الرئيس اللبناني يزور جامع الجزائر    تجارة: السيد زيتوني يشدد على ضرورة تعزيز آليات التوزيع لضمان تموين السوق    ممارسة حق تقرير المصير تشكل "الحل العادل والتوافقي" لحل النزاع في الصحراء الغربية    بطولة العالم للسباحة 2025: الجزائري جواد صيود ينهي سباق 200 متر متنوع في المركز 24    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر - 2025) تنس الطاولة: الجزائرية هنا صادي تنال البرونزية في الفردي    تواصل موجة الحر بجنوب الوطن مع تسجيل ارتفاع الأمواج بعدد من الولايات الساحلية    استثمارات جازي ترتفع    عرقاب.. حشيشي وبختي في اجتماع هام    الوزير الأول يستقبل سفيري باكستان ومصر    مرصد الأمن الغذائي العالمي يؤكد مواجهة غزة "أسوأ" سيناريو مجاعة    ماكرون الدولة الفلسطينية و فرقة حسب الله    الجاهل عدو نفسه (ترامب نموذجاً    تحذير أمني في غزّة    جائزة وطنية للإبتكار المدرسي    بودن يشارك في مؤتمر بسويسرا    بوقرة يستهدف اللقب القاري..    من يدرّب اتحاد الجزائر؟    توقيع عقود المرحلة الأولى من إنجاز مشروع بلدنا    شرطة المدية تطيح بشبكة إجرامية    والي بجاية يتفقد مشاريع ويستعجل استلامها    عربات التين الشوكي تغزو الشوارع    بوجدرة يفتح النار على مُمجّدي الاستعمار    تيسير المعاني باختيار الألفاظ ليس إهانة لها بل وفاء لجوهرها    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    الألعاب الإفريقية المدرسية/الجزائر2025: المصارعة تعزز حصيلة الجزائر من الميداليات في ختام منافساتها    جئت للجزائر بشغف كبير وسأغادرها بإعجاب أكبر    توقرت : توقف شخص في قضية حيازة وترويج المخدرات    مجلة "الشرطة" تحتفي بالذكرى ال63 لتأسيس الشرطة الجزائرية    ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 2 بالمائة    رئيس الجمهورية يجري محادثات ثنائية مع نظيره اللبناني    مؤتمر حل الدولتين: الجزائر ترافع مجددا من أجل منح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    استئناف الرحلات نحو بيروت اعتبارا من 14 أوت المقبل    رؤية استراتيجية لتعميق التعاون مع الدول الأوروبية    الرئيس تبون يتلقى دعوة من نظيره الألماني    الشرطة الجزائرية تحذر من مشاركة الصورة الشخصية مع الغرباء    تمديد استثنائي لآجال إيداع الحسابات الاجتماعية للشركات التجارية    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    هدفي العودة إلى المنتخب والمشاركة في "الكان"    "كيرا كوميدي" تعد بسهرة فنية مميزة    "قراءة في احتفال" تملأ فراغ أطفال البليدة    "الشيطان يرتدي برادا 2".. عودة الثلاثي الذهبي    المصارعة الجزائرية تحصد الذهب    ندوة حول تطهير العقار الفلاحي    مولودية الجزائر تلتقي الباجي التونسي وديا    تمنراست: سيشرع في الأيام القادمة في الإجراءات المتعلقة بفتح مصالح المستشفى الجديد بسعة 240 سرير    الجزائر العاصمة : ندوة علمية حول ديناميكية الساحل الجزائري وعلاقته بالمواقع الأثرية    حجز 7 دراجات "جات سكي" بوهران    ضبط 2938 مؤثر عقلي    معالجة 501 قضية    المجاهد والكاتب والروائي الكبير، رشيد بوجدرة:الكتّاب الممجدون للاستعمار "ظاهرة ظرفية" آيلة إلى الزوال    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    هذه توجيهات وزير الثقافة والفنون    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعدد الصوتي في رواية "تلك المحبة" للروائي الحبيب السائح
نشر في النصر يوم 23 - 12 - 2013


فضيلة بهيليل
أقترح، هنا، قراءة لرواية "تلك المحبة" الصادرة في طبعتها الجديدة الأنيقة، عن دار فيسيرا، 2013. فالخوض في قراءة عمل سردي وتحليله ليس بالأمر الهين؛ خصوصا إذا تعلق الأمر بنص سردي يعتمد على تقنيات الكتابة المعاصرة وبخاصة نصوص الروائي الحبيب السائح، التي تتحرر فيها اللغة من نفسها نحو دينامية التعدد والعدول عما هو عادي ومألوف.
فهو نفسه عبر في غير ما مرة عن علاقته القوية باللغة وطبيعة تعامله معها. لذا، نجده يحرص على أن يرتقي بلغته لترسم فسيفساء تنفرد بها. إن كانت الرواية تتحمل انسياب اللغة فإن المكان أيضا يتحكم في طبيعة هذه اللغة، إذ يصير وسيلة لإنشاء الصور وإبداعها. لذا، نجد السائح الحبيب في "تلك المحبة" يوظف تقنيات جميلة وجذابة يمتزج الوصف فيها والتشبيه بعناصر طبيعة أدرار من الرسم بالرمال، إلى النحت على جدع النخل والنسج بجريدها، إلى استنطاق فڤاراتها فتروح بمائها المتدفق كنغم حزين يعلم الصبر في صحرائها، إلى المزج بين نفسية الشخصيات وبين المكان الذي ينتمون إليه ويتنقلون بين أزقته ودهاليزه. في "تلك المحبة"، تبقى اللغة أهم مكون جمالي وإبداعي في عملية الخلق. إنها أخاذة ببلاغتها. فإننا حين نقرأ لا تملك حواسنا إلا أن تُسحر بكلماتها المنقوشة بدقة فنان مغرم بلوحة من لوحاته، أودعها كامل حواسه؛ لوحة ترتسم في القلب والعقل معا، تنزل ألوانها في الذات شجنا جميلا. في "تلك المحبة" يفيض القلب محبة لأبطالها حينا، وشفقة عليهم حينا، وحينا آخر رغبة في البحث عن أسرارهم في صحراء مرسومة بقسوة على وجوههم حاملة صبر الدهر. والوحشة والغربة والحب أيضا.
في "تلك المحبة"، تتعدد الأصوات بتعدد أصحابها ومكانتهم. فالنص من بدايته إلى نهايته يعتمد على فعل السرد للمعلوم: قال، قالت، قالوا، زعموا، وللمجهول: قيل، يقال.
"قيل عنها ليست سوى البتول في زواجها الأول".
"قالت واحدة في جمع نسوة خلال ضحوية ".
"قالوا: أهلكت تلك المرأة النبيلة الساحرة بشعرة سلتها من أم رأسها يوم تجاسرت على هتك سرها".
"وزعموا أنه لم تكن غير يد السيدة حزمت المصنف بخيط مذهب".
فالراوي، متعدد. كأن قصة الرواية واحدة يتناوب على سردها مجموعة من الشخوص يختلفون باختلاف مكانتهم الاجتماعية وثقافاتهم؛ بل، ودياناتهم أيضا.
لعل أقوى صوت حضورا هو من يحكي "البتول"؛ المرأة التي فتنت بجمالها النساء قبل الرجال وفاقتهن فتنة: "فما كان أحد عرفها أو شاهدها فصادفها بعد عمر إلا كذب نفسه أنه يرى السيدة كما عهدها أول مرة. ثم توهّم أنها ليست سوى واحدة أخرى تشبهت له بها".
"فليس شيء في السيدة أكثر بهرا من شعرها، للعلّيق طوله وللغربان لونه".
"أما العينان فإن الخالق بلون السر صورهما في محيا ملغز، مثقلتين بالأحلام كنخلة ضامنة".
"وقُلن إلى الحمام تغدو مشيتها، وعلى وقع الغزلان يتناغم تبخترها،ومن شموخ النوق ترتفع كبرياؤها".
تلك هي البتول في جمال ونقاء أبديين؛ هما لوطن. ألهذا زيّنها الكاتب لتبدو فوق أي مفاضلة؟ فكلما ورد اسم البتول تبعته مواصفاتها الخارقة بأروع ما جادت به اللغة ليكون هذا الأثر البالغ على القارئ. لتعدد الأصوات، في "تلك المحبة" وتباينها يشعر القارئ أنه أمام جمع من الرواة يتناوبون على السرد؛ كل يتلقف القصة من فم الثاني ويواصل الحكي في حلقة حلزونية.
هذه "بنت هندل" تلتقط رأس الخيط هي الأخرى لتحكي، بطلب من البتول، عن سر خراب القصر. "ويوم سألت البتول العرافة اليهودية بنت هندل أمر خراب قصر (تخفيف)...". وهذا الطالَب "باحيدا" في بوح تارة وتارة في سرد وقائع تاريخية؛ منها الصدام بين محمد التلمساني وبين اليهود في الحادثة المشهورة في أدرار. وتلك طيطمة، ومبروكة، وجبريل وجولييت وإسماعيل الدرويش ونجمة والفارس التارڤي وبليلو وماريا وحبيبة... وغيرهم ممن يتناوبون على عملية السرد. فالبتول هي محور الحكاية، وهي المحرك الرئيسي لأحداثها كلها؛ الأمر الذي يجعل القارئ يقع في فتنة رغبة الكشف عن السر. نقيض تلك الأصوات هناك صوت "بنت كلو" المرأة المشعوذة والعرافة، النابع من ذات تلتهمها الغيرة ويغويها كشف الأسرار. على أن صوت مبروكة الفتاة القارئة بنهم، يتموضع، بين تلك الأصوات، كضمير شاهد على الغزو الفرنسي للجزائر، من خلال ما تقرأه على سيدتها البتول، أو مما اكتشفته عن الراهب جبريل، الذي ربطتها به علاقة عشق. فيما هناك صوت أكثر تجربة ومأساة، هو صوت "سلو" المخنث النصف ذكوري النصف أنثوي، الذي لا يعرف لنفسه نسبا: شخصية بقدر ما صورها الحبيب السائح، في مشاهد متعددة، تصل حد التقزز، فهو يقربها لنا ويجعلنا نشفق عليها بدلا من أن نكرهها. إنها أصوات تترجم مستويات الإنسان في الصحراء وتلتقي أو تتقاطع كلها في التعلق بالأرض: رملها وواحاتها وفڤاراتها وبساتينها وطبيعتها كلها. ذاك التعدد في الأصوات، من خلال تنوع مستويات الكلام، يدل على ثراء لغة الروائي ودرايته بتاريخ منطقة أدرار وبكثير من أسرارها.
الحبيب السائح، هنا في "تلك المحبة"، وتحديدا بتوظيفه تقنية تعدد الأصوات، يريد أن يجعل فعل الحكي منبها إلى أن الذاكرة الوطنية لا بد أن يصنعها التعدد ليحدث التوحد في المحبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.