ما الذي يمكن أن يعنيه المكان للكاتب؟! قد يكون المحرك والخزان للذاكرة التي تمر عبرها كل المتخيلات التي تسعى ليس فقط إلى استعادة المكان، بل إلى صياغته ضمن عملية معقدة ومركبة، وقد يكون الشعلة التي تنفخ روحها في البناء المعماري للكاتب، وقد يكون المعنى مشكلا عبر النتف واللحظات شبه الزائلة والمتحولة إلى ركام يسكنه التشبث بالصور والوجوه وحرارة المتع التي فقدت أوارها وتماهت مع الأطياف التي تصبح مجرد ذكرى عندما نفتقد المكان المتحول فيزيقيا والمتصدع كصورة ولحظة مكثفة ونصبح فريسة لغربة المكان الجديد، المنتقل إليه أو المفروض علينا بفعل التحولات الصادمة والانتقالات الظاهرة العنيفة·· كل ذلك جال بذهني وأنا أتابع الندوة التي أدارها أحمد منور في حضرة الروائيين محمد أبو سمرا وحسن داوود اللبنانيين القادمين إلى الجزائر كمشاركين في صالون الكتاب، سيلا·· كلا الكاتبين حاولا الغوص في استرجاع المكان المغذي لتجربتهما السردية عبر سرد مضاعف وموازي لتجربتهما السردية·· شكل فقدان المكان الأول ومحاولة استعادته عبر لعبة المخيال محور تجربتهما في فن القص·· لم تكن المناقشة في المستوى، لأنها وقفت عند حدود الكلام العادي والمستهلك المولع بلعبة الاجترار الخطيرة·· استمرت المناقشة الفردية مع أبي سمرا عندما غادرنا المكان إلى مكان آخر، كنا لوحدنا وغصنا في تجربة بعضنا البعض بحيث تحولت كل تجربة إلى استضافة للتجربة الأخرى، حدثني عن طرابلس وتجربته الكتابية في سبر غورها الديني وحدثته عن التجربة الجزائرية في لحظتها المرعبة حيث امتزج الخوف بالمقاومة، والدم بالرعب المعاش كألم بليغ تواق في الوقت ذاته إلى فرج ما، فرج متحقق على حساب الإنجاز الفعلي واليومي وغير المشوه للسعادة·· تمنيت في هذا المساء أن ألتقي مجددا بالصديقة الناقدة يمنى العيد، لكن ذلك لم يتحقق لضيق الوقت، ولقد تأثرت لذلك، فهذه الصديقة التي كتبت منذ أكثر من سنتين مقالا جميلا عن رحلتها إلى الجزائر ظلت محافظة على هدوئها المعرفي الوقور، وعلى نظرتها الثاقبة للشأن الثقافي العربي، ولكم كنت مشتاقا لمعرفة ما تفكر فيه اليوم حول ما يحدث في المنطقة العربية من تصدع وغليان وتمرد··