عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير خارجية سلطنة عمان    محمد لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي في كافة وسائل الإعلام    سعيدة: تشجيع ومرافقة أصحاب المستثمرات الفلاحية للانخراط ضمن مسعى تربية المائيات    المغرب: المخزن يستمر في الاعتقالات السياسية في خرق سافر لحقوق الانسان    منتدى الدوحة: إشادة واسعة بجهود الجزائر لنصرة القضية الفلسطينية    إبراز جهود الدولة في تسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    عطاف يدعو لتوجيه الجهود المشتركة نحو نصرة القضية الفلسطينية    قوجيل: مواقف الجزائر تجاه فلسطين "ثابتة" ومقارباتها تجاه قضايا الاستعمار "قطعية وشاملة"    وزير الداخلية يستقبل المدير العام للديوان الوطني للحماية التونسية    بورصة الجزائر: النظام الإلكتروني للتداول دخل مرحلة التجارب    كريكو تؤكد أن المرأة العاملة أثبتت جدارتها في قطاع السكك الحديدية    تيسمسيلت: إلتزام بدعم وتشجيع كل مبادرة شبانية ورياضية تهدف "لتعزيز قيم المواطنة والتضامن"    اتصالات الجزائر تضمن استمرارية خدماتها غدا تزامنا واليوم العالمي للعمال    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: الجزائر تشارك بثلاثة مصارعين    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    حوادث المرور: وفاة 38 شخصا وإصابة 1690 آخرين خلال أسبوع    نجم المانيا السابق ماتيوس يؤكد أن بايرن ميونخ هو الأقرب للصعود إلى نهائي دوري الأبطال على حساب الريال    تندوف: شركات أجنبية تعاين موقع إنجاز محطة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط    عقب شبهات بعدم احترام الأخلاق الرياضية :غلق ملف مباراة اتحاد الكرمة - مديوني وهران    تاقجوت يدعو إلى تأسيس جبهة عمالية قوية    نظام إلكتروني جديد لتشفير بيانات طلبات الاستيراد    نحو إنشاء بنك إسلامي عمومي في الجزائر    هل تُنصف المحكمة الرياضية ممثل الكرة الجزائرية؟    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل المستشار الدبلوماسي لرئيسة الوزراء الإيطالية المكلف بخطة ماتي    مشعل الشهيد تحيي ذكرى وفاة المجاهد رابح بطاط    رئيس الجمهورية يُبرز الدور الريادي للجزائر    الجزائر معرضة ل18 نوعا من الأخطار الطبيعية    درك بئر مراد رايس يفكّك شبكة إجرامية دولية    ملتقى وطني عن القضية الفلسطينية    أوسرد تحتضن تظاهرات تضامنية مع الشعب الصحراوي بحضور وفود أجنبية    منح 152 رخصة بحث أثري في الجزائر    المغرب: مركز حقوقي يطالب بوقف سياسية "تكميم الأفواه" و قمع الحريات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي/منافسة الأفلام القصيرة: أفكار الأفلام "جميلة وجديدة"    المجلس الأعلى للشباب/ يوم دراسي حول "ثقافة المناصرة" : الخروج بعدة توصيات لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب    حلف دول شمال إفريقيا..العمل يهزم الشعارات    منتجات البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    سياسة الاحتلال الصهيوني الأخطر في تاريخ الحركة الأسيرة    بهدف القيام بحفريات معمقة لاستكشاف التراث الثقافي للجزائر: مولوجي:منحنا 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الاحتلال يفشل في تشويه "الأونروا"    "حماس" ترد على مقترح إسرائيل بوقف إطلاق النار 40 يوما    محرز يقود ثورة للإطاحة بمدربه في الأهلي السعودي    اتفاق على ضرورة تغيير طريقة سرد المقاومة    إبراز أهمية إعادة تنظيم المخازن بالمتاحف الوطنية    بلومي يُشعل الصراع بين أندية الدوري البرتغالي    شباب بلوزداد يستنكر أحداث مباراة مولودية وهران    الشرطة تواصل مكافحة الإجرام    لا أملك سرا للإبداع    مصادرة 100 قنطار من أغذية تسمين الدجاج    إخماد حريق شب في منزل    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    استئناف حجز التذاكر للحجاج عبر مطار بأدرار    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائريون شركاء في ثورتنا بما عانوه في سجون بن علي
الشروق ترصد الأوضاع في تونس بعد أول انتخابات حرة


طوابير بالمئات للإدلاء بالأصوات
يساريون يوصلون الإسلاميين إلى الحكم..‬وإسلاميون يتعففون بالقناعة المؤجلة؟
عندما عبرت مركزي أم الطبول وطبرقة الحدوديين في كل من الجزائر وتونس وقد تلقيت فيهما معاملة رائعة جدا أنستني شيئا من وعثاء السفر أحسست وأنا أطأ أرض الخضراء، أني أدخل تونس أخرى غير تلك التي ألفت. وفهمت بعد مصافحة أحد الباعة المتجولين على جانبي الطريق الرابطة بين طبرقة ومدينة باجة أن التونسيين الذين كثيرا ما اشتكوا من ظلم البوليس السياسي وتعدد مشاهد الحواجز القمعية والتصريح الأمني على الضيوف وإن كانوا أشقاء، لماذا ثاروا لما أقدم البوعزيزي على حرق نفسه وطرد بن علي من هذه الجنة إلى غير رجعة.
* الحقيقة أن التونسيين الذين كرهوا السجون والمعتقلات والمحتشدات وتزوير الانتخابات، بل كرهوا أصلا تنظيم الانتخابات التي عادة ما يتم فيها التصويت الجماعي نيابة عنهم، تراهم اليوم أكثر حماسا لإحداث نوع من المشاركة القياسية لاختيار أول مجلس وطني تأسيسي تعددي في تاريخ تونس دون أن تسرق منهم الأصوات أو يتم تحريفها عن غير مواضعها.‬
يقول الحاج الهاشمي وهو يعرض أنواعا من الفواكه الموسمية والجافة على قارعة الطريق، والذي قرر ممارسة حقه الانتخابي لأول مرة في حياته بالرغم من تجاوزه 70 من العمر ، إن الجزائر التي ساندت ثورة الياسمين مطالبة اليوم أن تجتهد في المحافظة عليها وذلك لأن زين العابدين بن علي لم يدخر أي جهد في إلحاق كل أنواع الأذى للمساس بعمق هذه الروابط بيننا وبين الشعب الجزائري .‬
قد لا تعرفون -يؤكد عمي الهاشمي -أن الجزائريين وإن كانوا مرحبا بهم في تونس إلا أن النظام المخلوع كان لا يتردد في ملاحقتهم والتضييق عليهم ووصفهم بالجيران المشاغبين، ولهذا كانت السجون في تونس تشاركية مع كثير من شباب الجزائر لأدنى سبب وأقل تهمة، ناهيك عمن كانوا ممنوعين من الدخول لأتفه الأسباب وأغربها..ومن هنا حملت أغلب القوائم الحزبية والمستقلة في هذا العرس الانتخابي رسائل واضحة نحو الجزائر لإرسال مزيد من السياح، وللجماهيرية الجديدة لاستقبال مزيد من اليد العاملة.
وبالمختصر المفيد فإن اعتماد تونس على مساعدة الجزائر في تجاوز هذه المرحلة الصعبة يصفها كثير ممن تحادثوا إلى الشروق اليومي بالخطوة الأولى الصحيحة على درب تحقيق الاندماج المغاربي.‬
*

*
أول الغيث ..‬إبعاد وزارة الداخلية؟
شدني الفضول والحنين معا وأنا أصل تونس العاصمة للسير قليلا في شارع الحبيب بورقيبة الذي كان وعلى الدوام مسرحا لأهم الأحداث التي شهدها هذا القطر الشقيق. وتذكرت مقر وزارة الداخلية المخيف والذي لا يجرؤ أحد حتى لمجرد الاقتراب منه، كما تذكرت دور هذه الوزارة بالذات في تحديد نتائج الانتخاب منذ تأسيس أول مجلس وطني عام 1956 وإلى آخر انتخابات رئاسية في عهدة بن علي، وكيف كانت النتائج دائما تتجاوز 99 في المائة دون أن يشارك فيها أحد. وفهمت لماذا كان التونسيون يؤمنون هذه المرة بعدالة العملية الانتخابية ونزاهتها بعد أن تم إبعاد هذه الوزارة من الحدث الانتخابي وإسناد المهمة من الألف إلى الياء إلى هيئة عليا مستقلة يرأسها اليساري كمال جندوبي الذي عذبه بن علي ونفاه ومنعه حتى من مجرد حضور جنازة والدته؟
ومن المضحكات المبكيات في تونس كما في غيرها في دول أخرى مجاورة أن وزارة الداخلية كانت وعلى الدوام تصر على لعب مثل هذه الأدوار القذرة حتى وإن كانت الضحية هذه المرة البلاد بكاملها. ويقول التونسيون إنهم اقتنعوا بالتحول الانتخابي بمجرد إبعاد هذا المرفق العمومي وقرروا الذهاب هذه المرة جماعيا لصناديق الانتخاب وإعطاء درس للعالم بأن الشعوب العربية قادرة على اعتناق الديمقراطية والقبول بنتائج التعددية متى كانت المسألة خالية من اللعب والعبث والتدليس والتزوير. ومن جميل محاسن ثورة البوعزيزي أن كمال الجندوبي كان وعلى طول الفترة الانتخابية الرجل الأول في البلاد وظل فريقه الوطني وبقية المكاتب الفرعية هم الآمرون والناهون في كل شيء حتى ولو جاء من الرئيس فؤاد المبزع والوزير الأول الباجي قائد السبسي خاصة وأن هذا اليساري قد التزم باحترام قواعد اللعبة ونتائج الصندوق ولو أوصل الإسلاميين إلى الحكم..وهذا ما حصل بالفعل ونحن في قصر المؤتمرات نستمع إلى تلاوة عطرة من هذا اليساري وهو يزف للتوانسة خبر فوز حركة النهضة بأغلبية مقاعد أول مجلس وطني تأسيسي تعهد إليه مهمة التشريع واختيار الرئيس وتشكيل الحكومة.أو ليس إبعاد وزارة الداخلية كما يتغنى التونسيون هو أولى قطرات الغيث الديمقراطي؟
وفي يوم الانتخاب ونحن نطوف بعدد من المراكز الانتخابية في تونس العاصمة وما جاورها تأكدنا من أن رفاق البوعزيزي الذين أنهوا الشوط الأول بطرد بن علي وزمرته سينهون الشوط الثاني من هذه المباراة الديمقراطية بمعاقبة كل المترددين والمندسين والمنافقين سواء الذين زينوا للرئيس المخلوع أعماله، أو أولئك الذين سارعوا بالدخول في حكومة محمد الغنوشي الأولى وفي مقدمتهم الرجل الشجاع أحمد نجيب الشابي الذي أراد أن يصيب فأخطأ مرتين، الأولى عندما تلي بيان 13 جانفي ومدح فيه إصلاحات بن علي، والثانية عندما رضي بتولي وزارة التنمية المحلية في حكومة الغنوشي المؤقتة وسقط الرجل بسرعة بالضربة الانتخابية القاضية؟ ويقول هؤلاء الرفاق أنهم لن يترددوا في أن يقولوا للوافدين الجدد على قصر قرطاج ‮(‬ديقاج‮) أيضا؟
*
*
*
لويزة حنون تونس ..‬سقطت هي الأخرى؟
الذين سقطوا في أول امتحان ديمقراطي في تونس كثيرون، ولعل أولهم الشيخ عبد الفتاح مورو الذي ترأس قوائم طريق السلامة المستقلة في دائرة تونس 2 بعد أن انشق عن النهضة، ولم يقدم الرجل مبررا مقنعا يحفظ به ماء الوجه. كما سقط زعيم الشيوعيين النقابي حمة الهمامي الذي يحتفظ له التونسيون بمواقف رجولية في عهد بن علي وما بعده. كما سقط سليم الرياحي والذي ذهب بأموال القذافي إدراج الرياح. وتقهقر آخرون ممن كانوا يتقدمون الصفوف الأولى في التيار الوسطي واليساري، وتلقى الحداثيون والنساء الديمقراطيات شر هزيمة وأغلق الجميع يوم الاثنين هواتفهم النقالة وسكتوا عن الكلام المباح.‬
ولما تحولت في اليوم الموالي إلى منطقة باردو لمقابلة زعيمة الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء في تونس باعتبارها أول امرأة تونسية تخوض مثل هذه التجربة لم يخطر على بالي أن أتلمس فيها كثيرا من الخشية على مصير البلد وهي تتحول رويدا من حكم ديكتاتوري إلى عهد يفترض أن يكون ديمقراطيا حتى تفاجئني أمنة منصوري القروي بالقول إن خوفها قد تشكل بوضوح خلال ما عاشته البلاد من تجاوزات إثناء تنظيم الحملة الانتخابية لاختيار أعضاء المجلس التأسيسي الوطني وتوظيف المال السياسي وإطلاق عبارات التهديد والوعيد وغيرها مما تم تداوله في عديد الصالونات السياسية في تونس. ومادامت السيدة القروي، أو لويزة حنون تونس قد سقطت هي الأخرى فإن حديثها معنا لم يخل من الإدلاء بعديد التوضيحات المفيدة حول مساهمة المرأة التونسية في إحداث التغيير الديمقراطي، وقالت إن حزبها هو الوحيد الذي التزم بمبدأ المناصفة بين الرجال والنساء في القوائم الانتخابية.‬‮ كما تحدثت كثيرا عن الجزائر والرئيس بوتفليقة،‮ وعاتبت ليلى طرابلسي لأنها ضيعت زوجها وأحرقت تونس بكاملها؟
وغير بعيد عن منطقة باردو شكك آخرون في نزاهة العملية وحملوا حركة النهضة مسؤولية حدوث تجاوزات كثيرة وهددوا بإلغاء المسار الانتخابي، تقريبا تماما مثلما قالوا ذات يوم عندنا. وكاد أن يحدث نفس الأمر وخاصة عندما طار كمال الجندوبي إلى باريس لأداء واجبه الانتخابي ..‬ودار حديث طويل حول إمكانية إلغاء هذه النتائج أو تعديلها ..‬
وانتظر التونسيون 03 أيام بلياليها وهم على أحر من الجمر تحسبا لحدوث أي طارئ ، ليعلن في الختام رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فوز النهضة ديمقراطيا، وفي المقابل إسقاط قوائم لغريمتها العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية للنهضوي السابق الدكتور محمد الهاشمي الحامدي ..‬وصار ما صار في سيدي بوزيد التي احترقت تنديدا بالتهميش والإقصاء،‮ وحملت الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي مسؤولية هذا الاحتراق لمدينة البوعزيزي.
*
*
*
مفاجآت متعدِّدة..‬وتفسيرات متقاربة
- يجمع عدد من الإعلاميين والمحللين السياسيين في تونس الذين التقيت بهم في بهو المركز الإعلامي بقصر المؤتمرات أن المفاجآت في الانتخابات التونسية قد تعددت بشكل أضفى عليها مزيدا من الأهمية والحيوية. وأولى هذه المفاجآت، النسبة العالية التي حصلت عليها حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية. فالجميع كان يعتقد بأن هذه الحركة ستتصدّر بقية الأحزاب، لكن الحجْم المُرتقب كان مقدّرا في حدود 25 % وربما 30، غير أن النسبة التي كشفت عنها الصناديق كادت تقترب من النصف، وهو ما فاجأ الذين وضعوا القانون الانتخابي الخاص بهذه المرحلة الانتقالية، حين اعتقدوا بأنه كان كافيا للحيلولة دون أن يهيْمن أي طرف حِزبي على المجلس. هذه المفاجأة أربكت البورصة، التي لم تستعد حيويتها النسبية، إلا بعد أن وجهت قيادة حركة النهضة رسالة طمأنة للأطراف الدولية.
أما المفاجأة الأخرى، فقد تمثلت في التراجع الدّرامي للحزب الديمقراطي التقدّمي لمؤسسه احمد نجيب الشابي، الذي كانت عمليات سبْر الآراء تضعه في المرتبة الثانية بعد حركة النهضة، إلا أن مكانته قد اهتزّت بشكل ملحوظ، مما جعله ينزل بقوة إلى المرتبة الخامسة في الترتيب، الأمر الذي سيدفع بقيادته وقواعده إلى التفكير ملِيا في أسباب هذه النكسة.‬
وفي المقابل مالت الرياح لصالح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية للدكتور منصف المرزوقي، الذي احتلّ المرتبة الثانية، بعد أن كان يُنظر إليه كحزب صغير. ولا شك في أن موقِعه الحالي يمكِّنه من لعب دوْر المفاوض من موقع مريح، وقد يصبح هو حلقة الوصل بين حركة النهضة وعدد من الأطراف المعارضة داخل المجلس التأسيسي.‬
المفاجأة الثالثة، التي لم تكن واردة في كل الحسابات، تخصّ قائمات (العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية)، التي يقودها الهاشمي الحامدي من لندن عبْر قناته التلفزيونية "المستقلة" والتي احتلت المرتبة الثالثة. فالجميع يتساءل: كيف تمكّن هذا الطرف من أن يحصد كل هذه المقاعد وأن يتمكن من تهميش حركة النهضة في دائرة سيدي بوزيد مثلا؟ وإذا كان ذلك قد يكون مفهوما، انطلاقا من عوامل جهوية وقبلية، فكيف يُفسّر الأمر في مناطق أخرى، مثل مدن المنستير وباجة وسوسة وغيرها.
يقول الإعلامي التونسي الزميل صلاح الدين الجورشي:‬
- (لا شك في أن العامل الجهوي له دور في ذلك، لكن الخطاب الشعبوي، الذي اعتمده الحامدي، والوعود التي غازل بها ذوي الدخل المحدود والمناطق النائية، قد ساعدت على تحويله إلى "القوة الثانية" بالمجلس التأسيسي. هذا الأمر، دفع البعض إلى العمل على إسقاط قائمات العريضة الشعبية، بحجّة أن الحامدي خالف القانون واستمر في محاولة التأثير على التونسيين عبْر ‮"‬المستقلة‮"‬ طيلة أيام الحملة الانتخابية.‬
المفاجأة الرابعة، تمثّلت في السقوط المُدوِّي لحركات اليسار والقِوى الحداثية عموما، وبالأخص أحزاب أقصى اليسار، التي وجدت نفسها أقلية ضئيلة جدا داخل المجلس التأسيسي. هذه القوى مدعُوّة اليوم إلى القيام بجرْد حساب، لتحديد أسباب عجْزها عن منافسة خصْمها التاريخي، الممثل في حركة النهضة، إلى جانب عدم قُدرتها على إقناع التونسيين بخطابها السياسي والأيديولوجي، وذلك بالرّغم من مجال الحرية الواسع التي تمتّعت به طيلة الأشهر الماضية.‬
ضيوف الشروق هم الذين سيحكمون تونس ؟
بمجرد أن حللنا بتونس العاصمة تحادثت هاتفيا مع الزميل رشيد بوسيافة وأبلغته 03 أيام قبل الموعد الانتخابي بأن حركة النهضة ستفوز بالأغلبية وأن ضيوف الشروق الآخرين ونعني بهم مصطفى بن جعفر ومنصف المرزوقي والهاشمي الحامدي سيحتلون بقية المراكز المتقدمة. وبالفعل فقد بات في حكم المؤكد أن تونس ستحكم في المستقبل القريب من طرف أربعة تنظيمات سياسية والتي منحها الشعب التونسي في اقتراع 23 أكتوبر أغلبية مطلقة لتشكيل أول مجلس وطني تأسيسي تعهد إليه مهام التشريع وإعداد دستور جديد للبلاد واختيار رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة انتقالية جديد .‬
هل تتذكرون سليمان الرويسي النقابي الذي فجر الثورة؟
-ما لم أفهمه وأنا أجوب تونس شمالا ويمينا هو سر تجاهل الكثيرين لسليمان الرويسي أحد الذين أشعلوا الشرارة الأولى للثورة في تونس. وهو رجل في الخمسينيات من العمر بشوش متواضع لا يتكلم كثيرا، بحثت عن الرجل طويلا فقيل لي أنه لم يغادر منطقة ولاية سيدي بوزيد خوفا من أن تسرق الثورة منها مرة أخرى. وعدني كثير من الزملاء الإعلاميين في تونس بالتواصل معه، ولكن الأمر في الأخير باب في حكم المؤجل، ربما لأن سليمان أراد أن تكون كهذا النهاية بعد أن قال في أكثر من مرة أن الثورة قد سرقت من سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر واعتمدت في تونس العاصمة يوم 14 جانفي.‬‮ أو لأن الرجل لم يقتنع منذ البداية أن هروب بن علي معناه نهاية الثورة.‬‮ وهو الذي قال ذات يوم :‬
- ‮"‬أنا أرى أن تاريخ جويلية هو التاريخ الحقيقي لبداية الثورة التونسية. وعلى كل حال، يجب أن نفهم جيدا أن الثورة لا تندلع أبدا صدفة..‬
محمد البوعزيزي ليس أول شخص يحرق نفسه في المنطقة. لكن عمله هذا استغله الناشطون لإطلاق الثورة لأن له دلالة رمزية. لقد أحرق نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد ووضعه كان وثيق الصلة بقضية المزارعين في الرقاب. وبذلك يكون قد اختزل كل ما تراكم من أوجه الإجحاف عند كثير ممن كانوا يعانون مثله‮"‬.‬
ففي الداخل كما في الخارج، توجد أطراف تصنع رموز الثورة وتبرزها للإعلام. ومجرد تخليد 14جانفي (تاريخ هروب بن علي) تاريخا للثورة بدل 17 ديسمبر وهو تاريخ الانطلاقة، هو في نظري مغالطة إعلامية. أنا لا أنكر على هؤلاء الذين يظهرون على شاشات التلفزيون مشاركتهم لكن ما قدموه إلى الثورة لم يكن حاسما. ليس هذا سوى مظهرا من مظاهر تهميش الوجوه التي صنعت الثورة. نحن الناشطون في سيدي بوزيد نظل مهمشين مثل منطقتنا. وسائل الإعلام لم تسْعَ إلى لقائنا بعد 14جانفي. أما أنا، فليس لي شخصيا أي طموح سياسي أو إعلامي. كل همي هو تحقيق أهداف ثورتنا‮"‬.‬
سليمان لا يرى أن الثورة التونسية قد نجحت. وقد يقول إن الأحداث التي شهدتها سيدي بوزيد بعد إعلان النتائج أكدت إحساسه. فقد تصدرت النتائج في منطقة سيدي بوزيد قائمة العريضة الشعبية، وشهدت المدينة أعمال عنفا وعمليات حرق بعد قرار إسقاط هذه القائمة لأن اغلب أعضائها من ولاية سيدي بوزيد ؟
*‬‮ تونس ..‬خطوة متقدمة نحو الديمقراطية؟
- اليوم يحق للشعب التونسي أن يشعر بأنه قد دخل مرحلة جديدة ومثيرة، ستقودها وجوه وقِوى سياسية مختلفة، كانت مهمشة من قبل.‬
فالإسلاميون نقلتهم الانتخابات الأخيرة من المعتقلات والملاجئ ومواقع الظل إلى مواقع المسؤولية والسلطة والنفوذ، لن يكونوا وحدهم بطبيعة الأمر، فقد أكدوا بأنهم سيتعاونون مع حلفائهم الآخرين، لكنهم وإن تنازلوا عن منصب رئاسة الجمهورية (الذي سيظل شكليا في ظل النظام البرلماني المرتقب) لأحد مرشحيهم، منصف المرزوقي أو مصطفى بن جعفر، أو حتى الباجي قائد السبسي، فإنهم يعتبرون أن من حقهم التمسك برئاسة الحكومة التي رشحوا لها المهندس حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة.
وبصرف النظر عن نتائج المفاوضات، التي انطلقت مبكّرا من أجل التوصل إلى تشكيل حكومة ائتلافية، فالمؤكّد أن تونس قد بدأت تشقّ طريقها نحو الخُطوة الأولى من بناء نظام ديمقراطي، رغم تشكيك البعض وشعور آخرين بالمرارة والخوف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.