ظلت مظاهر العنف واللاإستقرار السياسي والتدهور الإقتصادي ترسم ملامح المشهد الليبي عام 2013 لتضع البلاد أمام تحديات مستقبلية كبرى تشكل مصدرا للقلق على المستويين الإقليمي والدولي. وأمام متاعب السلطة الانتقالية في فرض سيطرتها على كامل التراب الليبي وتباطؤ تنفيذ ورقة الطريق السياسية ظل منطق القوة سيد الموقف عاما آخر منذ إنهاء مهمة حلف شمال الأطلسي العسكرية في ليبيا التي دامت سبعة أشهر(أكتوبر2011). وبإسم "الشرعية الثورية" ترى الميليشيات المسلحة التي يصل عددها إلى 300 مجموعة في نفسها "وريثا شرعيا للسلطة" خاصة مع تكليف بعضها بشكل رسمي بتولي أمن المنشآت الإستراتيجية في البلاد غير أن تركيبة هذه الميليشيات التي استولت على جزء من الترسانة العسكرية للنظام السابق جعلتها تشكل كايانات أمنية متفرقة بعضها حكومي بحث (الشرطة والجيش) وبعضها له أساسات إيديولوجية (انصار الشريعة) و البعض الآخر يعتبرون مستقلين و متجذرين في منطقتهم مثل ميليشيات الزنتان ومصراتة (غرب). وأتى إختطاف رئيس الوزراء على زيدان (10 أكتوبر2013) على يد ميليشيات "شبه رسمية" ليظهر هشاشة الوضع وهو ما أكده رئيس الحكومة المؤقتة على زيدان قائلا "إننا نسبح عكس التيار" مشيرا الى أن "الميليشيات تعوق بناء الجهاز الأمني للدولة". وقد ألقى هذا الوضع بظلاله على مسار العملية السياسية في البلاد التي تعيش مرحلة إنتقالية هشة خاصة مع تنامي ظاهرة فرض الأراء بإستعمال القوة والإغتيالات السياسية ما من شانه تهديد مصير الحكومة الإنتقالية وبالتالي إفشال خارطة الطريق التي يفترض أن تصل بالبلاد إلى توافق مبدئي على الأقل. — قانون "العزل السياسي" — من جهة أخرى فقد كانت لقانون "العزل السياسي" الذي أقره المؤتمر الوطنى العام (البرلمان) في ماي الماضي تحت ضغط الفصائل المسلحة التي حاصرت تسع وزارات أهمها وزارت الداخلية و الخارجية والمالية تداعيات على البرلمان الذي فقد أكثر من أربعين عضوا بموجب هذا القانون أولهم رئيس المؤتمر السابق محمد المقريف ما أدى إلى تغيير خريطة التوازنات السياسية في البلاد لصالح مناطق على حساب أخرى. كما أثر هذا القانون على توازنات الحكومة الإنتقالية التي فقدت أربعة وزراء في حين مس هذا القانون صلب الجهاز الإداري الذي فقد الكثير من الكفاءات و الخبرات الإدارية. وينص قانون العزل السياسي الذي تم العمل به بدءا من 5 جوان الماضي على إقصاء كل مواطن شغل مناصب قيادية في عهد النظام السابق في كل المجالات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية وذلك بدءا من تاريخ 9 سبتمبر 1969. و قد شهدت عملية التحضير لإنتخاب اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور - والتي من المتوقع أن تنطلق مطلع العام المقبل - عزوف الناخبين عن التسجيل للمشاركة في هذا الإستفتاء بواقع 525,544 مسجلا من داخل البلاد من أصل 3,4 مليون ناخب. كما ان وجود "حركات تفكيكية" على غرار تلك المتواجدة ببرقة وفزان المطالبة بتصور فيدرالي لا يقوم على منطق الدولة الوحدوية على غرار ما كان معمولا به قبل 1963 ساهم في تأجيج الوضع. وأمام هذه المعضلة وافق المؤتمر الوطني الليبي شهر نوفمبر الماضي على إجراء استفتاء عام لتحديد الملامح العامة لشكل الدولة الجديدة حيث سيتناول الاستفتاء أربع قضايا تتعلق بنظام الحكم وشكل الدولة ولغتها والنظام الإداري غيرأن النتائج لن تكون ملزمة للجنة المعنية بصياغة دستور دائم للبلاد. — وضع إقتصادي صعب — ويطرح الوضع الأمنى في ليبيا العديد من المخاوف على الصعيدين الداخلي و الخارجي خاصة وان البلاد لا تزال تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يسمح بالتدخل الأجنبي لحماية المدنيين وهو البند الذي تدخل بموجبه حلف الشمال الأطلسي لإسقاط نظام القذافي باسم القرار الأممي 73-19. وتعرف ليبيا وضعا اقتصاديا صعبا حيث أن البلاد خسرت حوالي 6 مليارات دولار سنة 2013 بسبب الإحتجاجات في الموانئ و الحقول النفطية خاصة و أن الميليشيات المسلحة سيطرت - منذ أوت الماضي - على معظم هذه المواني للمطالبة بإمتيازات إضافية. وتراجعت صادرات ليبيا من النفط الخام لتصل إلى نحو 425 ألف برميل يوميا مقابل 1.6 مليون برميل في الحالات العادية. وقد أثر هذا بشكل مباشر على العائدات السنوية من النفط التي تشكل ما يقارب 65 بالمائة من الناتج المحلي وحوالي 95 بالمائة من إجمالي عائدات التصدير. كما أدت الاضطرابات في هذا القطاع الحيوي الذي يوظف ما بين 45 ألف إلى 58 ألف عامل الى تراجع مستويات الإستثمار في البلاد حيث تقدر الخسائر جراء هذا الأمر بنحو 130 مليون دولار يوميا.