يعتبر الأخوان خشنة رشيد وعبد الرزاق مثالا حيا في تغليب حب الوطن على أحلام الدراسة التي لطالما كانا يرسمونها ويجتهدان من أجل تحقيقها, مفضلان غلى غرار العديد من الطلبة للمساهمة في تحرير البلاد من الاحتلال الفرنسي. و رغم صغر سنهما حينذاك, إلا أن عبد الرزاق ورشيد اللذان كانا يبلغان على التوالي 17 و 15 سنة في 19 مايو 1956, فضلا الإستجابة لنداء الوطن والتخلي عن مقاعد الدراسة مثل الكثير من الطلبة الجزائريين آنذاك من أجل المساهمة في تحرير الوطن من الإستعمار الغاشم. لا يزال خشنة عبد الرزاق الذي كان في الثالثة (شهادة التعليم المتوسط) بثانوية إبن الرشد (دوفيريي سابقا) بوسط مدينة البليدة يتذكر جيدا ذلك اليوم وكأنه بالأمس, حيث كان في حصة التاريخ عندما علم بإضراب الطلبة الجزائريين إحتجاجا على العنصرية الفرنسية إتجاه الطلبة الجزائريين من جهة وللإلتحاق بالمجاهدين والمشاركة في الثورة المظفرة من جهة أخرى. وبالصدفة, كان درس التاريخ الذي كان يلقيه الأستاذ الفرنسي يحمل عنوان "إستكشاف الجزائر" غير أن عبد الرزاق, الجزائري الوحيد في القسم, إنتفض قائلا أنه "لم يكن إستكشافا بل إحتلالا" ليطرده الأستاذ, فلم يتردد في الإلتحاق بالطلبة المضربين في ساحة الثانوية. و"منذ ذلك اليوم إنخرطت في الإضراب رفقة أخي الأصغر رشيد رغم أن والدنا كان يحلم أن نكمل دراستنا بأي ثمن إلا أنه شجعنا على المساهمة في الثورة لأن الأمر يتعلق بالجزائر". في بداية الأمر شرعت تدريجيا في التعاون مع المجاهدين, إذ كان من بين النشاطات الأولى التي قمت بها, بطلب من المجاهد محمد قرجاج, تخبئة أسلحة في منزلنا الكائن بباب خويخة (ريمون كاري سابقا) إلا أنني خفت من إكتشاف أمرنا من طرف جنود الاحتلال وتوريط والدي, فأعدت إخفائها في مكان قريب من المنزل. وبعد حوالي عشرة أيام طلب محمد قرجاج مني إحضار الأسلحة ليوصلها لجيش التحرير الوطني في الجبال فقلت له أن "الأسلحة لن تذهب للجبال من دوني" وصممت بذلك على "الإلتحاق بإخواني المجاهدين". ومنذ ذلك الوقت أصبحت أتنقل برفقة عدد من الرفاق بين الجبال والمدينة لتزويد المجاهدين بمختلف إحتياجاتهم وفي إحدى المرات ألقي القبض علينا لأسجن ثلاث سنوات في معتقلات الاحتلال. لم تغادرني فكرة الإلتحاق بالجبال مجددا ولم أتوقف قط عن العمل الفدائي. عملت في مصنع "رونو" حيث نجحت في تجنيد المسؤولة السيدة نيكول التي كان يعمل زوجها ووالدها ضباط في جيش الاحتلال, فأصبحت تسرق البدلات العسكرية منهما لأعطيها للمجاهدين. وبعد إكتشاف أمري وصدور قرار بتوقيفي إلتحقت للجهاد في الجبال في المنطقة الثانية من الولاية التاريخية الرابعة بين المديةوالبليدة, حيث كافحت المستعمر برفقة عدة مجاهدين من بينهم من إستشهد وتقلدت عدة مناصب أهمها مسؤول مخابرات الإتصال بوامري, لتصدر القيادة العسكرية في حقي حكما غيابيا بالإعدام, غير أنني واصلت الكفاح المسلح إلى غاية إستقلال البلاد. رشيد خشنة, الأخ الأصغر والذي لا يقل وطنية عن شقيقه رغم صغر سنه آنذاك (15 سنة), صمم على ترك مقاعد الدراسة لينخرط في العمل الفدائي إيمانا منه بضرورة إسترجاع إستقلال البلاد خصوصا وأنه كان وأقرانه من التلاميذ والطلبة يتعرضون لمختلف أنواع الظلم والعنصرية حيث كانوا يجبرون على إعادة السنة عدة مرات رغم أنهم كانوا من أنجب التلاميذ. وقال محدثنا الذي كان يتكلم بثقل جراء المرض "كنت في مدرسة سيدي يخلف (بيار كازناف سابقا) شاركت في الإضراب رغم رفض الجميع بسبب سني وغادرت مقاعد الدراسة وبعدها رغبت الإنخراط في العمل الفدائي فطلب مني التعاون مع المجاهدين". عملت لدى أحد الفدائيين الذي كان خياطا معروفا في المدينة وقتها (الشهيد بشير بوزيري), علمني الحرفة حتى أصبحت خياطا ماهرا وأرسلني لأعمل في الطيران العسكري لقوات الاحتلال الفرنسي مع الشهيد محمد براكني. أصبحت أسرق البدلات العسكرية حيث ألبسها تحت ملابسي إلى غاية إخراج مائة بدلة. إلا أن أخي حذرني و طلب مني مغادرة الطيران العسكري لأنه إذا ما أكتشف أمري فسأدفع الثمن باهضا. غادرت عملي لألتحق بمدرسة الصحة حيث درست و عملت كممرض و أصبحت أزود المجاهدين بالأدوية و ذلك بالتعاون مع مسؤول أحد العيادات. و في سنة 1960, عند بلوغي سن ال 19 من عمري إلتحقت برفقائي المجاهدين في الجبال حيث كنت أنشط على مستوى الأخضرية و المدية و البليدة و شرشال و عملت كممرض لمعالجة المجاهدين لا سيما جرحى المعارك. و في 21 ديسمبر 1960 ألقي القبض علي مع بعض المجاهدين و تم إقتيادنا لسجن "الروفيقو" (بوقرة حاليا) وتعذيبنا لإستنطاقنا غير أنني صمدت, تم بعدها تحويلي لسجن حوش الشنو بشفة لأحول للأعمال الشاقة غير أنني تمكنت من الهرب في فبراير 1962 و إلتحقت بالجبال مجددا إلى غاية الإستقلال. عبد الرزاق ورشيد هما من بين آلاف شهود العيان على تضحيات الطلبة الجزائريين الذين ضحوا بالنفس و النفيس من أجل إستقلال الجزائر دون التردد و لو للحظة في ذلك, إيمانا منهم بعدالة القضية الجزائرية ضد المستعمر المغتصب. و شدد محدثينا - مخاطبين طلبة اليوم - على ضرورة التحلي بحب الوطن والشجاعة والإخلاص والإجتهاد لبلوغ أعلى درجات العلم للمساهمة في بناء الوطن لأن هذا ما يتطلبه "جهاد اليوم", كما قالوا.