سونلغاز تعلن عن فتح 587 منصب شغل بالجنوب    كأس الجزائر لكرة القدم داخل القاعة: ناديا القصر وأتلتيك أقبو أوزيوم ينشطان النهائي في 2 مايو بالقاعة البيضوية    وزارة المجاهدين : الوزارة في مواجهة كل من يسيء للمرجعية ولمبادئ الثورة    مؤتمر رابطة "برلمانيون من أجل القدس": أعضاء الوفد البرلماني يلتقون بإسماعيل هنية    الحراك الطلابي العالمي الدّاعم للفلسطينيّين يصل إلى كندا وأوروبا    كتابة الدّولة الأمريكة تُوجّه انتقادا حادّا للمخزن    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على افتتاح أشغال الاجتماع السنوي لإطارات العتاد    مولودية الجزائر.. خطوة عملاقة نحو التتويج باللقب    النخبة الوطنية تتألق في موعد القاهرة    الترجي التونسي لدى الرجال يتوّج باللقب    وزير الموارد المائية والأمن المائي من سكيكدة: منح الضوء الأخضر لتدعيم وحدة الجزائرية للمياه بالموظفين    برج بوعريريج.. 7 مخازن عملاقة لإنجاح موسم الحصاد    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: انطلاق ورشات تكوينية في مهن السينما لفائدة 70 شابا    "حكاية أثر" مفتوحة للسينمائيين الشباب    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا    تربية: التسجيلات في السنة الأولى ابتدائي بداية من هذه السنة عبر النظام المعلوماتي    الرئيس يكرّم قضاة متقاعدين    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يثمن قرار خفض نسب الفائدة على القروض الاستثمارية    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    الكرة الطائرة/ بطولة إفريقيا للأندية/سيدات: جمعية بجاية تتغلب على ليتو تايم الكاميروني (3-2)    1000 مليار لتعزيز الأمن في المطارات    انطلاق أشغال منتدى دافوس في الرياض بمشاركة عطاف    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية فئة المسنين وتعزيز مكانتها الاجتماعية    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    خنشلة: التوقيع على اتفاقيتي تعاون مع مديريتي الشؤون الدينية والتكوين المهني    ممثلا لرئيس الجمهورية, العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    بوغالي يؤكد أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    انعقاد الدورة الأولى للمشاورات الجزائرية-القطرية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: طرح الصعوبات التي يواجهها المخرجون الفلسطينيون بسبب الاحتلال الصهيوني    بغالي: الإذاعة الجزائرية ترافق الشباب حاملي المشاريع والمؤسسات الناشئة من خلال ندواتها    البليدة: إطلاق أول عملية تصدير لأقلام الأنسولين نحو السعودية من مصنع نوفو نورديسك ببوفاريك    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    مؤسسات ناشئة: إطلاق مسابقة جوائز الجزائر للتميز    حج 2024: دورة تدريبية خاصة بإطارات مكتب شؤون حجاج الجزائر    فلسطين : العدوان الإرهابي على قطاع غزة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    تفكيك مجوعة إجرامية مختصة في السرقة    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحداثة والزمن
نشر في الجزائر نيوز يوم 26 - 08 - 2013

ليست كل بنية زمنية مركبة تحديثا للمنظور القديم، خاصة إن كانت تفتقر إلى الثقافة السردية، وإلى ثقافة البناء..
يرى النقد الغربي، الذي لم يتأسس على العرض، أن البنية المتشظية، ومنها كسر الخطية، تدخل في فلسفة الكتابة، أي في الوعي بالشكل وطبيعته ووظيفته، وهي مسألة تحتاج إلى إيضاحات كثيرة لتبيان أهميتها كنمط من أنماط التفكير المرتبطة بعدة عناصر، يمكن الإشارة إلى جزء منها، ولو باقتضاب شديد.
هناك ثلاثة عناصر قاعدية لتحقيق هذا البناء، وقد غدت بديهية من شدة التواتر: السوابق واللواحق والإضمارات، إضافة إلى عناصر تحتية أخرى لا يسعنا المجال لذكرها. وقد عرفت في النقد التقليدي بمصطلحات أخرى، لكنها متكافئة دلاليا، مع فارق في الاشتقاق والنحت والإثراء والتقنين.
نشير إلى أن الدراسات العربية لم تخلُ من هذه الإشارات على تباينها من ناحية التحليل، وهناك دراسات ذات قيمة كبيرة، مع أننا لسنا في مقام تقييم جهود الباحثين واجتهاداتهم، لذلك يمكن القول، بصيغة أخرى، هناك منظورات أفادتنا في هذه المقاربة، أو في إعادة النظر في منظورنا البنائي.
عادة ما برَرت بعض الدراسات والمقاربات هذه البنية المضطربة بعلاقتها بالكاتب والسارد والشخصية والمحيط، ما يعني أن البنية الزمنية، في نهاية المطاف، هي بطاقات دلالية، وجزء من المعنى المضمر الذي يمرره الكاتب، دون ذكره، وهي، إضافة إلى ذلك، معرفة تدخل في وعي الكاتب بمختلف البنى وأهميتها في التدليل على الأحداث ومشاعر الشخصيات المهزومة، أو القلقة والمنهارة والمتأزمة، إلى غير ذلك من النعوت.
وتكمن حداثة هذه البنية في القدرة على امتصاص حالة الشخصية ونقلها إلى بنية مساوية لها، أو مجاورة إلى حد ما. ما يعني أن هذا الخيار لا يدخل في باب الترف أو التجريب العابث، لأنه جزء مهم من الوعي السردي وكيانه، وجزء كبير من الدلالة، إن تمَ التعامل معه بمعرفة قبلية، كتقنية ذات هوية ووظيفة لا يمكنها أن تنفصل عن التناسق العام للعملية السردية.
هناك في هذا الفهم شيء من الطرح العربي القديم الذي عنى بالانعكاس، أو بما ذهبت إليه بعض القراءات الماركسية، أو التحليل الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، مع فارق في عدم المغالاة في الأدلجة والإسقاط، أو في النفسنة والجمعنة، إذا استعرنا مصطلحي تزفيتان تودوروف.
والواقع أنَ هذه البنية لم تكن غائبة في الكتابات القديمة (لا نقصد بالبنية الغائبة ما قصده أمبيرتو إيكو)، لأنها قائمة منذ قرون، منذ الحضارة الحثية على وادي الرافدين، مع ملحمة جلجامش، أي منذ سنة 365 قبل الميلاد، وهي قائمة في القرآن الكريم وفي السيرة، وفي القصيدة كذلك. مع أنَ نقاد الشعر كانوا، في مرحلة تاريخية، يعيبون على القصيدة هذا التنافر الذي يلحق، من منظورهم، ضررا بالوحدة العضوية.
كما أن التنافر وُجد، ولو بشكل عفوي، في أقدم الكتابات والخطابات الشفهية، وهو متواتر بحدة في الحديث اليومي، ولهذه العلامة عدَة مبررات، ومنها ضغط المكان والمحيط واضطراب السارد، إضافة إلى غياب التتابع الناتج عن سرد عدة موضوعات في وقت وجيز، ما ينتج استطرادات وانكسارات في البنية الزمنية. لكنَ هذه الظاهرة لا يمكن أن تدخل في باب الحداثة، بقدر ما تعبر عن عجز في التركيز على المادة السردية، أو في قلة المعلومات التي تتعلق بالموضوع الواحد، ومن ثم هذه الأحاديث الممزقة التي تميز حديثنا.
الأمر نفسه ينسحب على بعض السرد. هناك أمران اثنان وجب أخذهما بعين الاعتبار: البنية الواعية في تفككها، والبنية المفككة التي لا وعي لها. ولا يمكن أن يكون التفكك مجانيا، أي غاية من غايات الكاتب التي لا وظيفة لها.
فإذا كانت بنية المسجد تحيل على دلالة ما، كما بنية الخيمة والكنيسة والعمارة (العمارة التي تخضع لمقاييس حضارية وثقافية وهندسة واعية)، فإن البنية الزمنية لا تختلف عن هذا التصور البنائي في علاقته بالمتون والموضوعات والتفاصيل المتعلقة بطبيعة الشخصيات والسرد والساردين. أما إن تنافرت، دون خلفية فنية لها مقاصدها الدقيقة، فلا يمكن أن تكون أكثر من فجوة بنائية تستوجب الترميم وإعادة البناء.
لا يمكن إذن، من هذا المنطلق، أن نعتبر كل بلبلة في الترتيب بمثابة رؤية حداثية لطريقة تنظيم الأحداث. قبل سنين طرح هذا السؤال على روائي وناقد أوروبي: لماذا تكتب بهذه الطريقة المضطربة؟ فأجاب: اضمنوا لي واقعا هادئا أضمن لكم بنية هادئة ومتسقة.
إذا جاز لنا اعتبار البلبلة نوعا من الفوضى، فإنها لدى بعض الواعين فوضى منظمة وضرورية، وقد يكون الانسجام، في حالات، فوضى غير مبررة تحتاج إلى مراجعة، أي إلى فوضى بناءة تمنح هذا الانسجام الشاذ بعض المعنى. ما يعني أن المفارقات الزمنية، إن وجدت في خطاب ما، فإنها تأتي لغرض قد يدركه المتلقي في حينه ويفهم دلالته. أما التشتت الناتج عن قلة التجربة، أو عن ضعف في البناء السردي، وفي تصور الفعل الإبداعي، فلا يمكن أن يحسب على الحداثة كوعي بمكونات الحكاية، وبطبيعة الأحداث.
هناك في علم السرد مصطلحان آخران سنستعين بهما للتدليل على الفكرة: السرعة السردية والتراخي السردي. وهما تقنيتان، أو نوعان من الأنواع السردية، وهما يرتبطان أساسا بطبيعة الأحداث، بالكثافة والقلة. فإذا حدث عن كانت الأحداث متسارعة، أو مكدسة، واستعان الكاتب بالسرد البطيء لنقلها، أو مال في المقاطع السردية إلى المشاهد والتوقفات، فإن ذلك سيحدث بالضرورة تعارضا بين سرعة الأحداث والشكل الناقل لها، والعكس صحيح. لا يمكن التأسيس على سرد سريع عندما تكون الأحداث خافتة، أو في الدرجة الصفر.
ثمة إذن علاقة وطيدة بين هذا وذاك، لذا يكون التمييز بين التحديث والخطأ البنائي أمرا ضروريا لتفادي تداخل المفاهيم. ليست كل بنية زمنية مركبة تحديثا للمنظور القديم، خاصة إن كانت تفتقر إلى الثقافة السردية، وإلى ثقافة البناء. إضافة إلى ذلك فإن البنية الأحادية لا تحيل على التقليد، ولا على القديم. هناك دائما في الرواية المتشظية، مهما بلغت درجة فوضاها المقصودة، جانب من البنى الأحادية التي تفرضها الحكاية.
مع أن التحديث لا يتعلق بالضرورة بهذا الجانب البنائي، أي بالمفارقات. هناك سياقات وحكايات تفرض على السارد ترتيب الأحداث ترتيبا منطقيا (مع أن الترتيب المنطقي يبدو مستحيلا من حيث أن الكاتب يعتمد على الحذف والإضافة). لقد ظهرت في السرد العربي الجديد قصص وروايات مثيرة مبنية على الترتيب، على هذه الأحادية، لكنها لا تقل أهمية عن النصوص القائمة على السوابق واللواحق والإضمارات، إن لم تكن أجمل منها، وأكثر وعيا بالزمن والأحداث ونفسية الشخصيات والساردين وطبيعة المحيط الذي تجري فيه الأحداث.
أتصور أنَ لكل نص منطقه الخاص به، كما أنَ لكل شكل مبررات داخلية وخارجية ومقاصد وظيفية. فإذا كان التشظي يسهم في تقوية المعنى والمنظور الفني، كإضافة إلى ما عجزت العلامات على أدائه، فهذا مهم، إن لم يكن حتمية ومنقذا. أما إن كان هدم الخطية مجرد محاكاة للمنوال الغيري، في الخارج وفي الداخل، ثمَ الاعتقاد بأن هذا الخيار يدخل في باب الحداثة، فإن المسألة فيها نظر. الحداثة لا تكمن في تقويض الزمن كغاية لذاتها، بل في إدراك دلالة الزمن وهويته. أما الباقي فسيهتم به الوعي والنسيج. لا أعتقد أن الروائي الأمريكي ويليام فوكنر كان يعبث في رواية الصخب والعنف عندما قام بتخريب البنية الزمنية. كانت التجربة هي التي تكتب، وكان الوعي السردي جزءا من هذه التجربة التي لها حضور وبصيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.