الحايك الجزائري الزّي الذي هزمته تيارات الموضة يعتبر «الحايك'' الذي كانت ترتديه النساء في عدة ولايات من الوطن،خاصة العاصميات و القبائليات فوق ملابسهن العادية قبل الخروج من المنزل ، رمزا للستر و الوقار،و أحد أهم قطع الألبسة التراثية الضاربة في عمق المجتمع الجزائري، منذ عقود من الزمن، لكنه بدأ في التراجع شيئا فشيئا، و اقتصر على بعض المسنات ، و القاطنات بالمناطق الريفية النائية. حايك ‘' المرمّة ‘' ظل تقليدا راسخا لدى النساء العاصميات ونساء تيزي وزو وبعض ولايات الوطن الأخرى توارثنه منذ القدم، وكان ارتداؤه إجباريا على المرأة سواء كانت عاملة أو ماكثة بالبيت، حيث لا يمكنها الخروج إلى أي مكان دون وضعها لهذا اللّحاف المصنوع من القماش الأبيض الناصع والذي يرافقه اللثام أو «العجار»، كما يسمى في الكثير من المناطق، وهو عبارة عن قطعة قماش على شكل مثلث بنفس لون الحايك، مطرّز بخيوط من الحرير البيضاء التي تتشابك بعضها ببعض لتغطي به المرأة وجهها ،و لا تظهر منه إلا عينيها، و ترتديه النساء كبيرات السن و الشابات على حد سواء ،عند ذهابهن للتسوق، أو زيارة العائلة أو الطبيب و حتى أثناء التوجه إلى العمل. ارتبط الحايك أيضا بحفلات الأعراس التقليدية، فكانت كافة العرائس يسدلنه على أجسادهن ليحجب زينتهن و يغطيهن من رأسهن إلى أخمص القدمين خلال حفل الزفاف، و يضاف إليه البرنوس التقليدي لدى مغادرة العروس بيت أهلها باتجاه عش الزوجية في موكب بهيج. و قد أخذ هذا اللباس العريق يتراجع تدريجيا، خلال العشريات القليلة الماضية، حيث أنه أصبح نادرا ما تلبسه المرأة ،حتى العجائز استغنين عنه بعد أن كنّ يتفاخرن به سابقا، قبل أن يحال تقريبا على هامش النسيان، و يصبح جزءا من الماضي بسبب التغيرات المختلفة التي طرأت على عادات وتقاليد العائلات الجزائرية، بعدما كان لا يفارق البيوت. من الأسباب التي أدت إلى تراجع الحايك ظهور أنماط جديدة من الألبسة المحتشمة ذات الأبعاد الدينية المتمثلة في الجلباب و الحجاب والخمار ، كما أن نساء منطقة القبائل المتقدمات في السن أصبحن يفضلن الخروج بالجبة القبائلية التقليدية المطرّزة ، أما الفتيات الصغيرات و النساء في متوسط العمر، أصبحن ينزعن لارتداء مختلف الألبسة العصرية،كما هو الحال بالنسبة للعاصميات اللائي استغنين أيضا عن الحايك. بالمقابل لا تزال بعض العجائز يرفضن التنازل عن الحايك و مكانته،حسبهنّ، لن تزعزعها مختلف الألبسة الحديثة ،مهما كان نوعها و صنعها، و يعتبرنه من الألبسة الملازمة لهنّ دوما منذ أيام الثورة التحريرية و في مختلف مراحل الماضي الجميل،كما أن الحايك لا يزال يستعمل في بعض المداشر و القرى النائية بمختلف أنحاء الوطن لدى إخراج العروس من بيت والدها لمواراتها عن الأنظار إلى أن تصل إلى منزلها الجديد. خالتي نورية القاطنة بتيزي وزو ،نموذجا للنساء المسنات الوفيات لهذا الزي العريق منذ عهد الاستعمار، و ترى بأنه من أجمل و أروع الملابس التي تتستر بها المرأة في القديم،وانتقدت مواكبة الفتيات والسيدات للتطور في اللباس الذي يحمل ثقافة وتقاليد البلدان الأخرى،وأضافت محدثتنا بأنه كان من غير المقبول أن تخرج المرأة من بيتها، سواء للعمل أو للتسوّق، أو لشؤون أخرى دون الحايك حتى ولو ارتدت أجمل الملابس ،كما تأسفت على زوال هذه القطعة الثمينة التي كان لها شأنا عظيما ومكانة مرموقة في السابق ،حتّى أن العروس كانت ترتديه في زفافها و تضمه إلى جهازها ، ليتراجع اليوم و يصنف في قائمة الألبسة التقليدية التي تناستها الجزائريات و لم يصمد هذا اللباس التقليدي أمام تغير العادات والألبسة بالمجتمع، فالعولمة و التقليد الأعمى ،حسب خالتي نورية جعلت النساء ينسلخن عن أصالتهن.