الرئيس تبون يؤكد أن المسألة غير قابلة للتنازل أو المساومة: المصداقية والجدية مطلب أساسي لاستكمال معالجة ملف الذاكرة    رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل يؤكد: الاستعمار كان يهدف لتعويض الشعب الجزائري بشعب أوروبي    القمة الإفريقية حول الأسمدة بنيروبي: رئيس الجمهورية يبرز الدور الريادي للجزائر في مجال الأسمدة عالميا    خلال اجتماع اللجنة المشتركة: تأكيد على ضرورة تكثيف التعاون الجمركي بين الجزائر وتونس    تحذيرات من كارثة إنسانية جراء هذه الخطوة    أطلقتها مديرية الحماية المدنية: قافلة لتحسيس الفلاحين بطرق الوقاية من الحرائق    باتنة: الدرك يطيح بعصابة سرقة المنازل بمنعة    والي خنشلة يكشف: مشاريع البرنامج التكميلي وفرت 5852 منصب عمل    الرئيس تبون يؤكد على ضرورة التجنّد لترقية صورة البلاد    على هامش لقاء سوسطارة والكناري حسينة يصرح: ملفنا قوي و"التاس" ستنصفنا    بسبب نهائي كأس الرّابطة للرديف: رقيق وعويسي خارج حسابات مدرب وفاق سطيف    وفاة الأسيرة الصهيونية "جودي فانشتاين"    الجزائر تدين بشدة تنفيذ الاحتلال الصهيوني لعمليات عسكرية في رفح    استراتيجية جديدة للتعليم والتكوين عن بُعد السنة المقبلة    اتفاقية بين ألنفط و إيكينور    دورة جزائرية تركية    دور ريادي للجزائر في تموين السوق الدولية بالأسمدة    بدء التوغل العسكري الصهيوني في رفح    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    تكريم الفائزين في مسابقة رمضان    الجزائر تضطلع بدور ريادي في مجال الأسمدة وتطوير الغاز    مشروع مبتكر لكاشف عن الغاز مربوط بنظام إنذار مبكر    قسنطينة تستعد لاستقبال مصانع التركيب    هذه مسؤولية الأندية في التصدى لظاهرة العنف    دخول 3 رياضيّين جزائريّين المنافسة اليوم    دريس مسعود وأمينة بلقاضي في دائرة التّأهّل المباشر للأولمبياد    16 موزعا الكترونيا جديدا لتحسين الخدمة قريبا    تأكيد على دور حاضنات الأعمال في تطوير المؤسسات الناشئة    دعوات دولية لإتمام اتفاق وقف القتال    دعمنا للقضية الفلسطينية لا يعني تخلينا عن الشعب الصحراوي    زعماء المقاومة الشّعبية..قوّة السّيف وحكمة القلم    3 مراحل تُنهي الحرب وتُعيد النازحين وتُطلق سراح الأسرى    الحجز الإلكتروني للغرف بفنادق مكة ينطلق اليوم    ترحيل 141 عائلة من "حوش الصنابي" بسيدي الشحمي    بن رحمة هداف مجددا مع ليون    وزير التربية:التكوين عن بعد هي المدرسة الثانية    حجام يتألق في سويسرا ويقترب من دوري الأبطال    الأهلي المصري يرفع عرضه لضم بلعيد    تبسة : ملتقى وطني حول تطبيق الحوكمة في المؤسسات الصحية    صيد يبدع في "طقس هادئ"    طرح تجربة المقاهي ودورها في إثراء المشهد الثقافي    فيلم سن الغزال الفلسطيني في مهرجان كان السينمائي    دعوة إلى تسجيل مشروع ترميم متحف الفسيفساء بتيمقاد    تفكيك جماعة إجرامية مختصة في السرقة    دعوة لإعادة النظر في تخصص تأهيل الأطفال    مطالب ملحّة بترميم القصور والحمّامات والمباني القديمة    أولاد جلال : حجز 72 كلغ من اللحوم غير صالحة للاستهلاك    أم البواقي : أسعار الأضاحي تلتهب والمواطن يترقب تدخل السلطات    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    هول كرب الميزان    بن طالب يبرز جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة لدى فئة الشباب    وزير الاتّصال يكرّم إعلاميين بارزين    دعوة إلى تعزيز التعاون في عدّة مجالات    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غياب المجلات
نشر في النصر يوم 18 - 03 - 2013


الجزائر تفتقد إلى حاضنات الثقافة
في الوقت الذي تحتفل فيه الجزائر بزحمة في المهرجانات الفنية والأدبية، نجدها تفتقر إلى مجلات أدبية وثقافية بالمعنى الواسع للكلمة، متخصصةتُعنى بالمشهد أو الشأن الثقافي والأدبي، على غرار العديد من الدول العربية التي لها تاريخ وتقاليد عريقين في المجلات الأدبية والثقافية، مثل"العربي" الكويتية، و"دبي الثقافية" و"تراث" الإماراتيين، و"الدوحة" و"تبيين" القطريتين، و"نزوة" العمانية،. الجزائر وحتى اليوم لم تفلح في انجاز مجلة ثقافية واحدة مديدة العمر والسنوات، فأين يكمن الخلل؟.وهل غياب المجلات الثقافية يعود إلى فشل السياسات الثقافية،أوإلى غياب الدعم والتمويل.أم أكثرلغياب إستراتيجية خاصة بهذا الشأن. أيضا، لماذا فشلت مجلات مثل "آمال" و"الثقافة"، و"التبيين" في الاستمرارية والصمود، وانتهت كلها إلى التوقف والاختفاء، وأحسنها حالا إلى عودة متذبذبة وخجولة.لماذا فشلت الجزائر في التأسيس لتقاليد المجلات الثقافية؟، ولماذا لا توجد نيات لإنشاء وإصدار مجلات ثقافية دائمة ومنتظمة الصدور، أو إعادة بعث بعضها وتطويرها؟ ولماذا هذا العزوف عن إصدار مجلات ثقافية من طرف الخواص والمؤسسات الثقافية والجمعيات. ما أسباب أزمتها؟، ما الحلول الممكنة وما معايير نجاحها؟.حول هذه المسألة، يتحدث بعض الكُتاب والأدباء في ندوةكراس الثقافة.
استطلاع/ نوّارة لحرش
بوداود عميّر/ كاتب ومترجم
الجزائر وبإمكانياتها المالية والثقافية دون مجلة ثقافية ذات بال
من الإجحاف وضع المجلات المتخصصة التي تعنى بعالم الإبداع وشؤون الثقافة في خانة الاعتماد على النفس وإلزامها الامتثال للقواعد التجارية المسيرة وربطها بقانون العرض والطلب كأي سلعة استهلاكية، أو كما هو منتهج بشكل أو بآخر على مستوى الصحف الخاصة على سبيل المثال إذا ما اعتمدنا هذه الأخيرة معيارا للتنافس وتقديم خدمات إعلامية، باعتبارها تعتمد أساسا على عائدات الإشهار كمورد اقتصادي أساسي، وتتولى في مستوى آخر نشر الأحداث الآنية والأخبار الخفيفة في مجالات معينة محددة بعناية قد يحتاجها المتلقي لمدة معينة من الزمن يقتضيها فضول ما أو حاجة آنية، وبالتالي فهي لا تضطلع بأية إستراتيجية محددة في صناعة الوعي ومحاولة تغيير الواقع نحو الأفضل، وبهذا المعنى فهي لا تحتاج في إدارة شؤونها وتحرير مواضيعها وتحديد أهدافها إلى نخبة من الأدباء والمثقفين، يكفي أن يكون المسيّر مُلما بشؤون المال والأعمال ولا يهم رصيده الثقافي ومنجزه العلمي لتولي تسيير الصحيفة ماليا وخطا افتتاحيا تقتضيه مصالحه الضيقة في السياسة والأعمال، وقس على المنوال نفسه محدودية كفاءة العاملين فيها أو هكذا يبدو على مستوى عدد معتبر من الصحف الجزائرية على الأقل، سواء المستقلة منها أو التابعة للدولة، فليس غريبا والأمر كذلك ملاحظة اختفاء المادة الثقافية تماما من صفحاتها، فضلا عن التفكير في إصدار ملاحق ثقافية. المجلات الثقافية على النقيض من ذلك تمثل منابرا علمية تتوخى خدمة عمومية وتجسّد أهدافا تختلف شكلا ومضمونا عن النهج المتبع عبر الصحف اليومية من حيث أنها ترمي أساسا إلى تحقيق جملة من الغايات السامية والأهداف بعيدة المدى، كما تؤدي دورا مهما في تشكيل الرأي العام وتحرص على تلبية حاجة المواطن في التثقيف وتوسيع أفقه العلمي والمعرفي، وبالتالي فهي تتوجه إلى فئة معينة من القراء، أقل بالضرورة من قراء الصحف اليومية، من هنا يأتي شحّ موارد تمويلها متمثلة خاصة في ضعف المبيعات ونقص الإعلانات، دون أن نغفل تكاليف المجلات التي تعتمد أساسا على نوعية معينة من الورق وعلى الصور الملونة في كثير من الأحيان، من هنا يأتي واجب الدولة الأساسي والضروري في رعاية المبادرات الثقافية والتي من أهمها تأسيس مجلات ثقافية من شأنها أن تساهم في صقل المواهب في مختلف مجالات الأدب والمعرفة وتحريك الواقع الثقافي نحو الأفضل، إلى جانب الحرص على تشجيع الكُتاب الجزائريين ماديا ومعنويا للمساهمة في إثراء مواضيع المجلات المتنوعة بما يملكون من كفاءات وخبرات، بدل لجوئهم إلى منابر عربية وأجنبية أخرى يحققون لهم حوافز التشجيع على الكتابة. يبدو في السنوات الأخيرة وهو أمر يدعو حقا للتنويه، أن ثمة تنافسا قائما على مستوى الوطن العربي في السعي إلى إصدار مجلات ثقافية بإمكانيات مادية وبشرية هائلة، مجلات لا تطمح إلى تحقيق مكاسب تجارية على الإطلاق، بدليل أن البعض من هذه المجلات ترفق معها كُتبًا مجانية، وهو ما تفعله على سبيل المثال مجلة دبي الإماراتية، مجلة الدوحة القطرية ومجلة الرافد من إمارة الشارقة، ولعل المتفحص لسعر المجلة يندهش للثمن الزهيد الذي قد لا يغطي حتى ربع صفحات من مجلة تتجاوز صفحاتها في كثير من الأحيان مائة صفحة، ناهيك عن الكِتاب المرفق كهدية مجانية -يبلغ سعر مجلة الدوحة مثلا مرفقة بكِتاب مجاني حوالي 80 دج فقط-.ولعل الهدف الأساسي من وراء إصدار هذا الصنف من المجلات كما هو واضح، هو تسويق إلى العالم صورة الدولة التي تعتني بالثقافة من جهة، وتحرص من جهة أخرى على استقطاب الكفاءات العربية في مجالات الأدب، العلم والمعرفة بما تتيحه من وسائل التحفيز المادية، من أجل اكتساب الخبرة والتعريف بتاريخ وثقافة البلد ورموزه الفكرية والأدبية. لا شك أن للجزائر تقاليد راسخة في إنتاج المجلات الثقافية، ففي الثمانينيات كانت تصدر مجلات: الأصالة، الثقافة، ألوان، آمال التي تُعنى بأدب الشباب، الشاشتان التي تُعنى بالسينما، ناهيك عن المجلات المخصصة للأطفال والمرأة، وكانت تعتبر بفضل ما كانت تحويه من مواد ثقافية وفكرية عميقة، بمثابة مراجع للبحث لا مناص منها. للأسف جميع هذه العناوين اختفت ماعدا عنوانا أو عنوانين، عادت مجلة الثقافة ومجلة آمال مثلا ولكنها عودة متعثرة إن لم نقل فاشلة، وهكذا وجدت الجزائر نفسها بإمكانياتها المالية والثقافية دون مجلة ثقافية ذات بال، في حين تحفل دول عربية أخرى بمجلات ثقافية راقية فرضت وجودها على الساحة العربية كمجلة العربي الكويتية، الفيصل السعودية، نزوى العمانية، الدوحة القطرية، دبي الإماراتية.
أعتقد - والواقع الثقافي على هذا الوضع المؤسف - أننا في أمس الحاجة إلى تأسيس مشروع ثقافي واضح المعالم، يحدّد الإستراتيجية المنتهجة في ترويج الثقافة الوطنية بعمق امتداداتها: الإسلامية، العربية، الأمازيغية، الإفريقية والمتوسطية، مع ضرورة الاستغلالالعقلانيللأموال الضخمة التي تستنزف في المهرجانات والمناسبات التي لا طائل من ورائها في أحايين كثيرة، والعمل كحد أدنى على إنتاج مجلة ثقافية متنوعة، منتظمة الإصدار تفتح حضنها للكُتاب الجزائريين وتشجّع المواهب الشابة في مختلف مجالات الفنون والآداب، تسعى إلى التعريف بالتاريخ الجزائري القديم والمعاصر والاطلاع على الثقافة الجزائرية المتنوعة التي هي في أمس الحاجة إلى منبر يتيح التعريف بزخمها وتنوعها إلى مختلف البلدان العربية والعالم.
بن ساعد قلولي/ قاص وناقد
إنعدام سياسة ثقافية شاملة هو السبب
أعتقد، أن خلو الفضاء الثقافي الجزائري من مجلات أدبية فكرية ودوريات متخصصة على درجة كبيرة من النوعية شكلا ومضمونا، أو عدم استمرارية وديمومة بعض المجلات الأدبية القليلة جدا التي كانت تصدر بين الحين والآخر،يتجاوز مجرد البحث في أسباب الغياب الفادح أو الإنقطاع، لكونه يتصل اتصالا وثيقا بمسألةإنعدام رؤية واضحة المعالم لسياسة ثقافية شاملة يتم فيها التخطيط لمشاريع ثقافية على اتساع الثراء الإبداعي الجزائري السائد بمختلف مكوناته. مشاريع تلامس تعدد تحولات الكتابة الإبداعية وأسئلة الثقافة العربية في أبعادها المعاصرة، والمجلة والكِتاب باعتبارهما وسيطا لنقل المعرفة إلى القارئ ليسا سوى جزءمن هذه المشاريع. المجلة الكفيلة بأن تساعد القارئ على وصله بمكونات هذا الثراء الثقافي على صعيد القراءة والتلقي المثمر، من حيث أنه يفترض في السياسة الثقافية التي ترعاها الوزارة الوصية أن يتم الإعتماد فيها على المدون والمكتوب، بدل التركيز على مظاهر الثقافة الكرنفالية الفقيرة معنى ولغة، وأن توفر ما يكفي من أسباب الدعم المالي غير المشروط للهيئات الثقافية والمدنية التي تضع ضمن أولوياتها إصدار مجلات فكرية وأدبية محكمة لكي يستمر وجودها في الزمان والمكان، وبما يعني من أن تحمل آفاقا بعيدة وأن تستشرف الرغبة في منح معنى آخر لسيرورة التداول الإعلامي والثقافي لأنماط المعرفة والقول الإبداعي بهدوء، وتناول علمي غير متسرع وغير مشحون بتأثيرات ثقافة "الميديا" السائدة السريعة الحركة والتحول.مجلات تشرف عليها نخب متعددة "مبدعون– نقاد" تشتغل بهدوء ضمن محاور معرفية وإبداعية تتناول قضايا الإبداع والثقافة العربية المعاصرة، وطالما أن هناك لا توجد سياسة ثقافية، فطبيعي جدا أن نجد من يرد ذلك إلى العوامل السوسيو- إقتصادية وغلاء سعر الورق وغيرها من الحجج الواهية. ومع ذلك، فإن كل المجلات الأدبية الجزائرية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر، هي مجرد مغامرات وجهود أفراد لا يملكون من الإمكانات ما يجعل هذه المشاريع المجلاتية تقاوم إرادة البقاء، ولذلك سرعان ما تختفي، ولا أريد أن أتحدث عن بعض المجلات الأكاديمية التي تصدرها مخابر الجامعة، فرغم أهميتها العلمية والعمق المعرفي الذي يؤطر توجهاتها، فهي محدودة التأثير، ولاتوزع على نطاق واسع، وبالتالي لا تشكل أفقا بعيد المدى لكل أذواق القراءومتتبعي الشأن الثقافي والإبداعي بكل توجهاتهم الإيديولوجية والثقافية.
سعيد بوطاجين/ كاتب وناقد ومترجم
ماذا نفعل بمجلات لا تُقرأ
المجلات، من منظوري، سمة حضارية تعكس وجه البلد، ولو جزئيا، وهي ضرورية في حياتنا العلمية وفي الحياة العامة، وهذا أمر متفق عليه منذ عشرات السنين. ليس من المهم الحديث عن دورها في ترقية الثقافة والسلوك، لأنّ ذلك من باب التكرار وشرح الماء بالماء. أظنّ أنّ افتقارنا إلى هذه المجلات، وإلى جزء مهمّ من طرائق تكريس تقاليد المطالعة، يرجع إلى عوامل مركبة ومتداخلة، وقد يتعذر الفصل بينها بالنظر إلى تكاملها. إن لم تكن، في جوهرها، أمرا واحدا قابلا للتجزيء.هناك أوّلا مسألة المقروئية: يجب الإقرار بأن القراءة في البلد متدنية جدا، وللتمثيل على ذلك يمكن أن نأخذ الجامعة الجزائرية عينة مثالية تعكس الوجه الشاحب للكِتاب عامة، دون الحديث عن المجلات. "سكان الجامعة" غير معنيين بالمطالعة نظرا لأسباب كثيرة مرتبطة بالوضع العام، وبالجانب الذرائعي المباشر. حيث توجد المنفعة الآنية التي تفيد تحقيق شيء له علاقة بالشهادة أو بالرتبة، لا غير. وأتساءل في هذا السياق عن غياب الإحصائيات، ومن ثمّ الاستمرار في التأسيس للأحكام على الفراغ.إذا كان الطلبة غير مستعدين لقراءة مؤلف في المكتبة، ومجانا، فإنّ الاهتمام بشراء مجلة سيكون في المرتبة ما بعد الأخيرة من انشغالاتهم. لا يمكن في هذا الوضع المتردي الحديث عن التفكير في مجلات ما دمنا لا نقرأ الكُتب المجانية. تبدو المسألة منطقية من هذه الناحية. وليس من باب الحكمة تبديد الجهد من أجل تكديس مادة غير مرغوب فيها، ما عدا مجلات الطرب وكرة القدم، مع أني لا أملك شيئا دقيقا بشأنهما.مع ذلك فإن جامعاتنا تصدر مجلات أكاديمية راقية، لكنّها غير مقروءة في الغالب، إضافة إلى انحسارها في جهات محدودة بسبب الكمية، أو بسبب محدودية التوزيع في كل أرجاء الوطن. تضاف إليها المجلات الكثيرة ذات التخصصات المختلفة، وهي موجودة في أغلب الولايات. لكني لا أملك فكرة عن السحب والمبيعات.أمّا إن كنّا نقصد مجلات بحجم المجلات العربية المكرسة، فتلك مسألة ترتبط أساسا بعدة هيئات ومؤسسات، بداية بوزارة الثقافة، مرورا بالمخابر والشركات والجمعيات ومختلف الوزارات وما يمكن أن يقدمه رجال الأعمال، كما في المشرق والخليج، وهذا مستبعد في ظل الفهم الحالي للثقافة ودورها في تنشئة الأمة. تبدو المسألة ها هنا شبه سريالية، لأنّه من المستبعد أن يضحي الناس بأموالهم خدمة للأدب والفكر والدين، تلك آخر انشغالاتهم. ثمّ ماذا نفعل بمجلات لا تقرأ؟ ذلك هو السؤال.
محمد جديدي/كاتب وأستاذ وباحث بقسم الفلسفة بجامعة منتوري- قسنطينة
غيابها يبعث على الاستغراب حقا
عدم وجود مجلات ثقافية في الجزائر واقعيا أو افتراضيا (إلكترونيا)، أقصد مجلات متخصصة حقيقة في الثقافة، الثقافة التي يجب أن نتفق حولها حتى لا يعتقد كل من ينشر بضع وريقات بكيفية وتقنية جيدة أو رديئة أنه ينشر مجلة ويحسبها على الثقافة، مثلما يتصور كثير من الذين ولجوا هذا القطاع وتصوروا أنهم من أهل الثقافة وما هم كذلك حقيقة.غياب مجلات الثقافة يبعث على الاستغراب حقا، وربما الأغرب منه أننا لا نجد المجلات الثقافية ذات القيمة العالية فكريا وعلميا وفنيا، وهذا الأمر في حد ذاته يثير في نفوسنا تساؤلات عن سر هذا الغياب،كما يثير في داخلنا شكوكا وقراءات تقر بخطورة الثقافة وهي في رأي البعض أخطر حقيبة وزارية في حكومة ما. هذا الواقع يبعث فينا السؤال: إذ كيف لبلد بما فيه من مثقفين شهرتهم وصلت خارج الديار وبما فيه من طاقات إبداعية في كل المجالات الثقافية وبكل المؤهلات التي يمتلكها فكريا وفنيا، ماديا ومعنويا وحتى جغرافيا وتاريخيا ولكن في نهاية المطاف لا تجد في أكشاكه مجلة ثقافية واحدة تبرز هذا الزخم المتنوع ثقافيا؟، مع كل هذا نأسف لعدم وجود مجلة فلسفية أو مجلة فنية أو مجلة أدبية أو علمية أو غيرها من المجلات الثقافية العامة أو المتخصصة. بغض النظر عن الأسباب التي تكمن خلف هذه الظاهرة السلبية جدا – إذا ما حاولنا رصد خلفياتها والوقوف على مسبباتها وعواملها كثيرة بالطبع بشرية بالأساس وإدارية ومؤسساتية ومادية ثانيا–. لكن من وجهة نظرنا يمكن إجمالها في: إستقالة المثقف وغياب المبادرة الفردية:1-بإمكان المثقف أن يساهم في تفعيل الواقع الثقافي بإنشاء مجلة متخصصة ثقافيا وذات مصداقية، بل إن كثير منها في دول عدة تنطلق من مبادرة فريدة لما يشعر المثقف بما عليه من دور يؤديه لمجتمعه، فتكون من ثمة المجلة وسيلة لإبلاغ صوته والتعبير عن آرائه والتفاعل مع أعضاء هذا المجتمع،بيد أنه إذا فتر هذا الشعور فقد المثقف حماس العمل الثقافي. المثقف الذي يكون صاحب رسالة يبثها في مجلة أولا تنشر ثقافة تتسم بالسمو والذوق والرفعة لترتقي بحياة الفرد والجماعة وتصدر بانتظام لتجد جمهورها وقرائها يتطلعون إليها بلهفة نهاية كل شهر أو وقت صدورها.2-صعوبة العمل المستمر:من الصحيح أن إنشاء مجلة بصورة عامة ليس أمرا هينا والمشكلة الكبيرة وفقا لمن كانت له تجربة في هذا الخصوص ليست في إنشائها بقدر ما هي في استمرارها ودوامها ونظرة إلى الماضي القريب تكشف لنا أن بعض عناوين المجالات الثقافية التي كان لها صدى إيجابي عند شريحة واسعة من القراء ومتتبعي الشأن الثقافي توقفت عن الصدور أحيانا في أعدادها الأولى وأحيانا أخرى إن استمرت لسنوات تظل متقطعة ومن دون انتظام وهو ما يفقدها مصداقيتها، ناهيك على أن العمل بالمجلة يستوجب الفعالية والدوام ولكن غالبية الهيئات الاستشارية واللجان العلمية في المجلات لا تعمل باستمرار وبالجدية، بل إن البعض توضع أسماءهم منداخل وخارج الوطن وهم لا يعلمون بذلك ولا يستشارون. 3-ضعف الإرادة السياسية:فتور اتجاه الثقافة أفرز ومنذ الاستقلال تهميشا للنشاط الثقافي عامة عدا مظهره الفولكلوري الذي أدارته وهو ما جعل أيضا "المثقف الحقيقي" إما أن ينعزل أو يهاجر أو ينكمش مرغما أو راغبا ضمن آلة الإرادة السياسة لتصوغه كما تشاء. مع إطلالة تسعينيات القرن الماضي أصبنا بأزمة في ثقافتنا سببتها السياسة التي لم تنتج ثقافة بناء على توجهاتها السياسية ولا هي مكنت سياستها من ثقافة بحيث يمكن القول الحديث عن ثقافة السياسة ولا حتى عن ثقافة سياسية ولم تتمكن النخب السياسية بما فيها من مثقفين من استثمار الجانب الثقافي لمحاربة مثلا التطرف والتعصب والعنف والإرهاب عبر إنشاء مجلات ثقافية وكان باستطاعتها أن تقوم بدور إيجابي.
ختاما أقول متفائلا، أن الأمل يبقى قائما في بعث مجلات ثقافية عامة أو خاصة لاسيما إذا تخلى المثقفون عن جزء من أنانيتهم وآمنوا برسالتهم وأقروا بتعددية واختلاف رؤاهم، وكذلك إذا انفتحت الإرادة السياسية على النخب المثقفة لدعمها وإسنادها لا إلى احتوائها والسيطرة عليها، وأيضا إذا توفرت روح العمل الجماعي والتنسيق بين الفرق العاملة في المجلات وجدية مواظبتها على الارتقاء بالمنتوج الثقافي (المجلة كمنتج ثقافي) شكلا ومضمونا.
حبيب مونسي/ كاتب وناقد
كل المجلات الجزائرية لم تكن سوى أوعية لبحوث منتهية
ربما يكون الوضع الخاص الذي عاشته الجزائر مستعمرة ثم مستقلة، سببا في غياب ثقافة المجلة، ذلك الرافد المعرفي الذي يصاحب الكتاب عادة، والذي يقف موقفا وسطا بين الصحيفة والكِتاب، ليؤدي وظيفة في غاية الدقة والخطورة. لأن البحوث في الدول التي عرفت استقرارا طويلا، لا تجد سبيلها إلى النشر النهائي في الكتب والموسوعات إلا إذا بدأت رحلتها في المجلات المتخصصة. يقرأها أهل الاختصاص، ويعلقون عليها، منتقدين أو مزكين. حتى تنضج في شكلها النهائي "النسبي" لتستقر في كتاب يشرح غامضها، ويوسع مجملها، ويبسط دقيقها. فالمجلة إذا هي ذلك الوسيط الذي يضع فيه المفكر مادة تفكيره بغية رصد ردود أفعال نظرائه من الباحثين. وليست هي بحال من الأحوال وعاء للبحوث المكتملة "المنتهية" كما نعتقد ونتوهم في تعاملنا مع المجلات، وإنما هي وسط تتاح فيها فرص عرض الأفكار الجديدة التي لا تزال في حاجة إلى مناقشة، ورصد درجات الرفض والقبول، لدى الأوساط الثقافية المتخصصة.هذا الفهم الذي تقوم عليه المجلات الغربية الكبرى، ليس متحققا في العالم العربي البتة، لأننا نعتقد أن المجلة هي "وسط" -وليست "وسيط"- لنشر البحوث التي يرى أصحابها أنها منتهية، وأنها في حجمها تناسب ما يكتبون من مقال أو بحث، وذلك ما جعل البحوث العربية التي تنشر في المجلات تفتقر إلى المتابعة النقدية من طرف الخبراء في التخصص عينه. ويكتفي القراء بالقراءة "المحايدة" التي تتلقى وحسب،والتي لا تخدم المعرفة أبدا. لأنها قراءة "مسالمة" تُطوى مع طي المجلة.إن التعامل مع المجلة -عربيا- لا يحقق وظيفتها التي من أجلها أقيمت، وهي وظيفة بالغة الخطورة والحساسية، لأن المعرفة فيها ليست أكيدة، ولا منتهية، ولا قابلة للتوظيف العلمي في إنجازات معرفية أخرى. لأنها تنتظر "المصادقة" عليها من طرف القراء الفاعلين في تثوير مادتها مناقشة، ومطارحة، وردا، وانتقادا. إننا حينما نقلب أعدادا من المجلات التي تنشئها الكليات في الجزائر، نجد هيئة للقراءة، وأخرى للتحرير، وربما كان للمجلة محكمون تسند إليهم البحوث لتقييمها قبل النشر. وربما تضع الهيئة للمجلة من الشروط ما يوحي بالصرامة والتشدد العلمي. غير أن ذلك لا يعدو أن يكون "تقليدا" تزين به الصفحات الأولى للمجلة، حتى تنال به المجلة صفة "المحكمة". وكل ذلك يفوت عليها مهمتها الأصلية، والتي تتمثل في عرض الأفكار الجديدة، التي لم تنزل بعد إلى ساحة الفكر المستتب. إنها مجال مغامرة، ومصادمة. وأن على اللجان أن تفهم ذلك جيدا، فلا تعترض على المقال المختلف، الصادم، الذي يجري عكس التيار. لأن المشاهد اليوم في عموم المجلات، قبولها بالفكر المستتب، والطرائقية المنجزة الجاهزة، وعدم الارتياح لكل مجدد يحاول خرق الأنساق البحثية الموروثة.لهذا السبب لم نتمكن بعد من إيجاد مجلة حكومية، أو جامعية، أو شخصية، تتجاوز هذه العقبة، لتطل برأسها منارة للبحث المستشرف الذي يتجاوز السائد ويطرح الجديد، في شكل أسئلة يتجاوب معها القراء نقدا، وانتقادا، ومطارحة للفكرة ونقيضها. فكل المجلات الجزائرية التي خدمت الثقافة والبحث العلمي، وكان لها من الحضور ما ميز فترات ثقافية، أوجدت أسماء لكُتاب وباحثين، ومكنت آخرين من الظهور والتميز، لم تكن سوى أوعية لبحوث منتهية، قدمها أصحابها على أنها اجتهادات في قضايا عولجت معالجة نهائية. ولم تحمل إلا قلة من البحوث ذات الطابع الاستفساري الاستفزازي، الذي يطرح الفكرة للنقاش، ويفتح شهية الحوار، ويحرك الساحة الثقافية بما يقدم من رؤى وأفكار. لأن هذه المجلات لم تقم أساسا "وسطا" بين الصحيفة والكتاب، ولم تشرح ذلك في مهمتها التي من أجلها أنشئت، وإنما كان قيامها قياما منفردا لتكون إلى "جانب" الكتاب، والصحيفة، كيانا بحثيا مكتفيا بنفسه.إننا نشاهد اليوم كثيرا من المؤسسات الحكومية، والاقتصادية، والصناعية، والتربوية الغربية، تدفع إلى الأكشاك شهريا،بمجلاتها المتخصصة، لتلامس شريحة خاصة من القراء. تتفاعل معهم من أجل تطوير ذاتها، ونشر أفكارها، وتكييف الوسط الذي تتحرك فيه لصالحها. فليس من مرادها أن تكون ذات مطمح شمولي، بقدر ما تريد أن تخدم ذاتها من خلال ما تنشره وما تتلقاه من ردود، وما ترصده من تحولات لدى زبائنها. وهنا سنجد المجلة تنتعش بانتعاش المؤسسة وتذوي بذبولها. كما نجد المجلة تكتسب مع مرور الوقت سلطة في مجالها التخصصي تحسب له الحكومات حسابها الخاص، تتحول بموجبه إلى قوة فاعلة ذات مصداقية وشأن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.