يعد الكاتب والباحث المسرحي المغربي، عبد المولى الزياتي، واحدا من أهم الوجوه التي تصنع المشهد المسرحي، عبر كتبه المتعددة ونظرته المتميزة والثاقبة في مجاله، فهو رجل يسعى إلى ترسيخ تجربة مسرحية مختلفة، على أسس علمية وإبداعية حقيقية·· في هذا الحوار حاولنا الاقتراب من الكثير من الدوائر الهامة التي تشغله حول الهوية المسرحية، الإبداع، الاقتباس والاختلاس في النص المسرحي، أزمة النقد·· وغيرها من الأفكار التي تجول برأس باحث مختص، عن ماضي، حاضر ومستقبل المسرح المغربي·· ما هي صورة المسرح المغربي الآن؟ المسرح المغربي يعيش تجربة فريدة من نوعها، يتقلب بين المد والجزر، أمواج بلا زبد، عاصفة دون رياح، ربيع بلا أوراق، فالصورة تبدو أكثر ضبابية، كلما اقتربت منها تبتعد عنك، لدرجة أصبح المسرحي الجاد المتمكن من أدواته مثل الفارس دون كيشوط يحارب طواحين الهواء فلا يجني إلا السراب. بعد عقود خلت عاد من جديد الاقتباس والغوص في الالتباس، وكاد يصل أحيانا إلى حد الاختلاس، مما زاد الصورة أكثر قتامة مما نتصور، وخاصة بعد حمى الدعم وكثرة الهم والغم، والسب والشتم، والعتاب واللوم، جعل المسرح يعيش صراعاً دائماً مع الهوية وإثبات الذات، وأفرغت جل الأعمال المقدمة من الإبداعات بعد طغيان التجريب والتخريب والتهريب، وغياب النواة والطرقات الثلاث، وأصبح المسرح على حافة الممات، لكنه ينهض أحيانا من السبات بفضل بعض المسرحيين والباحثين والأبحاث للضالعين في التراث، بعدما أحبطت العديد من التجاريب والمبادرات، وشجعت الزبونية والمحسوبية والأتاوات، وكثرت المراوغات والمناورات والمؤامرات، وأصبح الخطاب خطابات وعمت النرجسية وحب الذوات، ولكن حتماً الفرج آت على جميع المستويات. لقد أصبح المسرح المغربي، كما يقول المثل الشعبي ''فين ما ضربتي القرع يسيل دمو، خص بعض المسرحيين يتفطمو، اللي ما عندو مو، الخشبة هي مو، فهمو ولا كاع لا يفهمو''. هل يواكب النقد التراكم المسرحي الذي يحدث على خشبة المسرح المغربي؟ من الواضح أن عملية النقد تواكب عملية الإنتاج، الذي بلغ من حيث الكم التخمة لدرجة أن بعض النقاد يزاولون عملية الإنقاذ بدل النقد، وأصبحت الخشبة كالغابة، وجل الممثلين مجرد كسابة، فبغياب عنصر الإبداع، أصبحت المسرحية مجرد سلعة من السلع تشترى وتباع، حيث النقد يمارس نقداً (أي كاش)، في غياب نقاد متخصصين متمكنين من أدواتهم، حتى العمليات النقدية أصبحت قليلة جدا على الساحة التي تعمل على تطوير فن الفرجة وتوجيه ممارسيه والحفاظ على مقوماته التي أصبحت في واد والممارسين في واد، والناقد بينهما ينتظر الزاد، ليحصل على ما أراد، فكيف يمكن للنقاد سواء كانوا (قدام أو جداد) أن يمارسوا العمل النقدي والمسرح أصبح في السوق بالمزاد، لقد كثرت المهرجانات، وقلت الفراجات وتعالت الاحتجاجات وقضيت الحاجات وأعطيت الامتيازات ووزعت الهمزات، وما بقي إلا الفتات، فأطلب من الله أن يجمع الشتات. هل يمكن أن نتحدث عن وضع اعتباري للمنشغلين في المسرح المغربي···؟ إن الحديث عن الوضع الاعتباري للفنان بشكل عام والمنشغلين بالمسرح بوجه خاص لا يحسد عليه، فالغبن والإهمال والتهميش لا زال سائداً يلاحق الفئة الكبرى من الفنانين، سواء في حياتهم الخاصة أو داخل الكواليس، وهذا راجع أساسا إلى الفنانين أنفسهم نتيجة الصراع القائم فيما بينهم منذ القديم، فكيف يمكن أن يكون للفنانين وضعاً اعتبارياً يضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم والحقوق والواجبات لتكون لهم مكانتهم داخل المجتمع وهم في حرب طروادة التي لم تنته بعد، بالرغم من المجهودات التي بذلت وتبذل لجمع شتاتهم، وإسماع صوتهم وإشراك الجميع دون إقصاء أحد وتوحيد كلمتهم، وهذا يبقى رهينا بتماسكهم وتضامنهم والتسلح بالمعرفة وتنظيم أنفسهم ليكونوا خير سفراء لمجتمعهم وبلادهم حتى لا يطويهم النسيان ويصبحون في خبر كان كما وقع للكثيرين منهم أيام زمان. فالمرآة المصابة بالشروخ والشقوق لا يمكنها أن تعكس الصورة الحقيقية والصافية للمجتمع، كذلك الأمر بالنسبة للفنان، فهو المسؤول الأول والأخير، فالحق يؤخذ ولا يعطى. فإذا كان الفنان هو صوت المجتمع والمدافع عنه، فلا بد أن يتمسك بحقوقه المشروعة ويدافع عنها كدفاعه عن القضايا المجتمعية التي يطرحها على الخشبة في مختلف مجالات الحياة بعيدا عن التملق والمحسوبية والزبونية والوقوف في وجه المتلاعبين بالفن لكونه أكبر قضية مجتمعية، فمقياس الأمم وتقدمها يقاس بمكانة فنها وفنانيها. أصدرتم عدة أعمال مسرحية، ودائما على نفقتكم الخاصة، حدثنا عن هذه التجربة؟ إن الحديث عن تجربة الإصدارات المسرحية كالحديث عن معالجة داء السكري أو محاربة داء فقدان المناعة المكتسبة، يتيه الفرد داخل الجماعة، كل شيء ممكن إلا أن تصدر كتاباً فكأنك تبحث عن سراب. في الواقع، عندما تطرح عليّ مثل هذه الأسئلة يؤرقني كثيرا الكلام في هذا الموضوع القديم الجديد موضوع النشر ويوم الحشر، والطباعة والتوزيع، لقد وقع لي ما وقع لزميلي صاحب مسرحية اسمع ياعبد السميع، لا من يشتري ولا من يبيع. الحقيقة مرة، والكلمة حرة، والإبداع مسرة والتنكر مضرة، فكيف يمكن أن تمحي ذاكرة، بقلم بجرة. إن الكتابة مغامرة، مخاطرة، دوما محاصرة، من طرف الحاقدين المكرة، دون سند أو مؤازرة، حتماً سيتخلى كل مبدع جاد عن المبادرة، وستعم ثقافة الخردة والمتاجرة، وانتشار السمسرة، الكل يشتكي من قلة النصوص، ولا يقف في وجه محاربة اللصوص للنصوص، محنة الكاتب والكتاب، ليس لها مدخل ولا شباك ولا باب، مهنة بلا أتعاب، تفقدك الأحباب والأهل والأصحاب، وأحيانا تخرجك عن الصواب وقد تصبح معزولا عن المجتمع، وتلتحق بالحظيرة مع الدواب، فسؤالك عن تجربتي يحتاج إلى فقرات وفصول وأبواب، سامح الله بعض المتمسرحين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الفن يظنون أنهم عباقرة وهم مجرد سماسرة، يدعون أنهم يركبون الرهان، ولكن مراهنتهم في الأخير خاسرة، لمعاملتهم الجائرة، ينقصهم التواضع ونكران الذات، فلا يمكنهم مهما بلغوا باستعلائهم وعجرفتهم محو التاريخ والذاكرة لكونها دوما حاضرة. من موقعكم كناقد، هل من أفق مستقبلي للمسرح في المغرب؟ في الواقع لقد قطع المغرب أشواطاً كبيرة وعرف تجارب متعددة ومتنوعة في مجال المسرح عبر مختلف المؤسسات الاحترافية والهاوية والجامعية والمدرسية والشبابية وكلها تسعى إلى تأكيد شيء اسمه المسرح ونشره على أوسع نطاق، بين مختلف الشرائح الاجتماعية وترسيخ ظاهرة الفرجة المسرحية بخلق جمهور متذوق واعٍ بدوره كعنصر فعال وفاعل يساهم في تطوير الحركة المسرحية المغربية باعتباره عنصراً أساسياً في عملية الفرجة. إني جد متفائل من حيث الآفاق المستقبلية للتجربة المسرحية ببلادنا، مقارنة مع بعض التجارب الأجنبية، إنه بإمكاننا قطع أشواط جد مهمة إذا ما توفرت النيات الحسنة والمنشآت المسرحية، وقيام المجالس الجماعية والهيئات المنتخبة بالدور المنوط بها في النهوض بالحركة الثقافية، وتغيير الإسمنت والآجور إلى النور والديكور وإشراك المثقفين والمسرحيين في هذه الأمور، وتحفيزهم على الإبداع والعطاء ماديا ومعنوياً حتى نعطي هذه التجربة بعدها الكوني المتميز والمتوازن والجامع بين التنظير والممارسة والقول والفعل، وبالتالي يمكن كسب الرهان وتحقيق الإشراق على مستوى الآفاق وترك الحالمين في جزيرة الوقواق، ينخرهم النفاق والشقاق والارتزاق. كلمة ختام في هذا الحوار الشيق··· ختاماً، أنا جد ممنون لكم على إجراء هذا الحوار الذي أتمنى أن يتمكن كل متتبع ومهتم على الساحة المسرحية المغربية والعربية من الوقوف على عناصر الخلل التي تعيق مسيرة المسرح والمسرحيين بعيدا عن المزايدات والسفسطة، مؤمنين بدور الحوار البناء في إبداء الرأي والإنصات للآخر لتمرير الخطاب بين مختلف الفعاليات في مجتمعنا، باعتبار المسرح أبو الفنون ومجمع روافد الثقافة وأداة للاتصال والتواصل بغية تحقيق التنمية الشاملة في بعدها الحضاري والكوني، محورها العنصر البشري. مرة أخرى، أجدد شكري لكم متمنيا للجميع النجاح والتوفيق وشكراً... أعمال صدر للكاتب والباحث المسرحي، عبد المولى الزياتي، عدة أعمال تخص المسرح نذكر منها لوحات مسرحية للجمهور والخشبة سنة 1994, عبد الصمد الكنفاوي الرجل الذي عانق الوحوش سنة 2000, هذا الذي نسميه مسرحا سنة 2002, ثلاثة نصوص مسرحية للمسرح والمسرحيين والتمسرح والمسرحة سنة 2005, مقامات الزيات لعشاق التراث سنة 2007.