«من غير المقبول حدوث ندرة في السوق، بالنظر لوجود الإنتاج المحلي والسماح بالاستيراد، حيث إن التقشف في الاستيراد لا يمكن -كما أكدناه مرارا وتكرارا- أن يمسّ بحاجيات المواطن"، هذا ما أكد عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في آخر تصريح صحفي له حول مسألة عقلنة عمليات الاستيراد. ولفت الرئيس، خلال ذلك، إلى التزامات بعض القطاعات بتوفير المبالغ المالية عن طريق تقييد الاستيراد، وهو "أمر جيد، لكن شرط عدم إحداث ندرة في السوق". وأضاف، أن استبدال الواردات لابد أن يتم بعد التأكد من زيادة الإنتاج المحلي ووفرته وقدرته على تغطية الحاجيات، وهو ما يستدعي الاعتماد على الرقمنة في التسيير. يوضح البروفيسور مراد كواشي، وهو خبير اقتصادي وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة أم البواقي، أنه لا توجد دولة في العالم تنتج كل ما تحتاجه، بحيث يمكنها الاستغناء عن الاستيراد. والجزائر لا يمكنها أن تكون خارج هذا النسق. والملاحظ خلال السنتين الأخيرتين، أنه تم تكثيف العمل من أجل تقليص فاتورة الاستيراد، وهو توجه جيد من شأنه أن يخدم التوازنات الكبرى للدولة، من خلال ترشيد استغلال رصيد العملة الصعبة، لكن لا يجب أن يكون كل هذا على حساب وفرة بعض المواد التي لا تنتجها الجزائر أو على حساب الأسعار، وهو ما رصد في الفترة الأخيرة، حيث سجلت ندرة بعض المواد الأساسية المستوردة، على غرار حليب الأطفال ومواد أخرى، علاوة على الارتفاع الكبير في بعض المواد المستوردة الأخرى، وهذا بسبب حصر عملية الاستيراد في مجموعة قليلة من المستوردين والذين أصبحوا يتحكمون في السوق، وبالتالي في الأسعار وهذا أضر بالسوق الوطنية ومعها المواطن الجزائري الذي أصبح يفتقد للعديد من السلع المستوردة الأساسية في بعض الأحيان. وليس المواطن لوحده من يشكو هذا النقص، بل حتى عدد من المؤسسات المنتجة الخاصة أو العمومية التي تستخدم مواد أولية مستوردة، أصبحت تعاني من تذبذب في التموين بالعديد من المواد، مما أثر على سلسلة الإمدادات. في هذا السياق، يفيد المتحدث أنه على سبيل المثال، لوحظ مؤخرا غلق عدد من ورشات النجارة بسبب ندرة مادة الخشب وارتفاع أسعارها، وهي تشغل عددا كبيراً من محترفي المهنة، وهذه تكلفة إضافية نجمت عن منع استيراد الخشب. وختم البروفسور كواشي قائلاً: "نحن كخبراء اقتصاديين ضد الانفتاح الكلي للسوق الوطنية على الاستيراد، مثل ما كانت عليه سابقاً، حيث وصل التسيب إلى استيراد حاويات مملوءة بالحجر، لكن في نفس الوقت التشديد الزائد عن حده، يؤثر سلباً على الوفرة في السوق، وعلى الأسعار، وبطبيعة الحال على المواطن والمؤسسات، ولهذا نحن مع الوسطية والعقلانية". من جانب آخر، يرى الخبير الاقتصادي أحمد طرطار، أن الحاجيات تنقسم في الاقتصاد الرأسمالي إلى حاجيات ضرورية وكمالية. وفي النظام الاقتصادي الإسلامي إلى حاجيات ضرورية أساسية تحسينية وأخرى كمالية، وعليه فالاستغناء عن الحاجيات الكمالية وعدم استيرادها يمثل نوعاً من الرشادة في تسيير التكاليف والميزانيات، بينما لا يمكن الاستغناء، بأي حال من الأحوال، عن الحاجيات الضرورية التي تتطلبها المجتمعات في حياتها اليومية، وحدوث ذلك سيولد بالمقابل ندرة، والتي تؤدي بدورها إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم إلى تهافت المستهلكين عليها بسبب التذبذب الحاصل في السوق. ومنه فالتوجه الذي أوصى به الرئيس والمتمثل في ربط عمليات الاستيراد بحاجيات المواطن، من شأنه حلحلة وضعية السوق التي تسجل نقصاً في بعض المنتجات الضرورية والتي لابد من استيرادها، فيما يمكن توسيع وتكثيف عمليات الإحلال والاستبدال لبعض المواد التي يمكن تعويضها بالمنتوج المحلي إذا ما كان كافياً، والتخلي نهائيا عن المواد والحاجيات الكمالية، وعندئذ تأتي عملية الموازنة بين الحاجيات بتوجيه الموارد للحاجيات، ما يؤدي إلى استعمالها وفق حوكمة مالية رشيدة في سياق التصرف الاقتصادي التي يضطلع به الفرد ومن خلاله الدولة في عملية الاستيراد.