كثيرا ما اقترنت الموارد الحيوية والمستجدات الأمنية والسياسية والاقتصادية في إفريقيا، بفرنسا والصين، باعتبار الأولى بلدا استعمر معظم بلدان القارة، ونظرا لاتساع رقعة حضور الثانية في حقل الاستثمارات والتنمية. غير أن الولاياتالمتحدة برزت في السنوات الأخيرة كشريك فاعل وقوة رائدة ذات أهداف ورؤى قريبة وبعيدة الأمد، بعدما قررت الخروج من مجال التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب إلى اصطياد المشاريع الاقتصادية الطموحة. بالنسبة للولايات المتحدة لاشيء يعلو فوق مصالحها، وتضع هذا المبدأ الرئيسي في سياستها الخارجية إلى جانب نشر القيم الديمقراطية الليبرالية، وإذا اضطرت للمفاضلة بين الخيارين تضع المصالح على رأس الأولويات، وتعتبرها هدفا يجب أن يحقق في جميع المناطق التي ترقد على موارد طبيعية مولدة للطاقة، وتنتهي حدود أمريكا في التدخل والاهتمام بكل ما يجري عالميا عند الحدود الجغرافية لهذه المصالح. ولا يخفى على القوة العسكرية عالميا، أن إفريقيا قارة المستقبل والتطور، لما تزخر به من طاقات طبيعية ترقد عليها تحت أراضيها، وبشرية في حاجة إلى الصقل والتكوين لتمسك بزمام أمورها وبناء مستقبل تتطلع إليه كل الأجيال. لذلك ترفض أن تخفض من حجم تعاونها مع الدول الأفريقية، وتعمل في كل مرة على ترقيتها إلى مستوى أعلى، ويعتقد بعض المحللين ما تعتبره الإدارة الأمريكية تعاونا وشراكة، تدخلا وسعيا لكسب مزيد من النفوذ والسيطرة لضمان تدفق النفط وبقائها في الريادة. لأنها عملت منذ مطلع الألفية على عسكرة سياستها نحو إفريقيا، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف ومواجهة ما تصفهم بأعداء الليبرالية الغربية، وصارت تنظر لعلاقاتها من زاوية الأهمية بالنسبة للأمن القومي والمصالح، وقامت بإنشاء قيادة «افريكوم» بفرانكفورت الألمانية للتكفل بالشؤون الأمنية للقارة سنة 2007، وفي هذه السنة أيضا بدا حضورها العسكري غير المعلن يرتفع شيئا فشيئا. لكن وفي ذات الوقت تكيفت الإستراتيجيات الأمريكية في عهد الرئيس باراك اوباما، مع تطلعات الشعوب والحكومات، وركزت خطاباتها على التنمية والاستثمار والتطور، ودعم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وقال أوباما في زيارته لغانا سنة 2009 «أن الاقتصادات الإفريقية هي الأسرع نموا في العالم وتشكل فرصا مهمة للولايات المتحدة» وأشار إلى أن «إفريقيا ليست في حاجة لرجال أقوياء وإنما مؤسسات قوية». واعتمدت الإستراتيجية الأخيرة لسنة 2012، على 4 محاور رئيسية، وهي تقوية المؤسسات الديمقراطية، تعزيز التنمية الاقتصادية والتجارة والاستثمار، العمل على تكريس الأمن والسلم وترقية فرص التطور، ويشد المحوران الأول والثاني الانتباه، بمساعي أمريكا لتعزيز حضورها الاقتصادي وعدم ترك المجال خاليا أمام الصين ودول الاتحاد الأوروبي، وإذا كانت الديمقراطية رسالتها التي تريد تعميمها على جميع دول العالم، فتكريس الأمن والاستقرار يخفي بين جنباته، الاستمرار على السند العسكري للحفاظ على المصالح. ولذلك عملت إدارة البنتاغون على تطويق القارة بقواعد عسكرية من المحيط الأطلسي إلى القرن الإفريقي، تشرف عليها القوات الخاصة و بعض الشركات الأمنية المتخصصة، تعتمد على طائرات الاستطلاع الصغيرة لمراقبة التنظيمات الإرهابية، في الساحل ونيجيريا والصومال وأوغندا، إلى جانب التصدي للقرصنة البحرية وفسح الطريق أمام ناقلات النفط، وكان هذا الحضور يتسم بالسرية إلى غاية 2012 عندما كشفت صحيفة «الواشنطن بوست» في تقرير مفصل عن تواجد القوات الخاصة في واغادوغو عاصمة بوركينافاسو وجيبوتي ونيجيريا. وازداد النشاط العسكري الأمريكي، في السنوات الأخيرة أكثر من أي وقت، تماشيا مع تزايد أطماعها الاقتصادية، بعدما ارتفعت استثماراتها بنسبة 40 بالمائة، لان البيت الأبيض يرى في التهديد الإرهابي خطرا رئيسيا على المصالح الحيوية. دفع الأزمات المالية التي هزت الاقتصاد الأمريكي إلى البحث عن نفوذ جديد في إفريقيا، يضمن حاجتها للموارد الطبيعية من النفط والغاز، وحماية الأمن القومي تحت راية التعاون المشترك والاحترام المتبادل.