لخضر جرادة بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لمجازر 17 أكتوبر 1961 التي قامت بها القوات الفرنسية بباريس تحت قيادة السفاح "موريس بابون" في حق المتظاهرين السلميين الجزائريين الذين طالبوا بالاستقلال ومساندة جبهة التحرير الوطني، أين راح ضحيتها العديد من الشهداء الجزائريين، وإيمانا منا بهذه التضحيات الجسام ارتأت "الجلفة انفو" أن تفتح هذا الملف بنشر القصة الكاملة لهذه المجازر من خلال نشر شهادة تاريخية لأحد الناجين وهو المناضل "جرادة لخضر" ... بما أنك احد الذين سافروا إلى فرنسا أثناء الثورة التحريرية، حدثنا عن بداية رحلتك الى فرنسا ومن هم الأشخاص الذين رافقتهم؟ كانت بداية سفري إلى فرنسا في سنة 1957 رفقة شخصين هما "بلعباس دلولة" و"رحمون سعد" حيث أننا حطينا الرحال بمدينة "ليون" الفرنسية لنتجه بعدها الى مدينة "نورد لافرونس" مكثنا فيها 12 يوما لاتوجه بعدها رفقة "بلعباس دلولة" إلى الشرق أي الحدود الفرنسية الألمانية وبالضبط إلى مدينة تسمى "كني تورج" والتي يقطن بها احد الإخوة وهو "البصري مصطفى بن بن عزوز" كان عاملا يوميا في مصنع للحديد، مكثنا عنده عدة أيام ليتم توظيفي بعدها في احد المصانع ككهربائي للعمارات، وللإشارة فالفضل في توظيفي يعود إلى شخص يدعى "شبيرة"...و بعد تعرفي على الجو العام وقعت هناك اتصالات بين المهاجرين آنذاك وفيديرالية جيش التحرير في فرنسا بحيث كنا نكلف بجمع الاشتراكات ... من هم أهم قيادات فيدرالية جيش التحرير بفرنسا في تلك المرحلة؟ أهم القيادات التي كنا نسمع عنها في ذلك الوقت الشهيد "سليمان عميرات" رغم أن العمل كان في غاية السرية، فكان يمنع علينا كمهاجرين التحدث عن القيادات حتى مع المسؤولين المباشرين، والأسباب كانت واضحة لأنه في حالة وقوع أية خيانة فلا يمكن لأي مواطن عادي إفشاء السر وعليه تحمل العواقب ... متى بدأتم العمل الفعلي كمناضلين في فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا؟ البداية الفعلية كانت في سنة 1959 رفقة العديد من المناضلين مثل "بلحرش البشير" والذي مايزال على قيد الحياة والناشط "حران احمد" رحمه الله والمناضل "باديس الدين" كانت مهمتنا الاتصال بمناضلين حيث ننطلق من مدينة تيون إلى المدينة الألمانية " تريا" او" تراد" من اجل تسليم مبالغ مالية بالإضافة إلى تبادل المعلومات بين المناضلين لإيصالها إلى القيادة الموجودة في فرنسا... وهنا اروي حكاية عن المناضل "بلحرش البشير" الذي تم اكتشافه من قبل السلطات الفرنسية، لكن لولا لطف الله لتم إلقاء القبض عليه، فقد قمنا بتهريبه عبر الحدود الألمانية الفرنسية وهذا بعد استغلالنا لرأس السنة الميلادية حيث كانت السلطات آنذاك تحتفل، وقد نجحت العملية فتم الاتصال بالمناضلين المتواجدين في ألمانيا ومن حسن حظ المناضل "البشير بلحرش" فقد تم إرساله إلى المغرب وهذا مخافة كشفه من طرف السلطات الفرنسية ... ماهي الأسباب التي جعلتك تتوجه إلى العاصمة باريس وكيف تم دمجك من جديد في خلية المناضلين؟ في بداية عام 1960 حاولت السلطات الفرنسية اعتقالي بعد وشاية تعرضت لها لتكون سببا مباشرا في هروبي إلى العاصمة باريس أين مكثت بعضا من الوقت عند عمتي التي كانت تقطن في حي "ايفري سوسيان" ...بعدها بدأت التنقل من مكان إلى مكان حيث أنني لم امكث في عمل واحد وذلك لأسباب أمنية إلى أن اتصلت ببعض المناضلين وشرحت لهم الوضعية وقد تم دمجي مع مناضلي باريس، أين التقيت هناك مع مناضل من وهران يدعى "بن عودة الشريف" ومناضل آخر من عزازقة يدعى "عنتر يحي" وقد كانت مهمتي كالعادة جمع الاشتراكات والتي حددت آنذاك بالعشر من المرتب الشهري للمهاجر. حدثنا عن الجو العام قبيل مظاهرات 17 أكتوبر وكيف تمت التحضيرات الأولية في عام 1961 قامت السلطات الفرنسية بالتضييق على المهاجرين حيث أعلنت حضر التجوال في مدينة باريس وهذا من اجل منعهم من الخروج والالتقاء بسبب الحراك النضالي للمهاجرين، وللإشارة أن التوقيت الذي فرضته السلطات يبدأ من الثامنة ليلا إلى السادسة صباحا. في ذلك الوقت نجح الفرنسيون في إحكام السيطرة الكاملة على المدينة بواسطة التشديدات الأمنية بالإضافة إلى إقامة الحواجز... هذا الإجراء التعسفي كان سببا في اتخاذ قرار مصيري من قبل قادة فيدرالية جبهة التحرير، وهي الدعوة إلى خروج جميع المهاجرين الجزائريين في مظاهرات سلمية يوم 17 أكتوبر 1961 لمطالبة فرنسا برفع حضر التجوال عليهم، بالإضافة إلى استقلال الجزائر وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في حادثة الطائرة الذين اعتقلوا عام 1956... أعطيت حينها الأوامر لجميع المهاجرين والمناضلين بان لا يحملوا أي سلاح تعبيرا منهم عن سلمية المظاهرات، بالإضافة إلى أن يتوزعوا جماعات... وللعلم أن هذه المظاهرات لم تقتصر على الرجال فقط، فقد شارك فيها النساء والأطفال وحتى الفرنسيون المتعاطفون مع القضية الجزائرية...وقد وصل حينها عدد المشاركين زهاء ال 30 ألف متظاهر حسب المعلومات المتداولة في ذلك الوقت ... جدير بالذكر أن هذه المظاهرات بدأت مساء يوم 17 أكتوبر واستمرت إلى الليل فقد توزعت على الشوارع الرئيسية في باريس مثل شارع "سان ميشال" وشارع "سان جرمان ديبري"، هذا وقد استغلت قيادة فيدرالية جبهة التحرير الأماكن التي تتواجد بها الصحافة الأجنبية والقنصليات تعبيرا منهم على أحقية المطالب وبان الشعب الجزائري يعبر عن قضاياه بالطرق السلمية... كيف بدأت المواجهات بين السلطات الفرنسية والمتظاهرين وماهي الوسائل المستعملة في فض هذه المظاهرة السلمية ؟ في حدود الساعة الثامنة ليلا وصل المتظاهرون إلى جسر نهر السين وقد كنت بالقرب من سينما "لوراس"، وفي تلك الأثناء قامت السلطات الفرنسية باستعمال القوة ضد المتظاهرين مُسخّرة كل قواتها من عناصر الشرطة والجيش، وأقحمت أيضا "الحركى"، فكانت مهمتهم هي استنطاق المحتجزين مستعملين كل الوسائل المباحة والغير المباحة في عملية الاستنطاق... للإشارة أن الحركى تم جلبهم من الجزائر وتم تدريبهم في معسكرات خاصة تحضيرا لمثل هذه التحقيقات... كان السفاح "موريس بابون" هو الذي يشرف شخصيا على عملية تفريق المتظاهرين باستعمال كل الوسائل بإيعاز من الوزير في حكومة ديغول "روجي فري" حيث قامت القوات برمي المتظاهرين بالرصاص الحي والضرب بالهراوات ورمي العديد منهم في النهر أحياء، وهذا بعد ضرب المتظاهر على مستوى الرأس ليفقد وعيه ليتم بعدها رميه في النهر لتكون نهايته المحتومة هي الموت... كشاهد على تلك الأحداث ..صف لنا طريقة اعتقالك ورميك في نهر السين وماهي ظروف نجاتك من الموت المحتم ؟ خلال تلك المظاهرات قتل من قتل وجرح من جرح وهرب من هرب وقد كنت أنا ممن هرب حيث استقليت "الميترو" الذي كان متوجها إلى منطقة "ايفري" وعندما وصلت إلى المحطة الأولى، فتح الباب و دخلت الشرطة وقامت بمراقبة بطاقات الهوية للمواطنين حتى وصلوا إليّ، فقرأ الشرطي البطاقة وما إن عرف باني جزائري حتى تم اقتيادي إلى شاحنة الشرطة... تحركت الشاحنة ولم أكن اعرف الوجهة، حتى فتح الباب الخلفي للشاحنة حينها عرفت بأنهم أرجعوني إلى نهر السين، قامت الشرطة بانزالي بالقوة ليقوم احدهم بضربي بمؤخرة السلاح على مستوى الكتفين لأسقط على الأرض وقد خارت قِوايا بعض الشيء، أين قام شرطيان برميي من أعلى الجسر إلى قاع النهر، فقدت خلالها توزاني في الماء لبعض الوقت لكن برودته أيقظتني وهناك بدأت أسبح ومما ساعدني هو حركة مياه النهر... دام مكوثي في الماء بعض الوقت حتى وصلت إلى قارب كان يطفو فوق السطح وهناك تشبثت به إلى أن وصلت إلى احد المرافئ التي ترسوا بها القوارب... هل كان لبعض العائلات الفرنسية الناقمة على سياسة الحكومة دور في إنقاذ الجزائريين ...؟ بالفعل...عندما خرجت سالما من نهر السين توجهت إلى احد المساكن القريبة ، فرغم هروبي من الشرطة إلا أنني لم انجوا حتى من كلابهم حيث تعرضت لهجوم آخر، فلولا سماع صاحب المنزل نباح الكلاب لكنت في خبر كان ... صاحب البيت عندما رآني طرح عليّ عديد الأسئلة من بينها من الذي أتى بك؟ فكانت إجابتي مليئة بالخوف فقد قلت له سقطت في نهر السين لكن لم اذكر له السبب الحقيقي... صاحب البيت الذي عرفت بعد ذلك بان اسمه "ميتو" طلب مني الدخول إلى بيته رأفة بحالي، حيث استقبلني أحسن استقبال واكتشفت بان العائلة كانت ضد سياسة فرنسا في الجزائر خاصة فيما يتعلق بتجنيد أبناء الفرنسيين وإرسالهم الى الجزائر رغم أن الحرب ليس حربهم... ومما علمته أيضا منهم بان احد أبنائهم مجند في الجيش الفرنسي.