استضافت جمعية «مشعل الشهيد»، بمركز الصحافة التابع لجريدة «المجاهد»، الكاتب والباحث مدير الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي عبد القدر بن دعماش، والفنان المسرحي عبد الحميد رابية، وابراهيم دري عضو الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، ليتحدثوا عن المهمة النبيلة التي كُلِّفَ بها المنتمون لهذه الفرقة التي تعتبر الوجه الثقافي للثورة التحريرية، أين ساهمت بطريقتها البطولية والخاصة في تدويل القضية الجزائرية، وذلك من خلال سلسلة حفلات انطلقت من التراب التونسي، لتتبعها مسيرة مشرفة في كل من ليبيا، مصر، الاتحاد السوفياتي، الصين ويوغسلافيا. كشف عبد القادر بن دعماش، أنه في الوقت الذي كان فيه جيش التحرير الوطني يقاوم ويحقق انتصارات في ميدان الحرب، قرّرت القيادة الثورية توسيع دائرة النضال إلى ميدان آخر ألا وهو الميدان الثقافي والفني، وعلى إثرها تمّ الاتفاق على تشكيل فرقة فنية من كتاب وممثلين ومغنيين وموسيقيين، مهمتها التعريف بالقضية والثقافة الجزائرية، وذلك تحت قيادة المسرحي مصطفى كاتب الذي كُلّف بمهمة خاصة وسرية، وذلك بواسطة القيادة التابعة لولاية فرنسا، كما جاء على حد قوله: «بعد سنوات قليلة من اندلاع الثورة، قرّرت جبهة التحرير الوطني فتح باب جديد للمقاومة ضدّ الاستعمار وهو الباب الفني والثقافي، حيث جاءت فكرة إنشاء فرقة فنية لجبهة التحرير الوطني، وتحقّق ذلك في مارس 1958، اجتمع خلالها 35 فنانا من بينهم الشّاعرين مصطفى التومي ومحمد بوزيدي بتونس، لتنطلق التدريبات الفنية وكان أوّل عرض فني تحت اسم «نحو النور» بالمسرح البلدي لمدينة تونس، وهذا في 24 ماي 1958». وعي..إخلاص والتزام وتابع «بأنّ الفرقة وخلال كل عرض كانت تقوم به، إلا وكانت تقول من خلال ملابسها وأنغامها وأشكالها ولهجتها أنّ الجزائر لها شخصيتها، وتنتمي إلى حضارة أخرى بعيدة كل البعد عن ما يروج له العدو الفرنسي بأنّ الجزائر فرنسية، ولأنّ الإيمان كان قويا بالقضية الوطنية جعل عددا كبيرا من الفنانين يلتحقون بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، التي كانت تضم أيضا تقنيين مثل أحمد حرب ومصورين مثل محمد كواسي، والتم الشمل للفرقة الفنية - يقول المتحدث - التي زادها الوعي والاخلاص والالتزام القوي تجاه القضية الوطنية، وأقسمت على رفع اسم الجزائر للعالم، وهتفت بأعلى صوتها «قلبي يا بلادي لا ينساك ونتفكرك طول حياتي قسما قسما»، ليبدع في المقابل الفنانون في كل أشكال الفنون التي كانوا يؤدونها وقدّموا أعمالا مميزة، مثل المسرحيات التي ألّفها العبقري الراحل عبد الحليم رايس، على رأسها «أبناء القصبة»، «دم الأحرار» المقتبسة من معركة ميليا. وأضاف المتحدّث أنّ حناجر الفنانين صدحت بأحلى الكلمات وأعذب الألحان التي كانت تعبر عن الثورة، وتبث الحماس في النفوس وتلهب الهمم مثل أغنية «يا ديغول بركا ما تنبح»، لكل من جعفر بك ومعمر بولعوينات، ورائعة فارس الأغنية الصحراوية الفنان الراحل خليفي أحمد «رفرف يا علم في الهواء والشعب داير بيك وأنت تتبختر هنا وهناك أبيض وأخضر والنجمة تضويك ياي ياي ياي»، ناهيك عن الأغاني الثائرة لكل من أحمد دريش التجاني المعروف بأحمد وهبي، الذي كان يؤدي الطابع الوهراني، وفريد علي مؤدي الطابع القبائلي، والفنان دهماني الذي كان يؤدي أغاني في طابع الشاوي، مبرزا في سياق حديثه أن المجموعة بأكملها كانت تؤدي أغاني كلاسيكية جماعية. أعضاء الفرقة في سياق متصل، استعرض عبد القادر بن دعماش قائمة أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي كانت تضم سياسيون مثل عبد المجيد غافة، محمد بوزيدي، ومغنون مثل بهية فرح، حليمة زرقاوي، حنيفة، خدوجة، صافية قواسمي، فطومة لميتي، ميسوم العمراوي، الهادي رجب، بوليفة، يوسف بجاوي..وملحنون أمثال أحمد وهبي، عبد الرحمان عزيز، مصطفى تومي، مصطفى سحنون، رقية دري، مليكة ابراهيمي، إلى جانب ممثلين على غرار ابراهيم دري، أحمد حليت، جعفر دمارجي، حسين بلحاج، حميد نمري، خليفة الطاهر، سيد علي كويرات، عبد الحليم رايس، عبد الرحمان بسطانجي، محي الدين بشطارزي، عبد القادر شروق، مجيد عبد اللاوي، محمد خليفي، محمد سواغ، يحيى بن مبروك، ومسرحيون منهم وافية بلعربي، كاتب ياسين، محمد بودية، محمد زينات، مصطفى كاتب، ناهيك عن موسيقيين مثل بوعلام منصور، حسن فارس، سعيد سايح، الأزهر ثامر، علي دباح، محمد بن يحيى، محمد العباس، كما ضمّت الفرقة الفنية خياطون مثل صفية كواسي ومصوّرين محمد كواسي، إلى جانب رجل الديكور حسن شافعي الذي كان يتكفل بتصميم واجهات العرض داخل وخارج الوطن. المسرح النّضالي.. من جهته أوضح الفنان عبد الحميد رابية، أنّ الفنانين أبدعوا في كل أشكال الفنون التي كانوا يؤدونها وقدّموا أعمالا مميزة، مثل المسرحيات التي ألّفها أيقونة الإبداع عبد الحليم رايس منها «أبناء القصبة»، «دم الأحرار» المقتبسة من معركة ميليا، وإن دلّ على شيء يقول إنما يدل على أن «المسرح الجزائري هو مسرح نضالي ثوري مقاوم، إنّه مسرح الشارع الرافض للتهجين، كيف لا وقد نشأ في الشارع بعيدا عن المسارح الفرنسية، إذ لم تكن له فضاءات مستقلة للعروض، فكانت عروضه تقدّم في الشارع والجبال وعلى الحدود للمجاهدين مع الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني». وأضاف المتحدث، أنّ الفضل يعود لمصطفى كاتب الذي أمضى أكثر من 50 عاما من حياته في خدمة الفعل المسرحي النضالي والديناميكية الثقافية، فمن الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني إلى إنشاء المعهد العالي للفنون الدرامية والكوريغرفية ببرج الكيفان بالجزائر العاصمة، وصولا إلى إدارته للمسرح الوطني الجزائري، كما أوضح أن المسرح بعد الاستقلال تمّ تجنيده لخدمة الخيارات الاشتراكية، فكانت تنظّم حملات تطوعية نحو القرى الفلاحية تقدم على هامشها عروض مسرحية في الشارع، مضيفا أنّ المسرح الجزائري استفاد كثيرا من تجربة تعامله مع الشارع، حيث تابع رابية «عموما المسرح كان ولا يزال مدرسة عتيدة في ترسيخ القيم الوطنية، وأنّ الفن الذي يقدّمه مميز عن كل الفنون التي تقدمت أو تأخرت عنه، كونه ساهم في كتابة تاريخ الجزائر، وقدم أسماء نتشرّف أن تكون فداء لتراب جزائر الحرية جزائر الاستقلال وجزائر المجد و السلام». أغاني في الذّاكرة أما عضو الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني ابراهيم دري، الذي حظي بتكريم رمزي من طرف رئيس جمعية «مشعل الشهيد» محمد عباد، وذلك بمعية كل من عبد القادر بن دعماش وعبد الحميد رابية، فقد أشار في كلمته التي قالها في حق الفرقة التي يفتخر بأنه كان وما يزال واحدا منها، أنه بعد هذه الجولات المتعددة في مختلف أنحاء العالم عادت الفرقة إلى الجزائر في 20 مارس 1962، وفي رصيدها أغاني وعروضا مسرحية وطنية تمّ بثها في أقاصي العالم، قائلا بأنها ما تزال متداولة بين الأجيال، وهناك أغاني أخرى لا تزال محفوظة في الذاكرة الجزائرية.