على هامش أشغال قمة منظمة التعاون الإسلامي ببانجول: العرباوي يلتقي بالرئيس السنغالي    امتحانا التعليم المتوسط والبكالوريا: تحديد تواريخ سحب الاستدعاءات    معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط: التوقيع على 7 مذكرات تفاهم بين متعاملين جزائريين وموريتانيين    في حملة وطنية أطلقت أمس للتوعية بمخاطرها: تحذير من الاستعمال السيّئ لوسائط التواصل الاجتماعي    الرئيس الصحراوي يؤكد مواصلة الكفاح لغاية نيل الحرية    إجراءات للوقاية من الحرائق بعنابة: تزويد محافظات الغابات في الشرق بطائرات "الدرون"    إعادة فتح جسر كيسير أمام حركة المرور    ما سيسمح بوصول التغطية إلى 100 بالمئة: مساع لربط 467 سكنا بالغاز في بوراوي بلهادف بجيجل    الرئيس تبون يدعو منظمة التعاون الإسلامي إلى تحمّل مسؤوليتها أمام التاريخ ويؤكد: البشرية فقدت في فلسطين المحتلة كل مظاهر الإنسانية    تواصل مساعيها الدبلوماسية لفضح الصهاينة و وقف العدوان على غزة    باتنة على موعد مع الطبعة الرابعة: مهرجان إيمدغاسن الدولي يحتفي بنجوم السينما الجزائرية    اليوم العالمي لحرية الصحافة: عميد جامع الجزائر يدعو للتصدي للتضليل الإعلامي الغربي    البطولة الإفريقية للسباحة: 3 ذهبيات وبرونزية حصاد الجزائر في اليوم الرابع من المنافسات    الرئيس تبون.. جهود كبيرة في تعزيز التعاون الاقتصادي الإفريقي    الجزائر الجديدة.. حركية كبيرة وتدابير تشجيعية    رئيس الجمهورية يهنئ نادي فتيات أقبو    المصادقة بالإجماع على التقريرين الأدبي والمالي    الصحافة الوطنية تلعب دورا كبيرا في المشهد الإعلامي    رؤساء الأندية يطالبون بتعديل متوازن    حقيقةX دقيقة: بعد سنوات الظل..    وسام مالي لمصطفى براف    تحضير المراسيم الجديدة الخاصة ب"عدل 3"    "طوفان طلابي" مؤيد لفلسطين يجتاح أرقى جامعات العالم    الإعلام والمساجد لمواجهة خطر الوسائط الاجتماعية        الجزائر في طريق تحقيق التكامل الإفريقي    وكيل أعمال محرز يؤكد بقاءه في الدوري السعودي    دعوة إلى توحيد الجهود لحماية الحقوق الأساسية    النزاع المسلح في السودان.. 6.7 مليون نازح    قلعة لإعداد الرجال وبناء الوطن    عزلة تنموية تحاصر سكان مشتة واد القصب بتبسة    26 مراقبا في دورة تكوينية    أول وفد لرياضيينا سيتنقل يوم 20 جويلية إلى باريس    المعالم الأثرية محور اهتمام المنتخبين    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    حجز سيارات، مهلوسات ومحركات مستعملة    توقيف 15 شخصا أضرموا حريقا عمدا بحي رأس العين    البروفيسور الزين يتوقف عند "التأويلية القانونية"    الالتقاء بأرباب الخزائن ضمانا للحماية    أبواب مفتوحة على التوجيه المدرسيّ والإرشاد المهني    رخروخ: الجزائر مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز حضورها الاقتصادي اقليميا وقاريا    السيدة كريكو تبرز "المكانة المرموقة" التي تحظى بها المرأة ضمن المشروع المؤسساتي لرئيس الجمهورية    الدرك الوطني يحذر من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الانترنت    أم البواقي : افتتاح التصفيات الجهوية لمسرح الطفل بمشاركة 11 ولاية    الأمين العام لحركة النهضة من برج بوعريريج: لا بديل عن الانتخابات الشفافة والنزيهة في اختبار من يقود البلاد    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاء بمناسبة الذكرى ال93 لتأسيسها    منشآت رياضية : بلعريبي يتفقد أشغال مشروع ملعب الدويرة    المنظمة الوطنية للصحفيين الجزائريين تدعو إلى الاستمرار في النضال في وجه التحديات    مشاركة قرابة 20 ولاية في المعرض الوطني للفنون والثقافات الشعبية بعين الدفلى    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكرم خزام ل"الجزائر نيوز": إتفاق بين النظام الروسي والقطري أنهى خدمتي بالجزيرة و نهاية الأسد ستكون أسوأ من صالح والقذافي وبن علي
نشر في الجزائر نيوز يوم 26 - 11 - 2012

زار الإعلامي العربي أكرم خزام الجزائر، مؤخرا، لإنجاز برنامج “حكايات أكرم خزام مع الجزائر" لفائدة قناة “الحرة".. وكان ضيفا على “الجزائر نيوز".. هنا يقدم لكم “الأثر" حوارا ممتعا يتحدث فيه عن تجربته الإعلامية في قناتي “الجزيرة" و«الحرة" وعن النظامين الروسي والقطري، ويقدم تحليله لما يحدث في البلدان العربية، خصوصا في بلده سوريا.
لمع اسم أكرم خزام في قناة “الجزيرة" كمراسل لها من موسكو، بتغطياته القوية عن روسيا وما يحيط بها من بؤر توتر في القوقاز والبلقان والشيشان.. ولكن لمع أيضا بعباراته الشهيرة والمثيرة “أكّرم خزااام.. الجزييييييرة..موسكووووو"..هل لنا أن نعرف بعض الخصوصيات عن شخصيتك الإعلامية المتميزة؟
أنا سوري من مدينة حمص، وفي الأصل أنا مخرج مسرحي، وصاحب أطروحة في هذا المجال سنة 93، تنقلت إلى روسيا لإتمام دراستي العليا في المسرح، واستفدت من المسرح الروسي لتطوير المسرح السوري، لكن شاءت الصدف أن ألتحق بقناة الجزيرة سنة 96، بعد أن أبلغني صديق كان يشرف على عملية انتقاء المراسلين عبر العالم لقناة الجزيرة. دخلت التجربة وفاجأوني بقبولهم لي فورا. مارست العمل المسرحي، في البداية عبر عرض أخرجته بمسرح موسكو الدرامي بعنوان “رأس المملوك جابر" للكاتب المسرحي سعد الله ونوس. ومن أعمالي أيضا عرض “العنب الحامض" سنة 92 بالمسرح القومي بدمشق، تخصصت في دراستي العليا بموسكو في الإخراج المسرحي، وبعد مسرحية “مسرح وعسكر" تركت سوريا مضطرا، والتحقت بروسيا لإكمال دراستي في المسرح كما سبق وقلت لك. لا أخفي أن دخولي إلى الجزيرة وممارسة العمل الإعلامي حملني مسؤولية كبيرة. بدأت أتلمس السياسة والإعلام وقرأت الكثير من المراجع الأساسية في عالم الصحافة وكان عندي شعار لا زلت أعمل به حتى الآن وهو عندما تقرر أن تكون صحفيا يجب أن تكون مستعدا للعمل 28 ساعة على 24 ساعة يوميا، وإلا لا معنى لعملك، والشعار الثاني، الصحفي الذي يخاف عليه أن يجلس في البيت، وهاذان مبدآن أساسيان في ممارسة الصحافة، ومن المبادئ الأخرى المهمة أن يكون الصحفي دائما على مسافة واحدة مع المسؤولين في أي بلد حتى لا يتأثر بهم وبأفكارهم وبسياساتهم، لأن البقاء على مسافة واحدة بين الشخص وعدوه، هو حرص على قدسية وصدقية المادة الخبرية.. لا يجب الانحياز لفلان ولا مدح فلان.. أما سر الرنة التي كنت ألفظ بها عبارة التوقيع، فأنا من أبدعها كعامل تميز فقط، وقد كانت تنال معارضة شديدة داخل الجزيرة لكنني حافظت عليها.
ولكن هل نجحت في الحفاظ على مبادئ الموضوعية التي ذكرتها طيلة مشوارك مع الجزيرة بروسيا؟
بروسيا نعم، حافظت على ذلك، لكن للأسف كانت النتيجة سلبية، إذ كان من الضروري أن يتم إنهاء عملي بالجزيرة ضمن اتفاق روسي قطري سنة 2005.
تقصد إنهاء عملك شخصيا أم عمل مكتب الجزيرة ككل في تلك الفترة؟
كنت أنا المقصود بالتوقيف، لأن الروس والقطريين اعتبروا أنني لم أعد مناسبا لكليهما.
لو سمحت، أريد أن أفهم السبب، أقصد خلفية أن يتفق نظامان على رأس صحفي؟
هي تراكمات.. على سبيل المثال القطريين في مأساة حادثة المسرح في موسكو عندما قامت مجموعة من الشيشانيين باحتجاز رهائن أعابوا عليّ أنني دافعت كثيرا عن الجهة الخاطفة وفي الوقت نفسه كان الروس منزعجون من تقاريري حول موضوع “عودة عبادة الفرد" من خلال شخص الرئيس فلاديمير بوتن... إلخ. هذه التراكمات خلقت لحظة الانتهاء، ووقع ذلك حقيقة.. ولكن أريد أن أنوّه هنا بشيء، لو لم تكن قضية الإقالة، وهي إقالة، كان من الضروري أن أستقيل، لأنني قدت حروبا.. وبالنسبة لي اكتشفت حقيقة الجزيرة منذ الحرب على أفغانستان وتعويمها للشخصيات، وإذا شئت للمجموعات الجهادية والإخوان.. في ثلاث سنوات جرى تعويم للقذافي لدرجة أنه في 2004 تحدث لثلاث ساعات متواصلة بقناة الجزيرة في إطار التعويم وبعد ذلك بدأ الهجوم عليه.. كما جرى تعويم الشيشانيين في وقت سابق، وكان إذا “سعل" أحد في الشيشان تقوم الدنيا ولا تقعد في الجزيرة.. بينما عندما تم الاتفاق الروسي القطري، أصبحت تغطية مقتل 20 شخصا في الشيشان تمر كخبر عادٍ. وعلى سبيل المثال أيضا، المشهد السوري، فمكتب الجزيرة بسوريا كان الناطق الرسمي باسم النظام السوري، وبعد مرور شهر تقريبا عن الأحداث بسوريا أخذت الجزيرة موقفا مضادا تماما لما ألفته. فالجزيرة تخضع لتنفيذ المصالح الخاصة للديوان الأميري القطري.
ما تقوله ربما يمكن مقارنته مع العديد من القراءات عبر العالم التي تقول إن قطر وراء “الجزيرة" وربما بالنسبة للبعض الآخر المسألة أكبر كقولهم إن “الجزيرة" دخلت ضمن مخطط قطري غربي لتجديد خارطة الشرق الأوسط وحتى الخارطة العربية على العموم، حتى عن طريق الاستعانة بأجهزة أمنية دولية، لكن أنت الذي عرفت الجزيرة من الداخل، كيف هي من الداخل؟
ما عرفته في السنوات الخمسة الأولى، أنها قناة خاصة يملكها ثلاثة رجال أعمال، لكن عندما اطلعنا على النظام الداخلي عرفنا أن الحكومة القطرية هي التي تمول “الجزيرة" وهي التي أسستها، وبالتالي بدأنا نعرف حقيقة مهمة، ومنذ تلك الفترة بدأ التضييق على الشعار الرئيسي “الرأي والرأي الآخر"، وأصبحت تمارس هذا المبدأ بمنح طرف نسبة أكبر للحديث على حساب الطرف الآخر صاحب النسبة الأقل، فقد أصبحت تمنح للقرضاوي مثلا نسبة تعادل 80 بالمائة وتمنح لشخص مناهض له 20 بالمائة، وبالتالي هنا تحوّل الشعار من “الرأي والرأي الآخر" إلى “الرأي والرأي الأوحد". بشار الأسد كان زعيما مقاوما وفجأة تحوّل حسب الجزيرة إلى شخص غير مرغوب فيه، فهي تسير حسب سياسات ديوان الأميري القطري، وصارت أسوأ من التلفزيونات العربية الحكومية، وخذ لك مثالا عن العناوين المستعملة، ك “حديث الثورة" و«مسار الثورة" كلها تسميات كانت تستخدم في السبعينيات أيام الثورة الفلسطينية وعفا الله عنها منذ زمان، وبالتالي هذه محاولات لاستعادة هذا الإعلام الفج. دعنا نتفق أولا.. هل يحق للإعلام أن يمنح صفة الثائر لشخص ما إيجابا؟؟ في المواثيق الإعلامية العالمية من المستحيل أن يتم تمرير هكذا قصص.. ممكن أن نقول متمرد أم مناهض أما أن تعطيه الصفة الإيجابية فقد أصبحت طرفا تؤيد مصالح سياسية ضيقة.
بعض الروايات تقول إن خروجك من الجزيرة كان بسبب معتقدك الديني وأنك ملحد؟
هذه كانت لعبة استخباراتية روسية كتبها شخص يقال إنه مفتي، بالأصل هو يهودي ويعمل لصالح الاستخبارات الروسية وكتب مغامرات الملحد أكرم خزام في روسيا، وأنا سبق وقلت في ندوة أنني علماني ولازلت متمسكا بعلمانيتي وسأظل بهذا التوجه. فكلمة علماني حُرّفت وأصبحت ملحدا.
وهذا ما فاجأني في الحقيقة، فقد لاحظت من خلال حديثك العفوي مع الناس أنك في كل مرة تذكر الله بالحلف وبغير حلف؟
أنا شخص مؤمن في الحياة ولكن متمسك بعلمانيتي ولا أريد الدخول في نقاش على الإطلاق حول إيماني بالله، فهذه قضية خاصة، وبالمناسبة كان هناك وزير سوري في الخمسينيات شعاره الدين لله والوطن للجميع، وهذا شكل من أشكال فصل الدين عن الدولة. وبمراجعة ما حدث في أوربا نجد أنه قيل لبابا الفاتيكان إجلس في كنيستك ولا تتدخل في شؤون الدولة، في رأيي هذا ما أدى بأوربا إلى النجاح، وبالتالي إحدى المشاكل الرئيسية في عالمنا العربي هو تدخل المؤسسة الدينية في شؤون الدولة. فالدين دين وليس حزبا سياسيا أو مؤسسة إدارية تتدخل بالشارد والوارد، أي عالمين مختلفين تماما.
إذن، المخابرات الروسية لها جزء من المسؤولية في إقالتك من الجزيرة؟
إنها معلومات مؤكدة استقيتها من مسؤول في الكريملن (البرلمان الروسي) قال لي إن اتفاقا روسيا قطريا قرر إزاحتك، وأنني أصبحت شاذا على المنظومة التي كان الطرفان يسطران لها.
قيل في ذلك الوقت أيضا أنك تمسكت بضرورة إدارتك لمكتب الجزيرة عندما جرت أولى محاولات إبعادك من مكتبها في موسكو إلى قسم البرامج الوثائقية، هل هذا صحيح؟
نعم لقد كانت هناك إرادة لتحويلي على طريقة “بلا سبب ولا داعي أن تعرف لا كيف ولا لماذا"، وكانت عملية شكلية لتحايل أعقبه قرار رسمي عنوانه “إنهاء خدمة"، وقلت لهم “ما كنتو ملبداية تعملوا هيك ما كان فيه ضرورة تتحايلوا".
أكرم أنت اكتشفت الجزيرة أكثر عندما كنت فيها، أم لما خرجت منها وبدأت تحلل البرامج والأخبار التي تذيعها؟
أنا اكتشفتها عندما كنت فيها، منذ حرب أفغانستان، عندما لم تبق لحية واحدة في العالم إلا وظهرت على قناة الجزيرة.. كان واضحا قضية تعويم طالبان، أي إعطائهم صفة إيجابية ونشر معتقداتهم تحت حجة أنه لم يسبق لأحد وأن ألقى الضوء عليهم، ومن الضروري عدم حجب أي جهة ما على الإعلام المرئي ولكن عندما تصبح أية قضية هي الأساس فهذا إعلام حكومي فج من نوع آخر يقول علنا الرأي والرأي الآخر ويمارس الإعلام الحكومي بشكل أسوأ بكثير، وهذه ممارسة لنوع من الديماغوجية.
بانطباعاتك السلبية عن الأداء الإعلامي لقناة الجزيرة، هل يمكن أن يكون تواجد الجزيرة بأي بلد هو خطر محدق وله أهداف مبطنة، والجزائر من الدول التي لا تملك فيها القناة القطرية مكتبا؟
أنا لست مع سياسة الإقصاء، وأعتقد أن دولة بحجم الجزائر إذا كانت تخاف من وجود مكتب للجزيرة بها، فأشك إن كانت هناك دولة. بالعكس المكتب يمارس مهامه الإعلامية حسب قانون الدولة، وإذا كان هناك حجج ووقائع عليها أن تبرزها لإغلاق المكتب بشكل قانوني، وعندما تصبح الجزيرة منبرا سياسيا وليس إعلاميا يحق للدولة إيقافها، فالمرجعية هي القانون وليس الرأي كأن يقال إن الجزيرة تقوم بدور تخريبي، إذ كان هناك دليل على هذا التوجه في البلد ذاته يمكن إنهاؤه قانونيا والله “ما بتستاهل" في الحقيقة كل هذا التركيز.. الجسم الذي لا يتعرض للتهوية يشيخ.. والجزيرة في اعتقادي دخلت منذ فترة مرحلة الشيخوخة، بدليل عدم تطوير البرامج والغرافيكس في شكله العام، وهذه في الحقيقة عادة عربية بحجة الحفاظ على التقاليد.. فهذه الريح التي تجدد الجسم غير موجودة.. ففي مصر تلعب دورا سياسيا لصالح الإخوان واليوم نرى فيه عزوف عن القناة.. في تونس مثلا دورها إلى جانب النهضة، وبالتالي عزف عنها العلمانيون التونسيون.
لنغلق ملف الجزيرة الآن ونتحدث عن موهبتك المسرحية، هل حافظ أكرم خزام على موهبته هذه بالانتقال من “الجزيرة" إلى “الحرة"؟
بكل أسف، لم أستطع الاستمرار في المسرح، فهو عالم حقيقي لا يحتاج مونتاج. نزلة الحياة دفعتني للبحث عن وسائل تمشيك. صار اهتمام الدولة بالمسرح ضعيفا وبالتالي مردوديته كذلك، والإنسان له أهل في حاجة إلى “أنو يمشي حالو"، وأقولها بمرارة إن الشخص يضطر إلى ترك المسرح لصالح الإعلام، لأن حوله إشكالية كبيرة في المدة الأخيرة. وأصبح يؤدي أدوار أكثر من آلة الحرب، أكثر مما تفعله الطائرة والمدفعية. الإعلام اليوم أصبح إما أن تكون مع أو ضد، والحياة ليست هكذا بل مجموعة ألوان والوسيلة الإعلامية تحصرك اليوم.. إما أبيضا أو أسودا.
صعب الحفاظ على الموضوعية في الإعلام اليوم، إلى هذه الدرجة باعتقادك؟
هذه من الأشياء التي يستحيل أن أتهاون فيها بالضرورة وبالتساوي عندما تكون أمام طرفين متناقضين ومختلفين، عليك إعطاءهما الحق في التعبير عن آرائهما، وهناك نغمة في العالم العربي اليوم تقول لا يوجد موضوعية.. الموضوعية موجودة وترتبط فقط بطريقة ممارستك لها، يجب أن يبقى الجميع على مسافة واحدة من الخبر.
أكرم، تجربتك المهنية في المسرح ربما أطول منها في الإعلام، ألا يشدك الحنين إليه عندما تسأم من الإعلام؟
أول ما بدأت المسرح كان ضمن فرقة مسرحية محلية تسمى المسرح العمالي في حمص، وهي فرقة أخذت شهرة كبيرة في بعض الأقطار العربية، إذ كنا نزور العراق ولبنان والأردن إلى أن رأيت أنه يجب أن أصير مخرجا، فأتيحت لي الفرصة للدراسة في روسيا التي لها إرث كبير في هذا المجال ومارست تقريبا مدة 5 سنوات المسرح بعد الفراغ من دراستي وأتمنى يوما ما أن تحدث هذه العودة للابن الضال.
هل أنت مرتاح مهنيا في قناة “الحرة" الآن؟
“الحرة" فيها نظام واضح، عندما أرسل مادة فيها خلل ما لا تُعرض ببساطة.
تقصد بالخلل أن المادة تتعارض مع الخط الافتتاحي؟
لا، الخلل يتعلق بتركيبة الموضوع كأن يظهر فيه ترجيح لجهة على حساب جهة أخرى. الممنوعات في “الحرة" معروفة.. عدم الإساءة للحريات على اختلاف أنواعها قومية أو دينية أو شخصية أو الأقليات، وبعد ذلك أن تبحث في كل شيء شريطة أن تكون موضوعيا، وبدأت برنامجي منذ أربع سنوات “حكايات مع أكرم خزام" يستعينون به في الأخبار أحيانا كأحداث مصر وتونس وليبيا، ولكن بشكل أساسي يبحث البرنامج في بعض الإشكاليات القائمة في البلدان العربية التي أستطيع الدخول إليها، وظاهريا البرنامج اجتماعي ثقافي لكن خلفيته سياسية، ويتم التركيز على قضايا البطالة والصحة والتعليم وهي وضعية ملحة يوميا وكيف ينظر إليها الناس البسطاء وكيف يتنفسون من خلالها وماذا يريدون، والبرنامج يشكل أيضا نوعا من جرس الإنذار للسلطات التنفيذية للبلدان العربية، مثلا قضية ختان الإناث في السودان فهذا ضرر على الصحة، وهنا أنا لست داعية ولا خطيبا سياسيا، ولست أدري كيف ستتصرف السلطات السودانية تجاه هذا ولكن إعلاميا أدق الجرس.. العبودية المطلقة مثلا في موريتانيا هذا من الضروري إبرازه لأننا في 2012 والمفترض أن تكون الظاهرة زالت... إلخ. البرنامج يتناول مثل هذه الإشكاليات.
ألاحظ أنك ابتعدت عن السياسة والخبر السياسي بتعلقك بالظواهر الاجتماعية واهتمامك بها، هل هذا ملاذ اضطراري بعد تجربتك في الجزيرة أم أن الموهبة على أشكالها عندك تتفتق؟
عندما كنت في موسكو حقيقة كان العمل الأساسي هو الخبر السياسي لكنني كثيرا ما أنجزت أعمالا ذات طابع اجتماعي ثقافي وفيلم وثائقي بسان بيتارسبورغ، وأنا ميّال للعمل الإعلامي الدرامي وأحاول تركه يتشعب من خلال شخوص حيّة، يعجز أنطوني كوين تمثيلها، أما أصحابها الأصليين فيجسدونها بعفوية كبيرة.
ألم تشعر في فترة من الفترات وأنت في موسكو بأن حياتك أصبحت مهددة بسبب ما أحدثته من إزعاج للحكومة الروسية بتغطياتك؟
لم يصل الأمر معي إلى هذه الدرجة، أظن أن هذا الموضوع انتهى ومنعت من دخول روسيا لخمس سنوات بعد حادثة الجزيرة، ولكن منذ ستة أشهر سمحوا لي بالدخول وأبلغوني أن عملية المنع كانت خطأ.
ما الذي يربطك اليوم بروسيا بعد أن غادرتها واستقريت بلبنان؟
لا أملك في روسيا اليوم سوى بنتي.. هذه الفتاة الجميلة التي هي صديقتي أيضا، وعندي مجموعة كبيرة من الأصدقاء الروس والعرب ومن جنسيات أخرى، وموسكو أعطتني الكثير وأعطيتها الكثير.. مكثت بموسكو منذ 1985 تحصلت فيها على الماجستير ثم الدكتوراه في المسرح.
أنت بالجزائر منذ نصف شهر، في إطار مهمة عمل لفائدة قناة “الحرة"، ما الذي شدك نحو الجزائر؟
منذ مدة طويلة كنت أرغب في زيارة الجزائر، وكنت أسمع أن بها صعوبات كبيرة وممنوعات كثيرة، وبالصدفة تعرفت على شخص اسمه بوعلام زياني، فزادت رغبتي بزيارة الجزائر، وتعرّفت عن قرب على ظاهرة “الهيب هوب" الجزائري والهدف ليس فقط تسليط الضوء على اهتمام الشباب بهذا النوع من الغناء، بل السؤال الرئيسي هل جاءت نتيجة تمرد على العدالة الاجتماعية أو الواقع المعيش، وحاولت في هذه الحلقة الإجابة عن هذا السؤال الذي راودني، ومثلا مصير الحرف التقليدية في الجزائر التي قرأت عنها، وعن التقصير في حماية هذه الحرف التي تعكس تاريخ وفولكلور وتقاليد من خلال أشخاص حرفيين يتباكون على هذه الحرف، وتناولت موضوع بعض الفنون الجزائرية، كوضع السينما والمسرح والفرق الغنائية في الجزائر، وما إلى ذلك من الموضوعات التي تعطي لك بانوراما عن الوضع الاجتماعي والفني للبلد، وأتمنى عندما تُعرض أن تنال إعجاب المشاهدين.
هل تغير انطباعك الأولي عن الجزائر لما بدأت تخالط مكوناتها الاجتماعية؟
الجزائر مظلومة لسببين، عندكم إعلام حكومي يمتلك سياسة دعائية، أتمنى ألا تخفي الظواهر السلبية بالدرجة الأولى، وهناك إعلام مضاد يمسك بعض الظواهر ويضخم فيها، وأنا توقعت عندما أهبط بالمطار أن أرى الشوارع مملوءة بالملايات السوداء، ولكني رأيت حياة أخرى تماما، وهناك تقصير واضح للدولة إزاء السياحة، ويبدو أنه ليس هناك صناعة سياحية رغم الإمكانيات الكبيرة وهذا خلل قائم، وعموما هناك بنى تحتية متطورة جدا، كالطرقات، وكمّ هائل من السيارات، وهذا سلاح ذو حدين كونه يجعلك تعتقد أن هناك وفرة عند الناس، لكن أخشى ما أخشى أن سياسات التقسيط الموجودة في البلدان العربية قد تؤثر. ثم أنه من غير المعقول أن لا تملك الجزائر، وهي بلد قارة، الجيل الثالث من الهاتف النقال، وهذا لا أفهمه فهذه قضية سلبية كبيرة، أما المشهد العام فإيجابي في انتظار التطور.
هل هناك في مشوارك المهني ما تندم عليه؟
إطلاقا، لم تحدث معي حالة الندم، ممكن أن أسميها سنوات أسى راحت هباءً منثورا ببعض المحطات الحياتية، عندما تشعر أن هذا الجسم لم يعد يتلاءم مع شيء ما، كان يفترض أن تبادر بتركه، لكن نحن مجموعة من الأشخاص قررنا البقاء ب “الجزيرة" للتغيير، ولكننا لم نكن نعلم أن صاحب القرار كان مستوعبا للقصة أكثر منا، وأشعر بالأسى على ضياع هذه الفترة، ولكن لا أشعر بالندم.
وماذا عن الذكريات الراسخة؟
الجزائر.. بلد مريح أريد العودة إليه.
لو نختم بسوريا أكرم، أولا لأنك سوري وثانيا لأنها حدث الساعة، ما هي قراءتك لما يحدث في هذا البلد، هل هي صورة حقيقية أم مصنوعة؟
هناك مثل في حمص التي أنحدر منها، يقولون “دود الخل منو فيه" أنا لست مع نظرية المؤامرة.. المشاكل تفاقمت خلال 50 عاما، وتفاقمت الأمور ولم يعد من الممكن أن يستمر الوضع، وبلا شك مازلت متحفظا على مصطلح الثورات وأنا أسميه الحراك.. نشأ في تونس ومر على مصر وليبيا واليمن وحقيقة كل البلدان العربية. والمهم هو في كيفية تعامل النظام مع هذا الحراك، فهو لا يمكن أن أعتبره مؤامرة خارجية ويجب القضاء عليه بالقوة، وهنا أخطئ خطأين، الأول في التقدير والثاني في الأسلوب المستعمل لحلحلة الوضع.. أنت تقتل شعبك قتلا مريعا غير الأزمة المتجذرة، فمن غير المعقول أن تعرف سوريا خلال 50 عاما شخصين، الأب وإبنه، وموضوع توارث السلطة من أهم المشاكل الأساسية، وخلال ربع ساعة تعدل الدستور كي تورث ابنك، هذه كارثة كبرى.. والكارثة الأخرى هي استعمال آلة البطش لإنهاء حالة الحراك.. وفي تقديري النظام سقط في 15 مارس 2012 لأنه لا أحد توقع أن السوري يتجرأ على الخروج إلى الشارع لمواجهة آلة القتل وأعتبر أن النظام سقط.
تعتقد أن السقوط الكلي للأسد مسألة وقت فقط؟
ما سيحدث في سوريا قد يكون أرعب بكثير مما حدث.
هل سيسقط الأسد على طريقة بن علي أو مبارك أو صالح أو القذافي في اعتقادك؟
المشهد سريالي.. جرى الاستفادة من هذا الوضع، فقد أعلنت جهات جهادية بحمص إمارة إسلامية، وهذا مشهد سريالي رغم تنوع تركيبتها الاجتماعية والدينية والثقافية.. أسود الله والرسول والفاروق.. إنهم يعودون بنا إلى عهد الخلافة وهذا مشهد سريالي آخر.. نهاية الأسد ستكون أسوأ من نهاية بن علي ومبارك وصالح.. لقد فاته القطار، كان بإمكانه أن يعتذر عن الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب السوري في أول مواجهة، والحقيقة كل الأنظمة تتشابه ومن سقطوا من الحكام كلهم اعتقدوا في فترة من الفترات أنهم سينجحون في جعل المسألة لا تحدث عنده بالشكل الذي حدثت به عند نظيره في هذا البلد أو ذاك، إنهم متشابهون في هذه الحقيقة. الأسد يعتقد الآن أن 23 مليون سيركعون أمامه ويعتذرون لما حدث في سوريا من هذا الاحتجاج، وإلا كيف تفسر هذا الاستمرار في الحكم والتقتيل.. إنه جنون العظمة.. القصة ليست في أنه مستمر لأنه انتهى.. سوريا كان من المستحيل أن يفكر فيها شخص بالخروج للشارع.. مثلا ما قرأته في الصحافة الجزائرية من انتقاد للحكومة والوزراء غير مسموح تماما به في سوريا أن يُكتب.. النظام أغلق الحياة عندهم والتاريخ يبدأ منذ مجيء الأسد في السبعين وابن السبعين في سوريا لا يعرف ماذا كانت سوريا قبل ميلاده، فقد اختزلوا التاريخ.
وكيف تقيّم التغطية الإعلامية الدولية عموما للأزمة السورية؟
مخجلة جدا، سواء الإعلام الرسمي أو الإعلام المقابل.. إنها تغطية تفتقد لأبسط القواعد المهنية.. التغطية ينعدم فيها الخبر وينعدم فيها إعطاء الصورة الحقيقية لما يجري. فمثلا كنت أسمع في تغطيات تقول إنه تحررت كثيرا من المطارات فتعجبت.. عن أية مطارات يتحدثون في سوريا، ثم إن هذه التصريحات لا ترافقها صور. لا النظام يسمح بالتصوير ولا الجهات المقابلة استطاعات توفير الصور.
لكن أليس الوضع السيء هناك هو السبب الرئيسي في رداءة التغطية الإعلامية؟
أكيد، ولكن الأمر خطير عندما يصبح وضع بلد مختصر في موت شخص يقال لابنه أبوك مات تعالى لتصبح مكانه، إذ لم تجر عملية انتخاب بل لا يسمح بذلك تماما.
ماذا ينبغي لتغطية إعلامية موضوعية لما يجري في سوريا؟
النظام مانع الدخول، والجهات الأخرى كالجهات الجهادية تهدد حياتك، لكن من الخارج تستطيع، علينا أن نحترم المواثيق الدولية الإعلامية التي تمنع نشر الصور البشعة لأنها تولد مستقبلا الانتقام خصوصا في ظل الترويج للهمجية الدينية. هناك فقدان للخبر الحقيقي، الذي يعود مع أخذ الخبر من مسؤول والبسطاء من الناس وبقدرتك على التحليل تستطيع صياغة خبر موضوعي ولا تركن لما يقوله “الثوار" والنظام.. المسألة صعبة لكن ليس هناك حلا آخر.
هل فكرت في دخول سوريا خلال الأزمة التي تمر بها؟
لم أفكر في ذلك لأن المسألة لا تتعلق بي فقط، بل أيضا بقرار قناة “الحرة"، للأسف دخل لحد الآن مراسل اسمه بشار فهمي، وهو مفقود ولم يرد النظام السوري الاعتراف بدخوله حتى ونحن نعرف أنه حي، وهو بحوزة النظام، لكنهم لا يريدون الاعتراف، حتى وسائل الاعلام الدولية لم تعد ترسل صحافيين إلى هناك، لأن الخطر قائم من كل الجهات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.