ناصري يشيد بسياسات تبّون    الجزائر الأولى مغاربياً    بن جامع يعرب عن إرادة الجزائر    نقل ملكية الطاسيلي إلى آر آلجيري    بوالزرد: الإصلاحات بلغت مراحل متقدمة    هذا عدد المشتركين في شبكة الألياف البصرية    إيران تطلق الموجة 17 من هجماتها الصاروخية على الكيان الصهيوني    الدحيل يعلن تعاقده مع بولبينة    ميسي يتوهّج    لنِحْمِ غاباتنا    المخيّمات الصيفية ستكون استثنائية    شرفة يعلن عن إطلاق عملية تلقيح وطنية قريبا    التعبئة العامّة.. خطوة لا بد منها    بتكليف من رئيس الجمهورية، عطاف يشارك في الدورة ال51 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول    المغرب: انتهاكات حقوق الاطفال بتواطؤ الصمت الرسمي وغياب الحزم    الجزائر العاصمة: انطلاق الطبعة ال6 لحملة التنظيف الكبرى    كرة اليد/بطولة القسم الممتاز للسيدات: تتويج نادي الأبيار باللقب للمرة الرابعة تواليا    الجزائر تؤكد أن اعتداءات الكيان الصهيوني على إيران انتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة    كأس العالم 2025: كيليا نمور تحرز ذهبية العارضتين غير المتوازيتين    الأمم المتحدة : غوتيريش يؤكد أن السلام الدائم يتطلب الاستثمار في التنمية    هيئة حقوقية صحراوية تدعو المجتمع الدولي إلى الإيفاء بالتزاماته إزاء المفقودين الصحراويين    حملة وطنية لتدعيم عملية تلقيح الأطفال الأقل من 6 سنوات ابتداء من الأحد المقبل    المنيعة: تدابير استثنائية لتغطية الطلب المتزايد على الكهرباء خلال الصيف الجاري    حج 2025: عودة أول فوج من الحجاج إلى مطار غرداية    مجلس الأمة: المصادقة بالإجماع على نص قانون تسوية الميزانية ل2022    ست جامعات جزائرية في مراتب متقدمة ضمن التصنيف العالمي    قسنطينة: فريق من الباحثين يعاين ضريح ماسينيسا لاقتراح تصنيفه ضمن قائمة التراث العالمي    المتحف الوطني للمجاهد : ندوة تاريخية بمناسبة الذكرى ال69 لاستشهاد البطل أحمد زبانة    وهران: توصيات لحفظ وتثمين الأرشيف المخطوط والمخطوطات    شركة النقل الجوي الداخلي الجديدة ستدخل حيز الخدمة قريبا    الحرب تشتد بين إيران وبني صهيون    الجزائر عاصمة للثقافة الحسانية    قرار أممي يطالب المغرب بوقف انتهاكاته الجسيمة    انطلاق حملة الحصاد والدرس للموسم الفلاحي الجاري بعدد من ولايات شرق البلاد    الشباب يفتك الوصافة    نحو وضع خريطة صحية جديدة لإعادة تنظيم شبكات العلاج    تأكيد على "أهمية تعزيز أواصر التعاون البرلماني بين البلدين"    فلسطين: استشهاد 10 فلسطينيين بقطاع غزة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    الجزائر ترغب في الانضمام للتحالف الإفريقي للهيدروجين    ما يرتكبه الكيان الصهيوني جريمة حرب يجب توثيقها    تلغي رحلات خطوطها من وإلى العاصمة الأردنية    موهبة تعطي "عديم القيمة" نبضا جديدا    عنابة تحتفي بالطفولة والهوية    بجاية تحتضن ملتقى وطنيا حول المسرح الأمازيغي للهواة    متيجة من عل تسبي العالم    وكالات السياحة والسفر تضبط برامج عطلة الصيف    نادي سطاوالي يجرّد اتحاد الجزائر من اللقب ويحقق الثنائية    توتنهام الإنجليزي وأنتويرب البلجيكي يتنافسان على زرقان    مانشستر يونايتد الإنجليزي يخطّط لضم هشام بوداوي    "تارزيفت"... تعبير عن حفاوة الاستقبال    فعل الخيرات .. زكريا عليه السلام نموذجا    فتاوى : الهبة لبعض الأولاد دون البعض    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    إيران تطالب بإدانة الكيان الصهيوني بشكل صريح وواضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال وسؤال المعنى
نشر في الجزائر نيوز يوم 06 - 07 - 2012

في موعد خمسينية الاستقلال، يحضر الحصاد ليواجهنا ويفصح عن الذي حرثناه.. وسؤال المعنى هو الجوهري دوما فتاريخ أي بلد يدرك من تاريخ الأفكار فيه، من نوعية السجالات والحوارات التي تجري.
ارتبط تاريخ المعرفة والفكر والفن والأدب والسياسة بالجدل والسجال. وفي عصرنا شكلت المناظرات والمعارك الفكرية والأدبية بين رواد ما يسمى نهضة عربية وما يتصل بتاريخ الحركة الوطنية بكل تياراتها في الجزائر قاعدة منتجة لقيم عززت أسهم ورساميل الرصيد وأنعشت العطاء الفكري والثقافي. لنتذكر تعليقات عمر راسم المعارضة لموقف الإمام محمد عبده من الشأن السياسي، ومعارضة الشيخ ابن باديس لأعضاء المؤسسة الدينية في المشرق الذين نادوا بالخلافة ورده على فرحات عباس الذي صرح بأنه بحث فلم يجد سندا لأمة جزائرية، وما كان يكتبه رواد الصحافة من سجالات نقدية ساخرة كما كان الحال مع الشيخ الزاهري.. وما كتبه لشرف وآخرون عن رواية ''الربوة المنسية'' لمولود معمري.. وبعد استرجاع الاستقلال كانت ارهاصات حراك مرتكز على الاحترام المتبادل واستيعاب الاختلاف وهو ما تمثل في تشكيلة اتحاد الكتاب التي جمعت كل الأطياف، جمعا برز في الجائزة التي منحت مناصفة لمحمد ديب ومحمد العيد آل خليفة.. كانت منابر بالفرنسية والعربية جمعت أسماء كمحمد بودية ولشرف وحربي والميلي وشريط ومالك بن نبي والطاهرين وطار وبن عيشة وعبد الحميد بن الزينئوغيرهم من الرموز. وحوّل بن نبي بيته إلى فضاء للحوار والنقاش. ورغم التحولات التي عرفها المجتمع ظل النقاش حاضرا عبر منابر ك ''المجاهد الثقافي'' و''الشعب الثقافي'' و''الأصالة'' و''الثقافة'' و''الجزائر الأحداث'' و''الثورة الإفريقية'' و''المجاهد الأسبوعي''.. وفي السبعينيات كانت تجربة النقاشات حول الميثاق الوطني متميزة بطرحها رغم طبيعة النظام والتوجهات آنذاك، ما هو كائن من اتجاهات في البلاد. وفي أواخر ذلك العقد عرفت الساحة نقاشا مهما حول اللغة العربية والمنظومة التربوية، نقاشا رد به الدكتور شريط على لشرف. وتواصل النقاش في الثمانينيات التي عرفت أحداثا ذات طابع مؤثر، من الربيع القبائلي في مطلعها إلى إقرار التعددية في أواخرها مرورا بما قام من جدل حول المسألة الثقافية وقانون الأسرة وحول مراجعة الميثاق الوطني وما أثير آنذاك من طروحات كتلك التي تضمنها مقال لنورالدين بوكروح ب''الجزائر الأحداث'' حول اشتراكية الرضاعة.. وتبلور ما شكل مؤشرات مرهصة لتبلور ديناميكية واعدة، تبلور بالتشكلات التي عرفتها الساحة عبر فضاءات النقاش والفضاء العمومي كما بيّن هابرماس هو محور الديمقراطية، فضاءات أشرف عليها مثقفون بأتم معنى وصف مثقف كالمرحوم مصطفى كاتب بإشرافه على مصلحة النشاط الثقافي بوزارة التعليم العالي والمرحوم علولة في مسرح وهران والمرحوم كاتب ياسين في العاصمة وسيدي بلعباس والمرحوم جغلول في الكريديش بوهران ومكتبة الاجتهاد في العاصمة.. وما كان ينشر من نقاشات وملفات في صحف كالملحق الأدبي لجريدتي الجمهورية والنصر وكأسبوعيات الجزائر الأحداث والثورة الإفريقية والوحدة والمجاهد الأسبوعي والتحول اللافت في مسار إعلامنا بظهور المساء وأفاق في منتصف الثمانينيات ثم المسار المغاربي كتجربة لا يمكن تجاوزها في هذا السياق. لكن التحولات التي تتابعت بجذرية وشراسة أدخلتنا في متاهات فكت النقاشات الفكرية والثقافية لتهيمن السياسة باتجاهاتها المتناقضة ويتحول المثقف في ظل تغييب كل مقومات قيام الأنتلجنسيا وفي ظل تغييب معنى المثقف كمنتج للرأسمال الرمزي بتعبير بيار بورديوئإلى وضعئالاتباع لا الإبداع، التسليم لا النقد، إلى وضع الصدى، إلى الصورة التي رسمها المفكر التونسي سليم دولة للمثقف في تونس، قال: ''فهو يساري مثلا على صعيد الشعارات التي يرفعها، سلفي السلوك يميني الطموحات أسطوري - خرافي النظرة إلى العالم.. والقائمة طويلة. يكره المثقف السلطة ويغازلها، يكره الاستبداد والإلغاء ويمارسه، يكره الأمريكان ويتشبه بطريقتهم في الحياة..''.
ومنئالعلل التي نخرت ولا زالت تنخر، علة التصفيات المستمرة، تصفيات تلغي سيرورة التراكمات وتنفي إمكان التفاعلات وتلغي تفعيل الجدل.. تصفيات بالإنكار والتنكر، إنكار عطاء المبدعين والمفكرين بالحجب والتشويه والتشهير، والتنكر لكل فضل. ومن العلل نبرة بعض الأسماء المكرسة التي تذكرنا بما ورد في أغنية مغربية ''أنا وحدي نضوي لبلاد''. فمؤخرا لبنان كلها احتفت بدخول أمين معلوف إلى الأكاديمية الفرنسية، في حين نحن تم شن حملات ضد أسيا جبار التي دخلت صرح الخالدين في سنة .2000
فكتابنا يتلاسنون ولا ينخرطون في جدل منتج للمعرفي والجمالي، لا ينتجون كما أنتج زكي مبارك في رده على أحمد أمين كتاب ''جناية أحمد أمين على الأدب العربي'' أو ما أنتجه محمد الطاهر فضلاء ردا على مذكرات أحمد توفيق المدني.
الظروف التاريخية التي عشناها أفرزت ما يعتبر مضاد للمساءلة الفكرية، والتفكير ارتبط بالتباسات التاريخ بالعمل النضالي وباشتراطات المرحلي والانتقالي.. ومن ملامح إعاقة تبلور الاشتغال الفكري ما أشار إليه المرحوم بن نبي عن هيمنة قانون الصمت في ''مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي''ئإلى أن خير حليف لأساطين الصراع هو الظلام والسكوت.. هذا المناخ المكرس في ظل التباسات اللحظات الحرجة كالمثل الذي يستشهد به وهو في وسط الحكومة المؤقتة بالقاهرة خلال الثورة كانت كما يقول ''كلمة السر المتداولة، اسكتوا، لا تتكلموا.. الاستعمار ينصت إلينا'' وبعد الاستقلال أصبحت الرجعية والامبريالية ثم الصهيونية والفرانكفونية والاستعمار الجديد ثم البعثية والأصولية وحتى الأممية الاشتراكية.. وتكرس الصمت ليحاكم كل مثقف تجاوز خريطة الطريق وأراد الهز للتحريك فساد ما أشار إليه الباحث حسين زاوي بقوله: ''إذا كان الشك الفلسفي يمثل أرقى درجات وخطوات المنهج بالنسبة لأي تفكير تنظيري وإبداعي يريد أن ينتفض في وجه الأنساق الوثوقية بمختلف أشكالها وتمظهراتها، فإن الشك في مجتمعنا مرادف لمعاني الريبة والحذر المريض كما أن النقد يمثل عندنا عنوانا للغل والضغينة ورفض الآخر المدان دوما بشبهات كبيرة في أوصافها ضعيفة في معانيها وإن كانت دون ريب وخيمة في نتائجها نتيجة لارتباطها بممارسات القذف والتجريح والمساس أحيانا بشرف الإنسان وأبعاد شخصيته الاعتبارية''.
نستعير منئمحمد بن عبد الكريم، عنوان كتاب له يتعرض فيه لمعاناته كمثقف في بلادنا ''الثقافة ومآسي رجالها''.. معاناة مرتبطة بتراكمات تاريخية مختلفة ومتعددة فالثقافة لم تحظ بأي موقع محوري بل تم اعتبارها مكملات تتقولب كديكور أو كملحق أو كفرع إضافي فقط، والأولوية باسم الثقافة منحت لعينات محددة هي بعض المغنيين والعجاجبية وبعض الممارسين للتبراح وشرح الخطاب السياسي أو للوعظ والإرشاد الديني أو للتوجيه الأيديولوجي الحزبي.
عانى المثقف الصادق النزيه المخلص لهويته كمثقف الكثير، عانى من الجميع الذين تفاوتت نظراتهم إليهم بين الاستغراب منه كأنه كائن جاء مع الأطباق الطائرة، والاستنكار كأنه ملتبس باللعنة وحامل لفيروس خطير يهدد المواطن السعيد والحاكم الرشيد أو الاستهزاء لأنه مغفل لا يعرف من أين تؤكل الكتف. إن الانتماء لعائلة المثقفين هي حسم بيّنه أبو حامد الغزالي، لما ذكر بأن العلم إذا أعطيته كلك أعطاك جزءه وإن أعطيته جزءك لك يعطك شيئا... فلا يمكن أن يكون الواحد لاعبا لكل الأدوار، والكثير من المثقفين لما أرادوا اللعب على أكثر من حبل فقدوا كل الحبال وأضاعوا الأصل والفرع فتاهوا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.