إطلاق القافلة الوطنية "شاب فكرة" في طبعتها الثالثة    وزارة المالية تطلق قريبا دعوة للترشح لتعيين أعضاء مستقلين في مجالس الإدارة    طاقم طبي مختص تابع لمنظمة أطباء العالم في مهمة تضامنية في مخيمات اللاجئين الصحراويين    التوقيع على ثلاث اتفاقيات وعقود لمشاريع منجمية وتعدينية بين شركات وطنية وشركاء أجانب    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر القيادات النسائية لدعم المرأة والطفل الفلسطيني يوم السبت المقبل بالدوحة    "تيك توك" ستضع علامة على المحتويات المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي    دورات تكوينية لفائدة وسائل الإعلام حول تغطية الانتخابات الرئاسية بالشراكة مع المحكمة الدستورية    الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت اليوم على مشروع قرار يطالب بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية    مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    الديوان الوطني للإحصائيات: فايد يؤكد على ضرورة تحسين جودة البيانات    العاب القوى/ البطولة العربية لأقل من 20 سنة:تسع ميداليات للجزائر، منها ذهبيتان    مشروع جمع البيانات اللغوية لأطلس اللغات لليونسكو في طور الانتهاء    تلمسان … الإطاحة بشبكة منظمة يقودها مغربيان وحجز أزيد من قنطار كيف    الوزير الأول يستقبل السفير الإيطالي بقصر الحكومة    سونلغاز و شركة هيونداي للهندسة يبحثان وضعية تقدم المشاريع المشتركة    الجالية الوطنية بالخارج: الحركة الديناميكية للجزائريين في فرنسا تنوه بالإجراءات التي اقرها رئيس الجمهورية    صورية مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    التزام السلطات العمومية بترقية الخدمات الصحية بالجنوب    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    أولاد جلال: انطلاق الأيام الوطنية الأولى لمسرح الطفل    البطولة المحترفة الأولى "موبيليس": نقل مباراتي إ.الجزائر/م. البيض و ش.بلوزداد/ ن. بن عكنون إلى ملعب 5 جويلية    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    مسيرة حاشدة في ذكرى مجازر 8 ماي    بوغالي: عار المُستدمِر لا يغسله الزمن    توقرت: أبواب مفتوحة حول مدرسة ضباط الصف للإشارة    تقديم أول طاولة افتراضية ابتكارية جزائرية    بن سبعيني على خطى ماجر ومحرز..    توقيف 289 حراقاً من جنسيات مختلفة    انطلاق لقافلة شبّانية من العاصمة..    الحملة الوطنية التحسيسية تتواصل    قالمة.. وفد عن المجلس الشعبي الوطني يزور عددا من الهياكل الثقافية والسياحية والمواقع الأثرية بالولاية    دربال: قطاع الري سطر سلم أولويات لتنفيذ برنامج استعمال المياه المصفاة في الفلاحة والصناعة وسيتم احترامه    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف حول استخدام تقنية ال"فار" في الجزائر    رئيس الجمهورية يستقبل وزير خارجية سلطنة عمان    شبكة الموزعات الآلية لبريد الجزائر ستتدعم ب 1000 جهاز جديد    رئيس الجمهورية: السيادة الوطنية تصان بالارتكاز على جيش قوي واقتصاد متطور    الزيادات التي أقرها رئيس الجمهورية في منح المتقاعدين لم تعرفها منظومة الضمان الاجتماعي منذ تأسيسها    البروفسور بلحاج: القوانين الأساسية ستتكفل بحقوق وواجبات مستخدمي قطاع الصحة    العاب القوى/ البطولة العربية لأقل من 20 سنة: الجزائر تفتك خمس ميداليات، منها ذهبيتان    ساهمت في تقليل نسب ضياع المياه: تجديد شبكات التوزيع بأحياء مدينة البُرج    المسجلين مع الديوان الوطني للحج والعمرة: انطلاق عملية الحجز الإلكتروني للغرف للحجاج    أكاديميون ومهنيون يشرحون واقع الصحافة والرقمنة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    العثور على مقبرة جماعية ثالثة بمجمّع "الشفاء" الطبي    ليفركوزن يبحث عن بطاقة نهائي البطولة الأوروبية    أولمبيك مرسيليا يبدي اهتمامه بضم عمورة    نساء سيرتا يتوشحن "الملايا" و"الحايك"    تراث حي ينتظر الحماية والمشاركة في مسار التنمية    وفد وكالة "ناسا" بجامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين    زحافي يؤكد أن حظوظ التأهل إلى الألعاب قائمة    قافلة شبانية لزيارة المجاهدين عبر 19 ولاية    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجوانبُ "الإيجابيةُ" في صفقةِ القرنِ الأمريكيةِ

ليس أسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية من صفقة القرن سوى احتلال فلسطين وضياعها، والتآمر عليها ونكبتها، وطرد أهلها وتشتيت سكانها، فإن كانت فلسطين الأرض والوطن والتاريخ والمقدسات قد بدأ احتلالها صهيونياً قبل العام 1948، وتواصل بعد ذلك إلى أيامنا هذه، فإن صفقة القرن تشطب القضية الفلسطينية كلياً، وتنهي ملفاتها وتنفي الصفة عن أبنائها، وتشتت أهلها تحت جنسياتٍ عدةٍ وفي كنف بلادٍ عديدةٍ، وتشرع للمستوطنين الغزاة اليهود الذين وفدوا إلى بلادنا الأرض التي اغتصبوها والديار التي سكنوها، وتسوي مشاكلهم مع دول الجوار ليأمنوا الخطر ويعيشوا في سلامٍ، وتنعش اقتصادهم وتنمي أموالهم، وتخلق لهم أسواقاً عربية مكشوفة، تدخل إليها بضائعها علناً وبصورةٍ مباشرة، ولا تضطر إلى التزوير والخداع لتصل إليها، لتخلق مع المواطنين العرب أجواءً طبيعية من السلم والتعايش والقبول والتعاون، فضلاً عن الاعتراف بوجودها ورفع علمها وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها.
إلا أن لهذه الصفقة اللعينة جوانب إيجابية أخرى ساعدت في كشفها، أو عملت على إظهارها وإبرازها بعد أن كاد الزمن يطويها والأحداث تتجاوزها وتنسينا إياها أو تحرمنا وتجردنا منها، خاصةً في ظل الوقائع الجديدة والمستجدات الراهنة، التي خلقتها الإدارة الأمريكية الجديدة، والواقع العربي الرسمي المزري الضعيف المنهار، والمتآمر الشريك، والتابع الخاضع، الذي أورثنا بتخاذله وسقوطه اليأس وسلمنا إلى القنوط، وجعلنا وحدنا في مواجهة دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية، التي تخطط له وتسانده، وتساعده وترفده، وتعززه وتنصره.
صفقة القرن أظهرت وحدة الشعب الفلسطيني واتفاقه، سلطةً ومعارضةً، منظمةً ومقاومة، شعباً وأحزاباً، قوىً وتجمعاتٍ، نقاباتٍ واتحاداتٍ، وطناً وشتاتاً، مدناً ومخيماتٍ، في فلسطين المحتلة وخارجها، فأعلن الفلسطينيون بكل ألوانهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية، برأيٍ واحدٍ وصوتٍ عالٍ وموقفٍ صريحٍ، رفضهم لصفقة القرن وعدم قبولهم أو اعترافهم بها، وأنهم ضد من يقبل بها أو يتجاوب معها، وشكلوا بموقفهم الموحد سابقةً فلسطينيةً عز نظيرها واشتهى الشعب كثيراً مثلها، وتمنى لو أنها كانت قديماً وتكررت في كل المراحل والأزمات، إذ أن الوحدة سبيل النصر وبوابة النجاح، وهي السد المانع لكل المؤامرات والتحدّيات.
وحدت الصفقة المهينة الأرض الفلسطينية كلها وعادت بنا إلى سني الصراع الأولى، صراع الوجود والبقاء أو الضياع والفناء، وهو ما شعر بخطورته الإسرائيليون أنفسهم، إذ قال مفكروهم أن الصفقة أحيت مفاهيم الصراع الأولى، وأعادت الفلسطينيين إلى مفردات المقاومة وأدوات العمل المسلح، فتجريد الفلسطينيين من حقوقهم وحرمانهم من أحلامهم، سيدفعهم بالتأكيد إلى الأصول الأولى لقضيتهم، فهي التي توحدهم وتجمعهم، وفي هذا خطرٌ كبير على مستقبل إسرائيل وأمنها، إذ سيسقط الاعتراف بها وينتهي التعاون معها، وستبدأ مرحلة جديدة قوامها العنف وروادها الراديكاليون الفلسطينيون، الذين يملكون ما يقولون وعندهم ما يقدمون، ومعهم دولٌ قويةٌ تساندهم وتؤيدهم، وتشجعهم وتساعدهم، تشكل خطورةً على مستقبل إسرائيل، وتسعى مع المقاومة الفلسطينية لشطبها وإزالتها من الوجود.
صفقة القرن كشفت عن زيف مساعي السلام وكذب الرغبات الإسرائيلية، وأسقطت اتفاقية أوسلو وتجاوزتها، وتنكرت لها وتخلت عنها، فلم تعد دولة الكيان الصهيوني تعترف بها أو تقبل بوجودها، ولم تعد مجبرةً على الالتزام بمهلها والتقيد بمراحلها، رغم أنها أخلت قديماً ببنودها ولم تلتزم بها، وقد مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة دون أن تحقق للفلسطينيين الموقعين عليها شيئاً مما أملوا فيه أو سعوا إليه، فاستغنى الإسرائيليون عنها وتنكبوا بصفقة القرن لها، فهي بالنسبة إليهم أفضل بكثيرٍ من اتفاقية أوسلو، وتعطيهم أكثر مما كانوا يحلمون، وأفضل مما كانوا يأملون وأعظم بكثيرٍ مما يطمحون.
صفقة القرن إلى جانب الموقف الفلسطيني الموّحد ستحرج الأنظمة العربية المتساوقة مع الكيان، والمشتركة معه ومع الإدارة الأمريكية في صياغة الصفقة، وهي التي أبدت تعهدها بتطبيق ما يطلب منها أو تكلف به، ولكنها ستجد نفسها مع الأيام مجردة من صفة التمثيل أو النيابة، فهي لا تملك ما تعطي، ولا تستطيع أن تفي بما لا تستطيع، فضلاً عن أن شعوبها لا توافق على ما تعلن، ولا تقبل بما تقدم، فالفلسطينيون يرفضون أن ينوب عنهم أحد في تقرير مصيرهم والحديث باسمهم، وهم قد قالوا كلمتهم مدويةً صاخبة صريحةً مباشرةً، لا لصفقة القرن، ولا لكل من يقبل بها أو ينفذ بنودها.
صفقة القرن أثبتت عدم نزاهة الوسيط الأمريكي، وأنه غير موضوعي ولا حيادي، بل هو طرف معادي وشريكٌ محتلٌ، يفكر نيابةً عن الاحتلال ويخطط له، ويشجعه على سياساته ويناصره في عدوانه، فلم يعد يصلح لرعاية ما يسمى بمفاوضات السلام وضمان تطبيق الاتفاقيات، ولعل الجريمة التي اقترفها بعد جرائمه السابقة التي ارتكبها في مسائل القدس واللاجئين والمستوطنات، تقنع المراهنين على صدقية المواقف الأمريكية وجدية واسطتهم، أنهم مخطئون في تقديراتهم، وغير عاقلين في توقعاتهم، فسراب الإدارات الأمريكية سيبقى سراباً، ولن تكون مواقفها مهما طال الزمن وتغيرت الإدارات ماءً زلالاً ولا عذباً فراتاً.
في الوقت الذي لا أستخف فيه بصفقة القرن ولا أقلل من خطورتها، فإنني لا أدعي بساطتها وعدم جديتها، لكنني لا أقلل أبداً من تداعياتها الإيجابية على الفلسطينيين وشعوب الأمة العربية والإسلامية، بل أرى أننا نستطيع أن نحول المحنة إلى منحة، والأزمة إلى فرصة، والسقطة إلى رفعة، وأن نقلب المشروع الإسرائيلي ونعطل مخططاتهم، لكن علينا حتى ننجح في ذلك أن نبدأ بالخطوة الأولى والأساس، ألا وهي تحقيق الوحدة الفلسطينية، والانتهاء من الانقسام ومغادرة مربعات الصراعات الحزبية، حينها قد تكون منية الإسرائيليين في أمنيتهم، وخاتمتهم في معسول أحلامهم، وتكون رفعتنا في صدمتنا ونهضتنا في كبوتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.