نظّمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية بالتعاون مع الجمعية الثقافية "الجاحظية" والاشتراك مع مخابر البحث "الجماليات، إشكالية البحث العلمي"، أوّل أمس، ندوة فكرية بعنوان "مالك بن نبي في ذكرى وفاته نحو قراءات جديدة لمشروعه النهضوي"، تناولت بعض المفاهيم والخلفيات لمشروع بن نبي النهضوي، مع تقديم طرح نقدي يزيل ذلك التشبّث بأفكار بن نبي، وإغلاق الأبواب والنوافذ عليها دون إعادة قراءتها وتفعيلها. أشار الأستاذ عبد الحميد صحراوي رئيس جمعية "الجاحظية" في كلمته الترحيبية، إلى أنّ اللقاء يحمل مستوى عاليا من الطرح والنقاش، وبالتالي يمثل إضافة إيجابية للجاحظية، فيما أكّد الدكتور عمر بوسماحة رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أنّ الندوة إحياء لذكرى رحيل المفكر مالك بن نبي في 31 أكتوبر سنة 1973. وقال إن بن نبي ليس بالاسم البسيط لا في الجزائر ولا في العالم؛ حيث إنّ ذِكره أحدث الكثير من الارتدادات عبر الأمم، مضيفا: "علينا أن نكون أوفياء لثقافتنا، وللفلسفة التي هي خطاب نقدي بعيد عن أيّ تحنيط للأشخاص". تجاوز السرد وصورة الشخصية الصنم دعا الدكتور بوساحة إلى عرض أفكار بن نبي التي مازالت قائمة، وأخرى تجاوزها الزمن، وأيضا أفكار أخرى لاتزال صالحة لراهننا المعيش، وتجاوز تلك الصورة التي جعلت من هذا المفكّر صنما، مع الإشارة، حسب المتحدّث، إلى أنّ الكثير من القراءات والندوات كانت سردا لأفكار بن نبي، فيما تركّز هذه الندوة على وضع مالك بن نبي في الميزان. ونشّط الدكتور عبد الحق شعلان من جامعة باتنة وعضو مخبر "المشافهة والحضارة " ومدير دار "أوكسيجين للنشر"، القسم الأوّل من الندوة، بعنوان "مشروع بن نبي.. قراءة في المفاهيم والخلفيات المعرفية"؛ حيث أشار إلى أنّ المشروع الفكري لبن نبي يجب أن يكون له قراءات متعدّدة تتجاوز الأطروحات السردية، مؤكّدا أنّ هذا المفكّر كان يريد التغيير، وبالتالي بنى مفاهيمه ضمن هذا المشروع، طبعا ضمن سياق تاريخي معيّن. وجاءت كتاباته تلامس الفضاء العربي والغربي، علما أنّه تأثّر بالمكوّن الديني في طرحه لهذا المشروع الحضاري، قائلا إنّ هذا المشروع له ما له، وعليه ما عليه، وبالتالي يمكن تعديل أو تجاوز بعض ما فيه من أفكار، داعيا بالمناسبة، إلى تجاوز القراءات الاجتزائية (الجزئية). كتابات كان لها سياقاتها أشار المتحدث أيضا إلى أنّ كتابات بن نبي كان لها سياقاتها؛ فما كتبه بالفرنسية جاء في سياقه ولم يكن ضمن العقل الفقهي. وكتاباته بالعربية كانت عند إقامته بمصر. وكان بن نبي يكتب في الثقافة التي تتجاوز عنده المعرفة، إلى فضاء السلوك والأخلاق، وبالتالي وصفها بالمنظومة الشاملة لكلّ الأطروحات (منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها). وقد قسّم بن نبي، كما أكّد المحاضر، الحضارة إلى تعريفين، وهما "الإصلاحي" الذي يخصّ الإمكانيات المادية المتوفّرة، و"التركيبي" المتضمّن عنصر الإنسان، والزمن والتراب. وعن ربط بن نبي بالفكرة الدينية، أكّد الدكتور شعلان أن حتى المفكّرين في الغرب استندوا على أفكار دينية، ولا غرابة في ذلك. كما تم إسقاط العقل التقني لبن نبي (مهندس كهربائي) في توظيفاته الفكرية، زيادة على استعانته بالجداول والبيانات و"المولدات" العلمية. وتحدّث المحاضر عن بن نبي الذي قال: " بعد عصر الموحدين جاءت مرحلة "النزوة" ؛ أي التقهقر والنزول عند المسلمين، ليصف المجتمعات العربية بالطفولة الفكرية؛ أي أنّها لا تنتج. أما بالنسبة لقراءة بن نبي الثورة الجزائرية فقال إنّه ارتكز على فكرة قابلية الاستعمار، مستمدا أفكاره من ابن باديس مثلا، الذي قال: " أَخرجوا الاستعمار من عقولكم يخرج من أرضكم"، زيادة على تأثّره بغاندي، وابن خلدون. وبدوره، تحدّث البروفيسور مولود عويمر في الشقّ الثاني من الندوة، عن آثار وفكر بن نبي؛ على اعتبار أنّه من كبار المفكّرين المعاصرين في العالم، ولايزال يثير اهتمام الباحثين عبر جامعات العالم من خلال الدراسات والرسائل والأطروحات. ويُعدّ بن نبي الأكثر دراسة وإقبالا من الأجانب، أكثر من باقي الشخصيات العربية والإسلامية الأخرى. وبالمناسبة، عرض البروفيسور عويمر كتابه "مالك بن نبي في الكتابات المعاصرة" . وفيه تم جرد 3 آلاف عنوان كتاب عن بن نبي (عربية وفرنسية وإنجليزية). كما استعرض بعض كتابات الراحل بن نبي منذ كتابه الأوّل "الظاهرة القرآنية" سنة 1947، وصولا إلى مذكراته التي كتبها في 1973. مشروع بن نبي كان ينقصه التطبيق قال المتحدث إنّ أهم ما جاء به بن نبي هو تأسيسه لمشروع نهضوي آمن واقتنع به، مؤكّدا أنّ هذا المشروع كان سيزدهر أكثر لو تجاوز الإطار النظري إلى التطبيق في سياق تغيير المجتمع تماما، كما كانت الحال مع كارل ماركس، الذي تبنّت مشروعه الأحزاب والنقابات، وجسّدته على أرض الواقع. وقال البروفيسور عويمر إنّ أفكار بن نبي يرى البعض أنّها جاءت في الزمن والمكان الخطأ، وبكيفية خاطئة؛ إذ رأوا أنّه لم يكن حرا تماما (أنديجان)، وعاش في مجتمع محتل. كما ارتبطت الأمثلة والنماذج التي قدّمها بالمجتمع الجزائري، وبالتالي فهو لم ينظّر لدولة مستقلة حينها. وعن كتاباته في فكرة الآفرو-آسيوية كمشروع سياسي كبير، فإنّها لم تعمّر. وتراجع وزن دولها القائدة؛ مثل مصر والهند ويوغوسلافيا، لتبقى فكرة الشمال والجنوب عوض الشرق والغرب التي طرحها، قائمة. وحثّ المحاضر على وجوب انتهاج قراءة نقدية واعية لكلّ المفكّرين؛ لتجاوز الرتابة، وتقديم الجديد للاستفادة من ذلك في