الكثير من أبناء الجلفة كان لهم دور كبير في حرب التحرير في داخل فرنسا وقد نشرت "الجلفة إنفو" سيرتهم مثل المجاهد "لخضر جرادة" الذي تعرض لمحاولة اغتيال بإغراقه في نهر السين في أكتوبر 1961 مثل باقي إخوانه المتظاهرين الجزائريين. كما نشرت "الجلفة إنفو" أيضا سيرة المجاهد "بوشاقور عطية 1930-2017" عضو إحدى المجموعات السرية "مجموعة الصاعقة – Groupes de Choc" في القطاع رقم 200-21-22، والمجاهد "أبو بكر هتهات 1927-2014" والمجاهد "بن عيسى عطا الله 1925- 1977" الذي ساهم في تأسيس "ودادية العمال الجزائريينبفرنسا" رفقة فيدرالية الأفلان بفرنسا، والمجاهد "لخضر نايل 1914-2016" وغيرهم كثيرون ... جميع أولئك كان لديهم دورهم الثوري بعمليات عسكرية أو بجمع التبرعات للمجاهدين فمنهم من أنصفته الجزائر المستقلة عن طريق وزارة المجاهدين والهيآت الثورية ومنهم من زهد في ذلك رغم دوره الكبير الذي تشهد به محاضر ضبطية العدو الفرنسي ... ومن بين هؤلاء نتطرق اليوم إلى سيرة المجاهد البطل "بوسري مصطفى" إبن مدينة الجلفة الذي تمر اليوم 11 سنة عن وفاته. ولد المجاهد " بوسري مصطفى بن بن عزوز" سنة 1919 بمدينة الجلفة في أسرة علم ودين. فجدّه من أبيه هو الشيخ "بلقاسم بوسري 1850-1939" المفتي والإمام والشاعر وشيخ زاوية "البريجة" الشهيرة. وقد نشأ بمدينة الجلفة التي بدأ فيها الوعي السياسي مبكّرا لعدة أسباب مرتبطة بالحربين العالميتين خارجيا والأحداث الداخلية ضد الواقع المزري الذي تسبب فيه المحتل الفرنسي مما أدى إلى انتشار الفقر ومعه الوباء الذي ضرب المنطقة وأودى بالكثير من أبنائها. عمل الشاب مصطفى في مهن بسيطة مثل أقرانه فاشتغل بتكسير الحجارة وكان يتابع أخبار الحركة الوطنية لا سيما في فترة الأربعينات التي كان لأحداثها الدور الكبير في تعميق وعيه السياسي. فمدينة الجلفة عرفت مرارة التجنيد الإجباري للحرب العالمية الثانية ثم التجنيد لحرب الفيتنام كما عرفت نشاطا إصلاحيا وسياسيا لأبنائها المنخرطين في حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وتلى ذلك أحداث الثامن ماي سنة 1945 التي أرسلت فيها مدينة الجلفة فوجا كشفيا إلى مظاهرات سطيف مثلما عرفت جدرانها كتابات تحريضية ضد الفرنسيين. ثم جاء نداء جمع السلاح تفجير الثورة سنة 1945 قبل تأجيلهها لاحقا. وقد اتصل الشاب مصطفى بوصري بأنصار مختلف التيارات السياسية بالجلفة وعين الإبل ويحضر اجتماعات أتباع ميصالي الحاج وفرحات عباس. وتنقل عنه زوجته أنهم كانوا أحيانا يسمعون تحذيرات ساخرة على غرار "فرحات عباس يخدع الناس ويعمّر لحباس بالوطنية". خلال فترة الأربعينات سافر الشاب مصطفى بوسري إلى مصر وليبيا ثم رجع إلى الجلفة ولم يلبث بعدها أن سافر إلى فرنسا سنة 1950. وهناك أقام بمدينة نيلفونج بأقصى الشمال الشرقي واستطاع أن يربط اتصالات بالجزائريين المقيمين هناك كما ساعد العشرات من أبناء الجلفة على الإلتحاق به للعمل هنا ثم ألحق سنة 1953 أولاده وزوجته "السيدة بلحرش"، وهي شقيقة الشهيد "بلحرش البشير 1934-1958". وحتى لا يثير الشكوك حوله انخرط بوسري مصطفى في العمل الثوري السري بفرنسا كمسبل منذ سنة 1956 حيث كان يلتقي مجاهدي الجلفة في عطلته السنوية ومن بينهم المجاهد المحكوم عليه بالإعدام "دلولة بلعباس 1918- 2014" الذي التقاه في فرنسا سنة 1959 وفي الجلفة شهر ماي 1961 أي 06 أشهر قبل اندلاع مظاهرات الجلفة في نوفمبر 1961 التي سقط فيها الشاب "بوسري الدراجي" شهيدا برصاص المحتل. كما عمل المجاهد مصطفى بوسري بجمع التبرعات بانتظام ويحتضن اجتماعات للمجاهدين ببيته في "نيلفونج" وفي سرية تامة لا تعلمها حتى زوجته. وظل يعمل على هذا المنوال دون أن يلفت الانتباه حوله منذ اندلاع حرب التحرير سنة 1954 إلى غاية إلقاء القبض عليه في جانفي 1962 بسبب حادثة المسدس. وقد كان معه في غربته المجاهد "جرادة لخضر" أطال الله عمره مثلما عرف مجاهدين بفرنسا منهم "شبيرة" و"لخضر السطايفي" حسبما ذكرته زوجته. وحسب تقارير الضبطية ومحكمة ثيونفيل بمقاطعة موزيل وسجل السجن فإنه بتاريخ 10 جانفي 1962 تم إلقاء القبض على السيد مصطفى بوسري وإدخاله السجن دون محاكمة بتهمة "حيازة غير قانونية للسلاح والذخيرة". وأثناء إلقاء القبض عليه تعرض للإعتداء أمام زوجته وأطفاله الأربعة وبقي ليلة تحت التحقيق دون أمر قضائي أو تكييف للتهمة. وبتاريخ 11 جانفي 1962 تم وضع "مصطفى بوسري" بالسجن بإشراف من شرطة مدينة "متز Metz" الفرنسية التي تبعد بمسافة 31 كم عن نيلفونج مقر إقامة المجاهد بوسري. وهو ما يطرح تساؤلات قانونية عن الإعتماد على شرطة متز وليس شرطة مدينة نيلفونج أو شرطة مدينة ثيونفيل التي حوكم فيها المجاهد بوسري مصطفى. وحسب عائلة المجاهد "بوسري مصطفى" فإنهم لم يتمكنوا من الحصول على محاضر ضبطية الشرطة الفرنسية التي لم تُرفع عنها السرية باعتبارها أرشيفا حديثا. وأكدوا لنا أن الشهادات التي وصلتهم من محيط أبيهم بفرنسا تحيل على أن له علاقة بأحداث "ليلة المظليين La Nuit des Paras" التي وقعت بمدينة متز وهي عبارة عن عملية فدائية قام بها جزائريون ضد مخمرة كان يتردد عليها المظليون الفرنسيون في جويلية من سنة 1961. وقد أسفر ذلك عن عدة جرحى وقتلى بالمخمرة لتندلع أحداث انتقامية قادها المظليون ضد كل المغاربة بالمقاطعة لا سيما بحي "بونتيفروا Pontiffroy" ذي الأغلبية المغاربية. وهو ما كان أحد أسباب اندلاع مظاهرات الجزائريين في 17 أكتوبر 1961 التي شارك فيها الحاج لخضر جرادة، الصديق المقرب للمرحوم بوسري مصطفى. وهكذا استمرت التحقيقات إلى أن ألقت شرطة متز القبض على مصطفى بوسري في جانفي 1962 وبحوزته قطعة سلاح (مسدس لوغر Luger عيار 07.65) وذخيرة. وبتاريخ 27 جانفي تم تكييف التهمة للبطل بوسري ثم تمت محاكمته يوم 02 فيفري 1962 وتم تغريمه ب 400 فرنك فرنسي جديد مع مصادرة قطعة السلاح والذخيرة ... وهنا يُطرح السؤال لماذا لم يتم سجنه؟ لتكون الإجابة من خلال الأحداث التي تلت إطلاق سراحه حيث أنه وُضع تحت رقابة لصيقة لمعرفة خلايا الثوار الجزائريين بالتراب الفرنسي. بقي مصطفى بوسري تحت الرقابة من يوم إطلاق سراحه في 02 فيفري 1962 إلى غاية تاريخ 16 فيفري 1962 أين صدر أمر عن المدير العام للأمن بفرنسا يقضي بطرد "بوسري مصطفى" من مقاطعات الشمال الفرنسي نظرا للأمر رقم 58-916 المؤرخ في 07 أكتوبر 1958 والمتعلق بالإجراءات المتخذة ضد الأشخاص الذين يشكلون خطرا على الأمن العام الفرنسي كونهم يقدمون المساعدة للمتمردين في الجزائر". وهكذا بدأ المجاهد مصطفى يعيش فترة حرجة لكونه يعيل زوجة وأربعة أطفال ولأنه قد صدر قرار بطرده من العمل ابتداء من يوم سجنه أي في 10 جانفي 1962 وقد كان برتبة "عامل ثاني على الآلة" ... ثم تم إرجاعه إلى الشركة التي كان يعمل بها في آفريل 1962 ولكن تم إنزاله إلى رتبة "عامل يومي" ... رغم كل الوثائق الفرنسية الصادرة ضده والتي تثبت تعاونه مع الثورة ورغم شهادة المجاهدين الجلفاويين في حقه ممثلين في لجنة الإعتراف بعضوية دلولة بلعباس وبوزكري الدراجي وواضح رابح ودروازي الحاج سنة 1964 ... إلا أن المجاهد بوسري مصطفى كان زاهدا في هذه الألقاب، مثل صديقه "الحاج لخضر جرادة"، وكان يقول أن جهاده وتضحياته هي في سبيل الله ولا يبتغي بها عرضا من الدنيا ... وبقي على هذه السيرة إلى أن توفي بتاريخ 31 جويلية 2009، رحمه الله. صفحتان من سجل الإيداع بالسجن نسخة من الحكم بمحكمة ثيونفيل يوم 02 فيفري 1962 أمر بالطرد من 03 مقاطعات بالشمال الفرنسي الطرد من العمل بعد يوم 09 جانفي 1962 أي بعد اعتقاله تم اعادة ادماجه في عمله بتاريخ 11 آفريل 1962 مع التنزيل في الرتبة شهادات رسمية بعضوية الثورة كمسبل ابتداء من سنة 1956 المجاهد المرحوم بوسري مصطفى مع ابنه المجاهدان المرحومان بوسري مصطفى على اليمين، دلولة بلعباس على اليسار