صدرت في الأيام الأولى من العام الجديد رواية للطبيب والروائي سليم عبادو "قلب من أقصى اليسار" عن دار الأمير، وهي رواية مستوحاة من مسار حياة المناضل محمد بودية، الشاعر والصحفي ورجل المسرح الذي اغتاله جهاز الموساد بتاريخ 28 جوان 1973، عبر تفخيخ سيارته بشارع سان برنار بباريس. تسرد هذه الرواية تفاصيلها معتمدة على الحوار والحركة وتعدّ أقرب إلى كتابة السيناريو في تناولها لمراحل حياة المناضل، فتبدأ ب«فلاش باك"، يتناول لحظات إحكام المراقبة والرصد على شخص بوديّة ثم تفجير سيارته، ووفاته وهو يتمتم بكلمات اقتبسها المؤلف من القصة القصيرة التي ألفها المناضل بودية بنفسه ووسمها بعنوان "الحذاء".. ثم تنتقل إلى محاكاة نقل السجين محمد بودية من سجن "بومات" إلى سجن "فران" قرب باريس، إثر العقوبة التي صدرت في حقه عقب قيامه بتفجير خزانات النفط بمنطقة "موربيان" قرب مرسيليا، تنفيذا لاستراتيجية ثورة التحرير المباركة. وفي سجن "فران"، يلتقي بودية بثلة من المثقفين الفرنسيين من اليسار التقدمي، يناصرون الثورة الجزائرية، ما كان سببا في سجنهم، وبتشجيع من رفيقه في الزنزانة الفيلسوف "إيتيان" يقتنع بودية بالعودة إلى ممارسة المسرح، فيؤسس فرقة مسرحية تتكون من السجناء، ويكتب في آن واحد مسرحيته "الزيتونة"، ويدرب أعضاء فرقته على أدائها في نهاية المطاف، بحفل كبير أُقيم بسجن "فران"، حضره أكثر من ألف سجين. وزيادة على سيرة الشهيد بودية، تتناول الرواية مساره الفكري ومواقفه الإنسانية ضد التمييز والإمبريالية العالمية، فبعد تمكّنه من الفرار من السجن، التحق بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بتونس، وبقي هناك حتى استقلال الجزائر، أين أصبح المدير العام للمسرح الوطني الذي أسسه رفقة ثلة من المثقفين الجزائريين والفرنسيين، والتقى في تلك الفترة بالثوري الرمز شي غيفارة الذي زار الجزائر وربط معه علاقات صداقة وطيدة. تبرز الرواية كذلك، وجهة نظر وموقف الشهيد بودية وقناعاته بالنسبة لنوع المسرح الذي كان يدافع عنه، حيث يرى بأنه يجب أن يكون شعبيا، ملتزما بتطلعات الشعوب وليس بورجوازيا، لا تتعدى أهدافه المتعة والترفيه، فأسس بودية بناء على هذه القناعة: "القطار الثقافي"، الذي جال بالمسرح في كل القرى والمداشر ليجعل المسرح في متناول كل الطبقات الاجتماعية. تجدر الإشارة إلى أن هذه الرواية تميزت بتضمنها لنصوص إبداعية في الشعر والقصة والمقالة والمسرح، كتبها الشهيد محمد بودية واقتبسها مؤلف الرواية بعد أن ترجمها إلى اللغة العربية، فأثث بها المشهد الروائي وأعطاه جمالية أكثر، وواقعية لافتة، وجعل من الرواية روضة مفتوحة على الإبداع بكل أنواعه، فحتى الأغنية الشعبية وجدت لها مكانا فيها، بتعريجه على العلاقة الوطيدة التي جمعت الشهيد بالأعضاء المؤسسين لفرقة "ناس الغيوان".