يرى الدكتور ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر أن محمد البوعزيزي وما فعل قبل سنة من الآن لم يكن إلا مسببا أولا للثورة التونسية التي غيرت تاريخ البلاد، ويرى أن الذين يعملون على تشويه هذا الرمز هم الذين لم تعجبهم سيرورة الأحداث التي وقعت بعد ذلك ورفعت أبناء المناطق المحرومة إلى سدة الحكم· الآن وقد مرت سنة على حالة حرق النفس التي قام بها المواطن التونسي محمد البوعزيزي، ماذا بقي من تلك الأسطورة التي تعرضت لكثير من التشويه؟ في مثل هذه الأحداث الكبرى، يصبح المحفز الأول للثورة غير مهم (وحالة البوعزيزي هي محفز الثورة في تونس والربيع العربي عموما)، لقد كان مهما في لحظته حيث تحوّل فعل حرق الذات إلى حالة مفجرة للثورة· والمهم هو أن هذا الشخص دخل التاريخ من خلال نتائج الحرق وما ترتب عن ذلك مثل هروب الجنرال بن علي والمسار الذي عرفته البلاد بعد ذلك، ولم يكن شخص البوعزيزي إلا رمزا لتلك السيرورة· لكن هذا الرمز أو الأسطورة تتعرض للتشويه، لماذا تُقتل الرموز بهذا الشكل؟ من يقوم بذلك هم أناس يصفّون حساباتهم مع الحراك ككل، وهم غير راضين على ما آلت إليه الأوضاع على مستويات كثيرة، ومن يشكك في هذا الأمر فهو يعمل على ترسيخ النظرة الاستشراقية التي تشكك في إمكانية اندلاع ثورات في العالم العربي بهذا الشكل، وتقول بأن التغيير عن طريق الثورات الشعبية ممكن في الغرب فقط، وأن أقصى ما يقوم به العرب هي انتفاضات غير منظمة وأن الثورات تتطلب قيادات وتنظيم مسبق، وأن ما حدث في تونس هو مؤامرة وما حدث في مصر مؤامرة والأمر كله مؤامرات· وكل هذا ينطلق من النظرة الاستشراقية التي تحاول التأكيد على أن هذه الشعوب عاجزة وما يحدث هو بفعل ''أيادي خفية''، إنها تصفية حسابات، البعض يستعمل فيها تعبير ''لماذا حدث هذا في هذا الوقت بالذات؟''· ألا ترى من المفارقة أن منطقة سيدي بوزيد التي ثارت على نظام بن علي البوليسي بدءا من شرارة البوعزيزي هي نفسها التي تعيد انتخاب النظام البائد ممثلا في العريضة التي يقودها الهاشمي الحامدي المتهم بقربه من ذلك النظام؟ لسيدي بوزيد وغيرها من المناطق القريبة منها والمشابهة لها خصوصيات ثقافية، هي مناطق قبائل تعرضت للتهميش طويلا وأحست بالغبن، وعند الانتخابات هي لم تختر النظام السابق بل انتخبت ابن قبيلتها (الحامدي ينتمي إلى قبيلة الحوامد الكبيرة العدد في المنطقة) بغض النظر عن انتماءاته السياسية وتحالفاته السابقة واللاحقة، والوعود الانتخابية في سيدي بوسعيد والمرسى تختلف عن الوعود في سيدي بوزيد وغيرها من المناطق القريبة منها· ورغم ذلك فإن التغيير حدث بصعود أبناء الجنوب إلى أعلى هرم السلطة وعلى رأسهم المنصف المرزوقي الذي كان يرتدي البرنوس الذي يرمز لتلك المناطق التي عانت كثيرا من الحرمان والتهميش· وماذا عن التشويه الذي يتعرض له البوعزيزي وعائلته من سيدي بوزيد بالذات؟ المشكلة تكمن في أن عائلة محمد البوعزيزي لم تعرف كيف تتعامل مع الوضع الجديد، هي عائلة مسكينة مهمشة لم يكن لها شأن وفجأة تجد نفسها في قلب الحدث وكبرى القوات الفضائية في العالم تتسابق من أجل الحديث معها· هذه العائلة ظُلمت كثيرا وطاردتها الإشاعات منها ما قيل ظلما عن استفادتها ماديا من الوضع على حساب أبناء تلك المنطقة التي جاءوا منها، لقد تعرضت عائلة البوعزيزي المسكينة لحقرة حقيقية، ولم تعرف للأسف كيف تتعامل مع الوضع الجديد الذي وجدت نفسها فيه·