول مسافة الدور ، و الزحام الشديد ، لكن السعي بين جبلي الصفا و المروة يبدو سهلا نظرا لقصر المسافة و تراجع الزحام ، و من هنا ينهي المطوف المهمة و يسلم الحاج أو المعتمر لذويه، في انتظار عاجز آخر يبحث عن المساعدة.
هذه هي شروط ممارسة المهنة
تفرض القوانين السعودية المنظمة لمهنة المطوف شروطا صارمة على المؤهلين لأداء المهمة، و في مقدمة هذه الشروط القدرة البدنية و العقلية و السلامة من الأمراض المعدية، و معرفة طرق أداء
شعيرتي الطواف و السعي كالدعاء و الهرولة و التوقف المؤقت عند الوصول إلى ركن الحجر الأسود، لبداية شوط جديد، و الصلاة بعد الطواف ثم التوجه إلى مشعر الصفا و المروة.
و يعمل كل مطوف بترخيص من الهيئة المشرفة على الحرم المكي و إدارة الحج و العمرة، و يحمل رقما مميزا و مسجلا على قوائم المطوفين، و تعمل الهيئة على تجديد الرخص كل موسم، و يمكنها أن تستبعد بعض الطوافة ممن فقدوا الأهلية بسبب تقدم العمر و المرض، و غيرها من الأسباب الأخرى التي تسقط أهلية المطوف و تفقده مصدر العيش الوحيد.
و يرى بعض المدافعين عن الطوافة بالمسجد الحرام بأنه مادام المطوف قادرا من الناحية البدنية فإنه من غير المقبول استبعاده بسبب تقدم السن، لأن مهنته حرة لا تخضع لقانون الوظيفة العامة ، و يمكنه مواصلة العمل ما دام يتمتع بالقوة البدنية و العقلية التي تسمح له بأداء المهمة بكفاءة.
و يتعامل المطوف بالمسجد الحرام مع عدة جنسيات تتحدث لغات و لهجات مختلفة ، و هو غير مطالب بتعلم هذه اللهجات ، و اللغات المختلفة لأن مهمته تقتصر على نقل الحاج و المعتمر عبر مسارات محددة على كرسي متحرك ، و ما هو مطلوب منه فقط إنجاز الأشواط السبعة على المطاف ، و الأشواط السبعة بين الصفا و المروة ، و تلقين الحاج أو المعتمر بعض الأدعية و الآيات القرآنية التي تذكر بمواقع محددة خلال الطواف و السعي. و ترتسم بين الحاج و المطوف علاقة إنسانية سامية تعتمد على الاحترام و تقديس المهمة و الشعائر الدينية ، و يعد موقع المروة آخر محطة في المهمة الشاقة، هنا تنتهي شعائر الطواف و السعي و يسلم الحاج أو المعتمر لذويه داخل الحرم أو على بواباته الخارجية، و أحيانا يوصله إلى الفندق مقابل مبلغ إضافي يتم الاتفاق عليه مسبقا.
حفاة بصبر جميل من أجل زوار بيوت الرحمان
تعد الطوافة بالحرم المكي و حتى المزورون بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة جزءا من مسيرة الحج و العمرة، و ذكرى جميلة يعود بها الزوار إلى ديارهم، و من غير الممكن أن يكون الحج و العمرة بدون مطوفين و خدم و رجال خفاء لا نراهم، لكنهم يعملون ليل نهار في مختلف أقسام الحرم المكي المقدس لضمان الخدمات المختلفة كالتهوية و الإنارة و الصوت، و البث الحي، لكن الطوافة هم الأقرب إلى الزائر و الأكثر اتصالا به عبر مسارات الطواف و السعي، فهم يساعدون المرضى و يرشدون التائهين، و ينقذون الناس من مخاطر الزحام، و هذه ليست مهمتهم بالطبع، لكنهم يضحون في كل مرة لأنهم أهل البيت الذين أصبحوا جزءا من التجمع الديني الكبير.
و يمتاز الطوافة بخفة الحركة و القدرة على التحمل و الصبر وسط الزحام الشديد، لكنهم يواجهون أحيانا تعنت بعض الحجاج و المعتمرين الذين يعيقون عمل المطوف عندما يعترضون طريقه و لا يسمعون نداءاته و توسلاته بفتح المسار.
و في كل مرة تتكدس فيها الكراسي المتحركة هنا و هناك بسبب الزحام يتدخل أمن المسجد الحرام بسرعة لمساعدة المطوفين و فتح الطريق أمامهم، و إبعاد الحشود الكبيرة التي تتنقل عبر المطافات العلوية و في كل الاتجاهات.
و يعمل المطوفون حفاة كالحجيج و المعتمرين تماما، فهم داخل المسجد المقدس و لا يمكنهم ارتداء الأحذية مهما كان نوعها، و لتفادي العواقب الصحية على القدمين يرتدي بعض الطوافة ما يشبه الجوارب الجلدية السوداء التي تساعدهم على السير فوق أرضية من الرخام الأبيض باستمرار دون الشعور بالألم ، لأن المهمة الشاقة قد تمتد سنوات طويلة لخدمة زوار المسجد الحرام و الحصول على مصادر العيش من أشرف مهنة بالبقاع المقدسة إلى جانب مهن أخرى لا تقل أهمية بينها الأمن و السقاية و التنظيف و الإرشاد الديني و تنظيم الحركة داخل الحرم و خارجه.
5 قرون و نصف من التطوّر
و حسب ما هو متداول حول طوافة الحجيج بالبقاع المقدسة فإن مهنة المطوف ظهرت سنة 884 هجري الموافق لسنة 1463 ميلادي على يد القاضي إبراهيم بن ظهيرة، و تم الاعترا ف بها كمهنة في عهد الملك عبد العزيز، و ظلت هذه المهنة المقدسة تتطور على مدى 5 قرون و نصف من الزمن، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من التنظيم و الإمكانات المادية المتاحة. و مع مرور الزمن ظهرت مؤسسات الطوافة و أصبح العمل أكثر تنظيما و دعما لمواسم الحج خاصة، أين يكثر الطلب على خدمات المطوفين من قبل العاجزين و كبار السن غير القادرين على أداء ركني الطواف و السعي بالمسجد الحرام. و من النادر أن ترى مطوفا غاضبا رغم التعب و المضايقة و الزحام الشديد، و ليس المطوفين وحدهم من يتحلون بالصبر و الهدوء و التسامح و الأخلاق العالية، فالحال كلها هكذا داخل الحرم و خارجه الكل منشغل بالعبادة و اغتنام فرصة تواجده بأقدس مكان فوق الأرض لزيارة المواقع المقدسة و التواصل مع المسلمين من مختلف أنحاء العالم.
و يعد المطوفون أول مستقبل لزوار المشاعر المقدسة منذ أمد بعيد، و لذا نشأت بين المطوف و الزائر علاقة مميزة مازالت صامدة في وجه التحولات الاجتماعية التي انتقلت بمهنة الطوافة من العمل الخيري التطوعي إلى المهنة المنظمة التي تجمع بين الكسب الحلال و القداسة و خدمة ضيوف الرحمان القادمين من مختلف أصقاع الأرض تلبية للنداء الخالد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.