احتضنت مؤسسة "أحمد ورباح عسلة" بالعاصمة، أوّل أمس، عرضا لفيلم "حكاية الفنون في الساحل 2019" للمخرجة دومينيك ديفينيه، بحضور الفنان التشكيلي المعروف دينيس مارتينيز المشارك في هذا الفيلم، حيث تصوّر الكاميرا أسبوعا كاملا من المهرجان الثقافي والفني الذي تحتضنه إحدى قرى منطقة القبائل. كل الفنون بقرية الساحل ببوزغن تتوالى مشاهد يوميات هذا المهرجان المقام في الساحل (بلدية بوزغن)، بتيزي وزو هذه القرية وما جاورها التي أصبحت وجهة الفنانين والكتّاب والجمهور من مختلف ولايات الوطن خلال الطبعة ال16 لهذا المهرجان الشعبي، كما كانت على مدار سنوات على موعد مع هذه الفعالية التي تجمع بين العديد من الفنون والأنشطة (الحكايات، الموسيقى، المسرح، الرسم الجداري، الحرف اليدوية، مسرح العرائس مسرح الحلقة،السينما، القراءة ورشات بيداغوجية للأطفال وعارض للصور واللوحات وفن الاسترجاع والمحاضرات والكرنفال وغيرها)، لتصبح هذه الفعالية بمثابة المغامرة الإنسانية والفنية الرائعة التي تجمع المشاركين والحضور في حب وسلام واحتكاك لا يعترف بالفرقة الاجتماعية ولا العلمية والجغرافية. للمهرجان الذي يقام سنويا منذ سنة 2004 في منطقة القبائل (كل مرة في قرية معينة)، دور محوري للحفاظ على التراث الثقافي الجزائري والأمازيغي، ناهيك عن إحيائه لبعض التقاليد العتيقة من ذلك مثلا تاجمعت والقوال والحكواتي وما يشبه التويزة أي العمل الجماعي زيادة على التآزر والتضامن، مع ورشات البناء التقليدي بالطين كما فعل بعض البنائين من تيميمون. يستضيف المهرجان فنانين من جميع أنحاء الجزائر وخارجها، يبدعون في حرية ويعرضون على المباشر أعمالهم من دون بروتوكولات أو رسميات ودون مقابل مالي، لتبدو وكأنها قطعة من الحياة المعاشة لذلك تكون أكثر صدقا وعمقا وبساطة. تلاحم يومي مباشر بين المبدعين والجمهور افتتحت اللقاء مخرجة الفيلم التي قالت إنّ المهرجان كان فضاء للإبداع والتلاقي التحم فيه الفنانون والمثقفون على المباشر مع الجمهور الآتي من كل مكان حتى من خارج المنطقة ومن خارج الجزائر، وكلّ كان يختار ما يبدعه ويعرضه أو يشاهده. تضمنّت مشاهد من الفيلم يوميات المهرجان الحية نهارا وليلا، لتبدو الطبيعة الجبلية للقرية وتبدو معها الراية الوطنية، مع توافد المشاركين بقوّة، ليتم استعراض كلّ ما تم تقديمه من ذلك جلسات الرسم مع الفنان دينيس مارتيناز الذي رسم على الجدران أجمل لوحاته، ثم استعراض نشاط نادي السينما وورشات الرسم للكبار والصغار، والدخول إلى المكتبات المتنقلة لاقتناء العناوين، مع المشاركة المتميزة لبعض الأفارقة خاصة في الرسم التشكيلي والموسيقى والحكايات الشعبية (ذات الطابع التاريخي السياسي المناهض للاستعمار والهيمنة) وكان من هؤلاء لبوان فواتوشي، وقد تضمّنت اللقطات أيضا شهادات من بعض المشاركين والمنظمين كان منهم الصحفي مصطفى بن فوضيل والمنشطة حلوان هنينا، وصف بعضهم الفعاليات بالشعبية . كان هناك أيضا لقاءات فكرية أغلبها عن التاريخ من ذلك تاريخ المنفيين الجزائريين وبعض أبناء المنطقة في زمن الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا الجديدة، زيادة على ندوات خاصة بالمرأة وقد تم بالمناسبة تحية نساء القرية اللواتي أشرفن على إعداد الطعام للمشاركين . تميزت الأجواء عموما بالبهجة عبر أزقة القرية وفي الساحات وغيرها والجميع كان مستمتعا ومستفيدا. البساطة هي أساس المهرجان عقب العرض، تدخّل السيد حسن مترف، أحد مؤسسي الفعالية والمدير الحالي للمهرجان مؤكدا على الالتزام بالحفاظ على التراث، مع الاعتماد على البساطة التي هي أساس هذا المهرجان بوسائل متواضعة، وبتلقائية في التعامل والإقامة فبعض الفنانين، مثلا كما بدا في الفيلم، كانوا يفضّلون النوم خارجا فوق سطوح بعض البيوت مستمتعين بالطبيعة والهواء العليل، كما استقبل المهرجان المشاركين والوافدين من كلّ أرجاء الوطن حيث شارك 500 فنان، لكن القرية وجدت نفسها تستقبل ألفي مشارك فيما دخل القرية من الجمهور حوالي 100 ألف زائر علما أن عدد سكانها لا يزيد عن 5 آلاف نسمة. أما الفنان مارتيناز فأشار إلى أنّ الفعالية ناجحة استقبلت الفنانين من كل الولايات منها قسنطينة وجيجل وعين تموشنت وسيدي بلعباس وغيرها، وقد ذكر أن حكواتيا من بلعباس قدم عرضا بساحة القرية حضره 3 آلاف متفرج، ما أثّر فيه، وقال إنّ هذا العدد لم يشهده حتى في مسقط رأسه، كما شكر بالمناسبة أهالي القرية الذين فتحوا كلّ الفضاءات وساهموا بكل ما يستطيعونه دون مقابل وكان الاحترام هو التعامل السائد.