تغنى الشعراء العرب في قصائدهم بالثورة الجزائرية وبطولات مجاهديها وشهدائها، في هذا الصدد جمع الدكتور عثمان سعدي 255 قصيدة أنشدها أكثر من 100شاعر وشاعرة عراقيين في كتاب بعنوان: "الثورة الجزائرية في الشعر العربي". عثرنا على دراسة بعنوان: "صورة الثورة الجزائرية في الشعر العربي الحديث" للاستاذ رضا رافع من جامعة المدية. تتناول الدراسة مجموعة من القصائد الشعرية للشعراء العراقيين والسوريين والسودانيين. وهناك موسوعة "الجزائر في الشعر العربي المعاصر بمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية" للشاعر عبد العزيز سعود البابطين، وغيرها من المؤلفات التي تمجد الثورة وتتغنى ببطولات المجاهدين والشهداء مصورين مواقف البطل العربي بن مهيدي، احمد زبانة وزيغود يوسف وغيرهم من رموز الثورة. وهناك من تغنى بالأماكن والمدن التي كانت مسرحا للأعمال البطولية الخالدة منها القصبة، الاوراس، الونشريس .. نذكر من بين الشعراء الشاعر العراقي علي الحلي المولود بالنجف في 1931، تحدث عن الثورة الجزائرية في مجموعات شعرية عديدة منها "طعام المقصلة" وقصيدة "الشاعر" وهي ملحمة شعرية ألفها في 1954، وقصيدة أخرى سماها "عام جديد" نظمها في العام الرابع الثورة نوفمبر يقول فيها: ويطل عام الثورة الحمراء، يرعف من جديد أيامه إعصار الثرى وعلى الصعيد أعراس ملحمة الصمود عام جديد… يحبو على المهج الطليلة والصديد عام جديد يحمر منه الأفق..يغرق في مداه رعشاته الغضبي أعاصير الفداء معصوبة بدم الشهيد وقصيدة الشاعر العراقي هادي كمال الدين السيد في 1905، صاحب جريدة التوحيد بمدينة الحلة بالعراق سماها "كفاح الجزائر المجيد" يقول فيها: ليعلم الغرب أن العرب لم تهن..مهما تقاسي من الأرزاء والمحن تبيع أرواحها يوم الكفاح لكي ..تشتري الكرامة مهما كان من ثمن وفي الجزائر برهان أقيم لمن ..قد كان في قلبه شيء من الظن شعب أقام على العليا أدلتها..وراح يسمع في كل ذي إذن ثوبان لا يرتدي يوما بغيرهما..إما المعالي وإما حلة الكفن أهل الجزائر إخواني وان بعدوا…وما الجزائر إلا أنها وطني ما أحسن الحق بالصمصام نأخذه…وليس يحسن عن جود وعن من البيّاتي وابن مهيدي الشاعر عبد الوهاب البياتي، وهو من أشهر شعراء العراق في العصر الحديث له دواوين شعرية عديدة أشهرها "سفر الثورة"، "أشعار في المنفى"، "الموت في الحياة". يتناول في قصائده استشهاد العربي بن مهيدي حين اغتاله الضباط الفرنسيون في السجن يقول: قمر أسود في نافذة السجن وحمامات وقران وطفل أخضر العينين يتلو سورة النصر وفل من حقول النور، من أفق جديد… يتدلى رأسه، ، يسقط ثلج فوق عينيه وترب وجنادل كان يعلم أنه لابد هالك وستبقى بعده الشمس الجزائر تلد الثائر في أعقاب ثائر وفي قصيدة أخرى يهديها إلى الكاتب مالك حداد، وهي مأخوذة من ديوانه "النار والكلمات "يقول فيها: أحس بالهوان بالمسرح الخاوي بالقبائر المحطمة تئن بالممثل القتيل بالرائع النبيل تدوسه الثعالب أحس بالكواكب خجلي على طريقها تعشعش العناكب أحسن بالإنسان الثورة العملاقة الفكرة الخلاقة تعيد صنع الرائع النبيل تمنح للممثل القتيل دما جديدا، مسرحا جديدا… تحيا الجزائر وتقول الشاعرة العراقية أميرة نور الدين في قصيدة سمتها "تحيا الجزائر" قسما بعزمك يا جزائر…بالحق بالشعب المثابر قسما بكل مناضل…وبكل ثائرة وثائر قسما بإيمان الشعوب وفيه تقرير المصائر قسما بنور النصر يلمع في الثغور وفي المحاجر قسما بأصداء العروبة في هتافات المحاجر لنعيد موطننا السليب لشعبنا الحر المثابر ونضيف نصرا للجنوب وتنجلي عنه المجازر ونعود أحرارا ونهتف فلتعيشي يا جزائر القصيدة نشرت في صحيفة التضامن العراقي في 1960 في عددها الثالث. ويصف الشاعر عبد الستار الدليمي، تلبية الجزائريين للإضراب الذي نادت به الثورة في قصيدته "الأمطار" المأخوذة من ديوانه "أغنيات لا تعرف الأحزان"، يقول: خلف الأسوار هنالك حيث العتمة غاب يزهو حيث الأنهار عطشى ومئات الأزهار تذوي في صمت مر اقطع قلبك اقطع شيئا…حرفا واصرخ فالنار تمتد إلى بيدرك. ثورة ضد الصهاينة ويصف الشاعر الفلسطيني برهان الدين العبوشي الثورة الجزائرية، بأنها ثورة ضد الصهاينة وليس الفرنسيين فقط، يقول: حيوا الجزائر واذكروا أبطالها.. أيام ثاروا يفتدون جلالها مليون ليث يعربي حلقوا..فوق العدو وحطموا أغلالها يا ليت أمتنا تجود بمثلهم…لتذيق إسرائيل ما تنوي لها يا بن الجزائر يا حفيد تراثنا..انجد بلادا قطعوا أوصالها فانهض فتى وهران لب شقيقة..كن عمها في الكرب أو كن خالها فابن الجزائر خير من عرف الفدا..وحمى البلاد يمينها وشمالها. ويقول الشاعر السوري نزار قباني في قصيدة عن جميلة بوحيرد عنوانها "الزنزانة التسعون" الاسم: جميلة بوحيرد رقم الزنزانة: تسعونا في السجن الحربي بوهران إبريق للماء.. وسجان وسعال امرأة مسلولة أكلت من ... الأغلال أكل الأندال لاكوست وآلاف الأنذال أنثى…كالشمعة مصلوبة القيد يعض على القدمين ودم في الأنف والشفتين وجراح جميلة بوحيرد هي والتحرير على موعد التغني بقادة الثورة ويصف الشاعر كاظم جواد معارك العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة، حينما استشهد مع العقيد سي الحواس في قصيدة سماها "ذئب الجبل". الشاعر له ست قصائد عن الثورة الجزائرية يقول: مات في عينيه شيء من لهيب المعركة مات ووهران سماء لم تزل محلولكه مات على السفح وحيدا، يحضن البريق يحلم بالجبل… عميروش… هل تسمع الجيوش؟ تهبط من معاقل الأوراس والتلول لتزرع السهول ويقول الشاعر السوري شوقي جمال بغدادي الذي عمل مدرسا للغة العربية بسوريا والجزائر في وصفه معاناة جميلة بوحيرد: الفرح الكبير يا جميلة يشوبه الإعياء.. وعندما يخيم المساء تجهش بالبكاء تنظر من شباكها الصغير.. لو مت يا جميلة فكيف سوف نستحق أن نعيش وتصور نازك الملائكة جمبلة في قلوب العرب حين علموا بما لاقته في سجون الإستعمار الفرنسي في قصيدة عنوانها "نحن وجميلة." هم حملوها جراح السكاكين في سوء نية ونحن نحملها في ابتسام وحسن نية جراح المعاني الغلاظ الجهولة فيا لجراح تعمق فيها نيوب فرنسا وجرح القرابة أعمق من كل جرح وأقسى… ويصف سليمان العيسى بطولات الثوار وهم ينصبون الكمائن لجنود جيش العدو الفرنسي، ويروي في قصائده قصة الثائر زيغود يوسف يقول: صمت على الوادي يروع الوادي..وسحابة من لوعة وحداد أرسى على الهضبات ريش نسورها..تمزقت تمزقت من بعد طول جلاد يا سفح يوسف يا خضيب كمينه.. يا كبره يا روعة الأجداد يا إرث موسى في النسور وعقبة..والبحر حولك زورق ابن زياد يا شمخة التاريخ في أوراسنا…يا نبع ملحمتي بثغر الحادي. سليمان العيسى من الشعراء الذين تعلقوا بالثورة، يقول في إحدى حواراته بجريدة الرياض اليومية في 1999 ".. عندما قامت الثورة الجزائرية ثورة التحرير الكبرى، كنا نتابعها يوما بيوم، ومعركة بمعركة، ونعد أنفسنا من الثوار…وان لم نشترك في الثورة أو نكون في جبال الأوراس، كنا نحلم أن نكون في الجبال مع المقاتلين". ويضيف: "لكن لم يتح لنا أن نحمل السلاح معهم، فوجدنا أننا نستطيع المساهمة في هذه الثورة بنقل لعنة المنفى إلى أصلها… إلى اللغة الأم، ففكرنا قليلا ووجدنا أن أحسن خدمة يمكن تقديمها لها إطلاع الإخوة العرب، وما يقوله إخواننا في الجزائر دفاعا عن الأرض والقضية والحرية". وتغنى الشاعر السوداني محمد الفيتوري بثورة التحرير يقول في قصيدته: فالثورة مازالت تكسو قمة الأوراس وتسقيها. والثورة مازالت تمشي فوق جماجم جلاديها. يقول محمود درويش"ليتني بائع خبز في الجزائر لأغني مع ثائر"، ويقول في قصيدته التي عنونها "عناقيد الضياء" في بلاد كل ما فيها كبير الكبرياء شمس إفريقيا على أوراسها قرص إباء وعلى زيتونها مشنقة للدخلاء ويقول الشاعر العراقي عثمان سعدي: "كانت الثورة الجزائرية تجسيدا لجوهر الحرية وللنضال في سبيل هذا الجوهر، وفي حالة الإنكفاء المرير التي كنا نعانيها". ويضيف: "رأينا الثورة الجزائرية تحول الممكن إلى وقع مستمر شرس وبهي في الوقت نفسه"، ففي قصيدته "الطريق إلى قسنطينة" يعبر عن استعداده لبيع مكتبته كي يشتري بندقية ليصبح جنديا في هذه المدينة فيقول: أنا لست أملك بندقية لكنهم لو يسمحون هنا لأسرعنا إليك ولبعت أوراقي ومكتبتي وجئت ببندقية ولكنت جنديا لديك.. أنا هارب وحدي إليها قلبي يدق لها: تحيه وعلى ذراعي بندقية وله قصيدة أخرى يروي فيها قصة شابة وجندي يتحديان السياسة الاستعمارية، ويرفعان العلم الجزائري في "روشيه نوار" الصخرة السوداء بومرداس حاليا، يقول فيها: هنا يا صخرة سوداء… جئنا نغرز الراية نغني عشبها الأخضر ننادي نبعها الأبيض نشم البرعم الأحمر هنا، في الريح، في الأرض التي تزأر وهبنا وجهها الأخضر مراعي النجم والأنهار فيا كفا على صخرة ويا حقدا على صخره ركزنا في الأعالي راية الثورة.