"الحِلْم" صفةٌ مِن صفات الله عز وجل، و"الحَليم" اسمٌ مِن أسمائِه تعالى.. ومعنى هذه الصفة "الحِلم" أن الله متصف بالصفح والعفو مع القدرة على إيقاع العقوبة، فهو سبحانه لا يستفزه غضب غاضب، ولا يستخفه جهل جاهل، ولا عصيان عاص، ولا يستحق وصف الحلم مَنْ صفح عَنْ ضعف، وإنما الحليم هو الصفوح مع القدرة، المُتأني الذي لا يُعجل بالعقوبة. قال الطبري: "(حليم) لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم". وقال الزَّجَّاجيُّ: "اللهُ عَزَّ وجلَّ حليمٌ عن عبادِه، لأنَّه يعفو عن كثيرٍ مِنْ سيِّئاتِهم، ويُمهِلُهم بعد المعصية، ولا يُعاجِلُهم بالعقوبة والانتقام، ويَقبَل توبتَهم بعد ذلك". وقال الخطَّابيُّ في "شأن الدعاء": "(الحليم): هو ذو الصَّفح والأناة، الذي لا يَستفِزُّه غَضَبٌ، ولا يستخِفُّه جَهلُ جاهِلٍ، ولا عصيانُ عاصٍ، ولا يستحِقُّ الصَّافِحُ مع العجزِ اسمَ الحِلم، إنَّما الحليم هو الصَّفوح مع القُدرة، والمتأنِّي الذي لا يَعجَل بالعقوبة". وقال الحليمي في "المنهاج في شعب الإيمان":(الحليم): الذي لا يَحبِسُ أنعامَه وأفضالَه عن عبادِه لأجْلِ ذُنوبِهم، ولكِنْ يَرزُق العاصِي كما يرزُق المطيع، ويُبقيه وهو منهَمِكٌ في معاصيه، كما يُبقي البَرَّ التَّقِيَّ، وقد يقيه الآفاتِ والبلايا وهو غافِلٌ لا يَذكُرُه، فضلًا عن أن يدعوَه، كما يقيها الناسِكَ الذي يسألُه، وربما شغَلَتْه العبادة عنِ المسألة". و"الحلم" صفةٌ ثابتةٌ لله عز وجل بالكثير مِن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، ومِنْ ذلك: الأدلة مِن القرآن الكريم: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}(البقرة:235). قال البغوي: "أي: فخافوا الله، واعلموا أن الله غفور حليم، لا يعجل بالعقوبة على مَنْ خالف أمره ونهيه". وقال السعدي: "{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لمن صدرت منه الذنوب، فتاب منها، ورجع إلى ربه {حَلِيمٌ} حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم، مع قدرته عليهم". قال الله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}(البقرة:263). قال ابن كثير: "{وَاللَّهُ غَنِيٌّ} أَيْ: عَنْ خَلْقِه. {حَلِيمٌ} أيْ: يَحْلُم وَيَغْفِر ويَصْفح ويَتَجَاوَز عَنْهُم". وقال الطبري: "وأما قوله: {غَنِيٌّ حَلِيمٌ} فإنه يعني: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ} عما يتصدقون به، {حَلِيمٌ} حين لا يعجل بالعقوبة على مَنْ يَمنُّ بصدقته مِنكم، ويؤذي فيها مَنْ يتصدق بها عليه". وقال القرطبي: "{وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} أَخْبَر تعالى عَنْ غِنَاه الْمُطْلَق أَنَّه غَنِيٌّ عَنْ صَدَقة الْعِباد، وإِنَّما أَمَر بها لِيُثِيبَهُم، وعَنْ حِلْمِه بِأَنَّه لَا يُعَاجِل بِالْعُقُوبَة مَنْ مَنَّ وَآذَى بِصَدَقتِه". قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}(الإسراء:44). قال ابن كثير: "{إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} أَيْ: إِنَّه تعالى لَا يُعَاجِل مَنْ عَصَاه بِالْعُقوبة، بَلْ يُؤَجِّله وَيُنْظِرُه، فإِنِ اسْتَمَرَّ عَلى كُفْرِه وعِنَادِه أَخذه أَخْذ عَزِيزٍ مُقْتَدِر، كما جاء في الصَّحِيحَيْن: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي للظَّالِمِ (يُمْهِلُه)، حَتَّى إِذا أَخَذه لَمْ يُفْلِتْه (لم يُطلِقْه، ولم يَنفَلِتْ منه))، ثُمَّ قرَأ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(هود: 102)".