السيد طبي يؤكد على أهمية التحكم في الرقمنة لتحسين خدمات قطاع العدالة    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    فرصة جديدة لحياة صحية    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و183 شهيدا    في اليوم ال200 من العدوان الصهيوني: شهداء وجرحى في قصف على مناطق متفرقة بقطاع غزة    لعقاب: ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات التي تواجهها الجزائر    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    رئيس الجمهورية يعود إلى أرض الوطن بعد مشاركته بتونس في الاجتماع التشاوري    زيارة موجهة لفائدة وسائل الإعلام الوطنية    صعلكة    ارتكب فيها مذابح مروعة : الاحتلال الصهيوني يحوّل مستشفيات غزة إلى مقابر جماعية    الصهاينة يستبيحون الأقصى    "التاس" ملاذ الفاف وسوسطارة: الكاف تدفع لتدويل قضية القمصان رغم وضوح القانون    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    فيما انهزم شباب ميلة أمام الأهلي المصري: أمل سكيكدة يفوز على أولمبي عنابة في البطولة الإفريقية لكرة اليد    دورة اتحاد شمال افريقيا (أقل من 17سنة): المنتخب الجزائري يتعادل أمام تونس (1-1)    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    نحو تعميم الدفع الآني والمؤجّل    سطيف: تحرير شاب عشريني اختطف بعين آزال    مرشح لاحتضان منافسات دولية مستقبلا: تحفّظات حول دراسة لترميم مركب بوثلجة في سكيكدة    للقضاء على النقاط السوداء ومنعرجات الموت: إطلاق أشغال ازدواجية الوطني 45 بالبرج قريبا    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    بسكرة: وضع حجر أساس مشروعي إنجاز محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية ومحول كهربائي ببلدية لغروس    المكتبات الرقمية.. هل أصبحت بديلا للمكتبات التقليدية؟    انطلاق الحفريات بموقعين أثريين في معسكر    تأتي تتمة للبرنامج المجسد من قبل: مشاريع لاستحداث 100 ألف منفذ جديد للألياف البصرية    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    سنقضي على الحملة الشرسة ضد الأنسولين المحلي    بنود جديدة في مشاريع القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    محافظة الغابات تقرر الإغلاق الجزئي لغابة "ساسل"    وفد ألماني يتعهد بالمرافعة عن القضية الصحراوية في المحافل الدولية    سطيف تنهي مخططاتها الوقائية    على راسها رابطة كرة القدم و الأندية الجزائرية: حملة مسعورة وممنهجة .. العائلة الكروية الجزائرية تساند اتحاد الجزائر ضد استفزازات نظام" المخزن "    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصّة    حملة واسعة للقضاء على التجارة الفوضوية ببراقي    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    رئيس بشكتاش يلمح لإمكانية بقاء غزال الموسم المقبل    "طوفان الأقصى" يطيح بقائد الاستخبارات الصهيوني    وفد برلماني في زيارة إلى جمهورية أذربيجان    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    تنظيم الطبعة الرابعة لجائزة إفريقيا "سيبسا اينوف"    تمديد اكتتاب التصريحات لدى الضرائب إلى 2 جوان    بعثة برلمانية استعلامية بولاية النعامة    إقبال كبير على الأيام الإعلامية حول الحرس الجمهوري    248 مشروع تنموي يجري تجسيدها بالعاصمة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحشر : شذرات الحزن الأخير
نشر في الجزائر نيوز يوم 16 - 11 - 2009


1
هناك في قبو الأرض حيث اجتمعت الأرواح الناضجة، حينما تخلصت من كل قشور الحياة المعلقة على أغصان أشجار السهوب و الصحاري، بين خيوط ضوء الشمال و الجنوب، حيث سار الإنسان وحيدا من هناك نحو المنخفضات، حاملا على ظهره أكياس الملح و في قلبه الخوف و في عقله الإيمان،
يستريح فقط تحت أشجار الصبار قليل الظل، بعد كل لحظة و لحظة، ينثر أشواكه، لتنساب على أذنيه و أنفه، فتصيب لسانه، إلى أن يعجز عن الصياح·
فيظهر له كل شيئ أمام عينيه متشابها، حتى غدى العالم له سطح رخو مقبل على فقدان أشيائه التي يتشكل منها، و يعود ظاهر الماضي شبحا يسكن مستقبله، يطارد أحلامه و أماله، فهو يسكن كل فوهة التي يبصر منها نفسه، فيدرك أن طريقه طويلة طول مسفات النجوم التي يهتدي بها ليلا، فيتشبث ببريقها حتى يقفز إلى ما وراء جبن الليل بمخلوقاته الحية·
2
يستيقظ و الليل ينجلي خائفا من سواده، هاربا من النور، نور النهار· النور هو ظلام الليل و ظلام الليل و ظلام النهار، صراع زمني أعلنته الشمش قبل الظهور على أبنائها المشردين من حولها· الكل يتغير مع تغير مواقعه، فيتغير المكان و تتعرج طريقه بين التلال، بين مقابر شعوب الجليد و عظام أقزام أدغال إفريقيا و قبائل غانا، فيضع أكياس ملحه على طين ضفاف النهر، ليحمل صولجان ملك عقيم، ثم ينحني بين قدمين سوداويتين تحملان أثار حضارات الأجداد، و وشم عفريت نازل سليمان تحت ماء مآرب، فينهمر المطر و يبدأ في جمع عظام الغابة، عظام كلها جوفاء سكنتها مخلوقات الموت و أرواح غريزني و شباب قبائل روندا، فيهّم على صدره متدحرجا على جماجم صلبة مليئة بمعادن الرصاص، بعضها عملت في مصانعها قبل أن تفقد بطاقات هويتها، و يستمر النزال بين جيوش الجن و رؤساء عصابات بحر الشمال، و صناع قرار بشر الجنوب·
تتشكل العظام بجماجمها في هياكلها القديمة، في سلاسل الحشر الأبدية و هي تمتص بياض الأرض من أرض الوهم و الخيال، القدم بالقدم و الذراع بالذراع و الرأس خلف الرأس، و جوف العيون يمتد عبرها لهيب النار، حتى يلامس آخر وتد الحياة، يقوم ثم يغمى عليه·
3
فيتضاعف عليه الإغماء، منحدرا في بئر الظلام حتى يلامس صلب السواد، و هو يتخبط وسط حشرات الكهوف، بين جنبات صخور النفس، كل شيء عاد يطارده بلا توقف و لا رحمة هاربا من الموت، فيلاقيه صناع الموت، من الموت إلى أصل الموت، لحظة طرف عين قاصرة، و هو ينصت لحديث حشرات الظلام، و هم يتقاسمون تركة الأرض، يدور بين ديدان القلب و صراصير الأذن، حول تقسيم إرث الأحياء، إرث خراب الحضارات و صناديق رمسيس الشرق، و خواتم قاصرات دلفي·
فتشترط الديدان أخذ علوم أولمب، و الصراصير حروف هجاء الغانج و مستنقعات ظل التبت، ليتركا لصحاري الوسط صقيع الشتاء و عرق الصيف، تنمو على حبيبات رمالها أشجار السلاح، أزهارها تبعث برائحة البارود على ضفاف الأحمر، و بذورها من رصاص، تزرع في سهول النيل و مرتفعات الأطلس إلى نهر السنغال، غابات تمد سكان الأرض الظل و العمر و عادات الإبل·
4
و يستمر متدحرجا على صدره بين شقوق صدر الكهف، إلى أن يطّلع على خفافيش الإنسان البيضاء، و هي تتوجس نبض الحياة، الحياة الراكدة بين طبقات الأرض و الهواء الذي يسري في عروق السماء، فيتدفق وراء الشمس في رداء أسود اللون بدون رائحة، يلمع بدرر النجوم ، فتندثر النجوم في صحن المدينة، و يبقى الظلام وحده ، فوقه ظلام، فوقه جفن الظلام،و فوقه عويل النساء و هن معلقات على يسار التراب، و بعد غروب الشمس و طلوع نور أفق الليل يزداد عويل الأجساد، و هي تشتث منها عروق عضلات الفخذ و اللسان، فتتناثر كماء حبر على قماش تاريخ الأعشاب، و هي تسحب على صخور الجمر، تتهشم كخبز جاف على جدار حضائر الثديات، فيستنطقها كبير الخفافيش عن سر الإنسان، و عن حق الشعب في الحياة، و عن أسماء حراس غابة الأشقياء، و عن قائمة تجار الألم، و عن فلاحي الجهل و نسيان مواقيت الحق، فيزدادون صراخا و صراخا حتى يتبخر الماء من جلودهم المطاطية، يعصرونه من مناخرهم الجافة، و هم يرددون كل ما نعرفه قد نسيناه، أنسانا إياه عبث النساء، و كؤوس المؤتمرات و نبيذ المؤامرات، إغفر لنا و عفو عن ما سلكناه، فهي إلا غفلة من ماضي سحيق، و نحن الآن نرقد تحت رماد حوافر الخيول، و تحت مطر لعاب الكلاب، فلن نقوم مرة أخرى مقام بدء الحياة، العفو فقط يا سيد الضباب·
5
فيزجر زجرة خفيفة تفجر طبول آذانهم الصماء، حتى يسيل منها حمم الشر الدفين منذ عهد ما قبل الميلاد، و هو ينادي جمع جيوش العذاب، على أن يعطوا الكل ذي حق حقه، قبل أن يصيروا حشرات تحوم فوق مستنقعات راكدة، ترعى على حشرات البساتين الخضراء·
إنها ساعة امتلأت بزمن الليل و النهار، فيعود و يمد برأسه مرة أخرى و هو يرتجف كالزلزال، فينهمر تراب الكهف عليهم كالشهاب، فيأمر كبير الخفافيش بإحضار أثره، فيطير الحشد صوب الخوف، ليسلونه من شق الكهف حتى إنقطع رأسه عن جسده، فيعودون و نصفهم يحمل الجسد و النصف الأخر يحمل الرأس، فيأمرون بتثبت رأسه على جسده إلى الخلف، ثم يأمر بفتح عينيه، ليرى طغاة الماضي على جيادهم يشقون غبار المعارك، و هم يصيحون قائلين، يجب أن لا تعيش إلى الغد، يجب أن يبتلعك ماضينا بجميع ألقابك العربية و العبرية و الإغريقية، فالمستقبل ليس لأحد بل للسماء السابعة، و الحاضر لبحور الأرض، فلن ترى مرة أخرى زرقة البحر و السماء بعد رماد أشلاء النيران، فيعلوا صوته فوق صوت الجميع·
6
أوقفوا صور الماضي و قيدوا مجانينه في علب الصخر، و انفضوا براغيث الجلود حتى يعود لاشيء من الأشياء، فأتوب و أطلب الغفران، لن أعود إلى مملكة النساء، و لن أزرع أزهار الخروع ، و لن أحفر أبار الصحراء، و لا أنزع أسنان الفك السفلي من فم كبير شيوخنا، و هو يبكي تحت أسطح المنازل الضيقة، فيوضع على عربة الصلصال و يدخلونه في فرن الفحم ثم يرمى خارج أعماق الزمن، فيجد نفسه مستلقى على عشب الوادي و مطر الغيوم تملأ جفنيه، فيصحوا من إغمائه و يفتح عينيه على غيوم سوداء و هي تسابق الرياح، فيعرف أنه على سطح الأرض مخبئا في أعماق الكون·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.