لمساعدة "أسطول الصمود" المتجه إلى غزة.. إيطاليا ترسل فرقاطة تابعة للبحرية    تايوان – الفلبين : عشرات القتلى والمفقودين جراء إعصار راجاسا    الدفاع المدني يدعو لتحرّك دولي جاد ووقف المأساة في غزة.. 37 شهيداً خلال 24 ساعة.. و65419 شهيداً منذ بدء العدوان    لترقية الإرث الشفهي الوطني الأصيل.. إطلاق برنامج "كان يا مكان" للحكواتيين    أدرار في ضيافة قسنطينة عبر "أسبوع التبادل الثقافي"    ينظم بين 4 و10 ديسمبر القادم القادم بالعاصمة.. مهرجان الجزائر الدولي للفيلم يحتفي بالسينما الكوبية    عامان على الإبادة.. المقاومة غاية وهدف    لا مناص من استئناف المبادرات والمساعي بل وتعزيزها    اصطدام سيارة بشاحنة يخلف 6 مصابين    توقع سقوط أمطار رعدية    قسنطينة : قوات الشرطة توقف عصابة إجرامية    إحباط محاولات إدخال أزيد من 7 قناطير من الكيف المعالج من المغرب    التأكيد على السعي للتوفيق بين عالم التكوين وسوق العمل    احتضان اللقاءات الأفرو- أوروبية ال7 للمحضرين القضائيين "    إبراز عبقرية النضال لدى الشهيد زيغود يوسف    دعم المبادرات الرامية إلى صون الذاكرة الوطنية    5 ملايير دولار عقود استثمارية للجزائر في "إيتياف 2025"    الاعتراف بدولة فلسطين "خطوة نوعية" نحو إنهاء الاحتلال    الفريق أول شنقريحة يشيد بالعمل البطولي لحماة الوطن    الجزائر دولة معروفة بمواقفها والتزامها بالسلم واحترام الشعوب    إشادة بدور المنظمة الوطنية للمجاهدين في مرافقة القطاع    مكاسب هامة حققتها الجزائر في التحوّل الرقمي الصحي    قطاع الفلاحة بحاجة إلى وضع تصوّر جديد    تعليمات لاستكمال القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية لموظفي الصحة    نشيد " قسماً " سيدوّي مرة أخرى في سماء لوس أنجلس    جمال بلماضي يتوقع أياما جميلة ل"الخضر"    جسر موسيقي بين التراث الأندلسي والروح الروسية    تسعة جزائريين في موعد مصر    اختتام مبادرة توزيع الأدوات المدرسية    هذه قائمة الفائزين بجوائز الكرة الذهبية 2025    العرب دون ذهب.. ونجوم عالميون يتألقون    تفكيك عصابة أحياء خطيرة    عملية جراحية لعلاج تشوّه خَلقي نادر    دورة تكوينية حول حقوق الطفل    أزمة الدواء.. النهاية؟    وزير العدل: استضافة الجزائر للقاءات الأفرو-أوروبية للمحضرين القضائيين تأكيد لمكانتها الدولية    المهرجان الدولي للمالوف: مزج موسيقي سوري وروسي في السهرة الرابعة    انضمام الجزائر كعضو ملاحظ وحيد إلى الآيبا: البرلمان العربي يهنئ المجلس الشعبي الوطني    الإجماع الدولي هو "أبلغ رد على أوهام الاحتلال الإسرائيلي"    "الجزائر تستلم شهادة النضج 3 من "الصحة العالمية" أكتوبر القادم    الحكومة نجحت في كسب رهان الدخول الاجتماعي.    الجزائر تواجه فلسطين ودياً    بن دودة تصطدم بحالة انسداد بقطاع السينما    دعوة للغوص في أعماق النفس    العداء "جمال سجاتي": أنا سعيد بميداليتي الفضية وهدفي الذهب في الألعاب الأولمبية 2028    تصفيات مونديال 2026 (الجولة 9 - مجموعة 7) : وهران تستعد لمباراة الصومال - الجزائر    الصيدلية المركزية للمستشفيات: نحو ارتفاع مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية بأزيد من 25 بالمائة في 2026    صناعة صيدلانية: ضرورة مضاعفة الجهود لإدماج الابتكار والرقمنة في الانظمة الصحية الوطنية    هذا جديد إذاعة القرآن    ارتفاع مستمر للدفع عبر الأجهزة الإلكترونية    مهمتنا خدمة المواطن..    ضرورة وضع المواطن في صميم اهتمامات القطاع    المشاريع المنجمية الكبرى ستخلق الثروة ومناصب الشغل    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحَراك.. مبادرات بالجملة وحلول مؤجلة
نشر في الشروق اليومي يوم 27 - 06 - 2019

تغيير النظام هو المطلب الأول للحَراك الشعبي منذ جمعته الأولى وهو مطلبنا جميعا، ولكننا لا نزال إلى حد الآن نتعامل مع فكرة تغيير النظام تعاملا نظريا تميِّزه العواطف والمواقف الانفعالية والارتدادية عديمة الفاعلية ولم نستطع تحويله إلى واقع معيش، وضعية لا نُحسد عليها ويتحملها الكل في السلطة والمعارضة والنخبة والمجتمع المدني على السواء.
خلال أربعة أشهر كاملة من الحَراك، شهدنا مبادرات بالجملة، يراهن بعضها على الحل السياسي كمخرج آمن من الوضعية الحالية وذلك بإعلان مرحلة انتقالية قصيرة نسبيا تشرف عليها هيئة رئاسية وتقودها شخصية وطنية توافقية وبتشكيل حكومة كفاءات وطنية، ويراهن بعضُها الآخر على الحل الدستوري واستبعاد أي حلول أخرى غير مأمونة العواقب والتي قد تفضي إلى الفراغ الدستوري، ويراهن بعضها الآخر على الجمع بين الحل السياسي والحل الدستوري بالنظر إلى أن الحالة التي نعيشها تميزها ثنائية سياسية ودستورية وبالتالي فإن الحل لا يكون إلا بمراعاة هذه الثنائية، ويراهن البعض الآخر وخاصة من النخب الفكرية على أن تغيير النظام السياسي يجب أن يسبقه بالضرورة تغيير الفكر السياسي الذي أسِّس عليه هذا النظام السياسي، وهي عملية معقدة وطويلة المدى لا تتحقق بين عشية أو ضحاها لأن ثقافة التغيير وإعادة التشكيل تتطلب تأسيس ثقافة نخبوية متميزة لم تتهيأ بيئتها وشروطها بعد ، أقول ثقافة نخبوية لأن التغيير المدروس والمؤسس لا يتأتى إلا بثقافة نخبوية مدروسة ومؤسَّسة يدرك أصحابُها طبيعة وأبعاد الأزمة ويحسنون التعامل معها.
إن الحَراك الشعبي متواصلٌ بنفس الحدة وبنفس الوتيرة وبنفس الحضارية والسلمية وروح المواطنة التي بدأ بها، وقد رافقته منذ البداية مبادراتٌ بالجملة يحمل جلّها في الظاهر رؤيةً سياسية متزنة ولكنها في المقابل مبادرات انفرادية وغارقة في التنظير، مبادرات ظلت تُراوح مكانها ولم تُسفر عن حل يُنهي حالة الانسداد التي نعيشها أو يواكب على الأقل حملة محاربة الفساد التي تقودها المؤسسة القضائية.
من المهم إطلاق المبادرات وتقديم المقترحات، وأهمّ من ذلك وضع هذه المبادرات والمقترحات موضع التنفيذ، ولكن الأهم على الإطلاق أن تلتقي هذه المبادرات والمقترحات وتتجسَّد في وثيقةٍ جماعية مجتمعية تصلح أن تكون خارطة طريق من شأنها إيجاد مخرج سياسي توافقي لا يتبناه فصيلٌ سياسي بعينه بل يكون خلاصة مشاورات مشترَكة.
لقد أكمل الحَراك الشعبي شهره الرابع ورغم ذلك لا يزال الأفقُ السياسي غير واضح المعالم ونجد أن عامل الوقت يضغط علينا بوتيرة غير مسبوقة ويحتم علينا أن ننتقل بالمبادرات من مستوى التوصيف إلى مستوى التوظيف ومن مستوى التنظير إلى مستوى الحل المنتظر الذي يُخرج بلادنا من هذه الوضعية السياسية الاستثنائية التي تشكلت بعد إلغاء العهدة الخامسة وكذا إلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة، الأولى والثانية.
إن المبادرات التي تتم داخل القواعد الحزبية والنقابية ولا تلتقي في مبادرة واحدة موحدة، تكون بيقين عديمة الجدوى لأنها ترسم صورة غير مكتملة للموقف الوطني الذي لا يتحقق إلا بحوار وطني جامع يشارك فيه الكل ويرفض فكرة الإلغاء والاستثناء والإقصاء التي يكرسها بعض السياسيين.
إن فكرة الإلغاء والاستثناء والإقصاء فكرة غير صالحة وغير صائبة في عملية التغيير السياسي ولا يمكنها أن تؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية بل ستعمل على إذكاء الخلافات وتعميق الاصطفافات السياسية وتأجيل الحلول إلى أجل غير معلوم.
إن حلحلة الراهن السياسي لا تتحقق إلا بحوار وطني شامل ولا شيء غير الحوار، فقد أثبت الحوار نجاعته عبر التاريخ الإنساني وأفضى في النهاية إلى إعادة بناء اللحمة القومية بعد أن مزّقتها الخلافات المذهبية والسياسية وتفرّق الشركاء السياسيون شذر مذر، فكيف نعرض نحن عن الحوار وهو قدرنا شئنا أم أبينا، فقد جربته كثيرٌ من الدول فاستطاعت إرساء ديمقراطية تشاركية أثمرت استقرارا سياسيا ورخاء اقتصاديا وأمنا اجتماعيا عزز هيبة الدولة ومكانتها في المجتمع الدولي.
إن رهان التغيير السياسي لا يتحقق إلا بحوار وطني تُحدَّد آلياتُه ومآلاته وموضوعاته ومجالاته بطريقةٍ توافقية بعيدا عن الإملاءات والحلول المفروضة. إن إسقاط هذه الفكرة على الراهن السياسي الجزائري في ظل الحَراك الشعبي يتم بمراعاة الإطار المرجعي التوافقي لهذا الحوار من تفعيل سلطة الشعب وقبول مبدأ رحيل النظام بكافة رموزه ومنع إعادة تشكّله أو تجدّده مرة أخرى لأن النظام الذي كان سببا في المشكلة لا يمكن أن يكون جزءا من الحل.
هناك من الشركاء السياسيين من انحاز إلى فكرة الشخصية الوطنية التوافقية، وأقول من السهل نظريا الحديث عن شخصية وطنية توافقية تُعهد إليها قيادة المرحلة الانتقالية ولكن من الصعب عمليا -على الأقل في ظل التنافر والتدابر والتنابز السياسي القائم- إيجاد هذه الشخصية التي تتحقق فيها المواصفات المطلوبة إلا في حالة واحدة ووحيدة وهي تحرر الطبقة السياسية من تأثير الإيديولوجيا الحزبية ومن ثقافة المعارضة من أجل المعارضة، ومن السهل نظريا أيضا الحديث عن حكومة كفاءات ولكن من الصعب عمليا تحقيق ذلك في ظل إعراض كثير من الكفاءات عن العمل السياسي أو عدم الالتفات إليها أو الاستغناء عن خدماتها وإسهاماتها والاستمرار في تقديم الحزبي على الفكري في بلورة مشروع التغيير السياسي.
إن تشكيل حكومة كفاءات وطنية يتطلب إعادة تشكيل المنظومة السياسية على أسس الكفاءة المستحقة وليس على أسس الولاء الحزبي والسياسي، كما أن حكومة كفاءات تعني في أدقِّ استعمالاتها توظيف رأس المال الفكري – إن صح التعبير- في تسيير الشأن السياسي. إن الظرف الحساس الذي نمر به يحتم على الطبقة السياسية والفكرية التعجيل بحل توافقي يحظى بالإجماع الوطني ويحافظ على استقرار الدولة وتكريس الشرعية الدستورية.
إن مبادرات الحل السياسي في ظل الحراك الشعبي يجب أن تراعي أمرا أساسيا وهو التعامل مع المؤسسة القضائية بمبدأ الثقة المتبادلة والكف عن المزايدات التي وصل بعضُها إلى حد وصف العدالة ب”العدالة الانتقائية” أو “الانتقامية” رغم أن كل المؤشرات تدل بما لا ينكره إلا مكابرٌ أنها على السكة الصحيحة وتمارس مهامَّها بكل احترافية وحيادية واضعة المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. إن التشكيك في العدالة يعني تكريس الفوضى التي إن استشرت في المجتمع فلا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.