"نسعى إلى تعزيز علاقات التعاون والشراكة بين البلدين"    نواب الشعب اليوم في جلسة عامة يتناولون بنود القانونين    كنان الجزائر" توسع خطها البحري ليشمل ميناء كوبير بسلوفينيا    الرئيس تبون يدشن جناح العرض الجديد المسمى"جناح فلسطين"    ضرورة الحفاظ على إرث وتراث الدولة السورية الغني    الشعب الفلسطيني ما زال يقف على عتبة الأمم المتحدة منتظرا نيل حريته    أجواءً ممطرة وبارة على كل المناطق الشمالية للوطن    سيفي يشرف على توزيع جائزة رئيس الجمهورية للغة العربية    بناء خزّان روحي وطني لصد محاولات المساس بالمقدّسات    بوابة رقمية جديدة    الملك تشارلز يستقبل جزائريا أنقذ ركّاب قطار خلال هجوم ببريطانيا    عبدلي يعوّض عوّار    الكان على التلفزيون الجزائري    عطّاف يلتقي عبد العاطي    فتح استثنائي لقبّاضات الضرائب    "إنصات" للتكفّل بعرائض المواطنين في قطاع البريد    نداء استغاثة عاجل لإدخال البيوت المتنقلة إلى غزّة    50 % من المتعاملين في إنتاج السلع والخدمات هم في 10 ولايات    التحضير لمنتدى قادة شباب الجزائر    برلمان الطّفل الجزائري يعقد أولى جلساته الإثنين المقبل    عاصمة "الصخرة السوداء".. فضاء المستقبل    خنشلة : عملية تحسيسية تزامنا و التقلبات الجوية    دعم التعاون الجزائري الإثيوبي في المجال الأمني    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    تأخر كبير في التهيئة    مشاريع ابتكارية تعزّز ريادة الأعمال والاقتصاد الأخضر    "الشلفاوة" يحققون الأهم أمام "الحمراوة"    68 مداهمة شرطية لأوكار الجريمة    الأمطار الغزيرة تتسبب في حوادث مختلفة    أشبال عمروش من أجل التنافس على الريادة    صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بدعم الصناعة السينمائية    لقاءات تشاركية مع مهنيي السينما    المكتبة الرئيسية تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    قمة بملعب "نيلسون مانديلا" وتنقل صعب لترجي مستغانم    الاستلاب الحضاري المتواصل..!؟    المدينة الجديدة بالمنيعة.. مشروع عمراني ذكي برؤية تنموية متكاملة وآفاق استثمارية واعدة    بومرداس: مخطط تنموي متكامل لعصرنة المدينة وتحسين الإطار المعيشي    المجلس الشعبي الوطني يناقش غدًا مقترحي قانون تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية    نحو تعزيز إنتاج الأفلام وترقية الابتكار الشبابي.. وزيرة الثقافة والفنون تعقد لقاءات تشاركية مع صنّاع السينما    الأسرة السينمائية أمام إطار قانوني متكامل واضح المعالم : صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بدعم الصناعة السينمائية    الجزائر وتنزانيا تعززان التعاون الاقتصادي في مجالات الصناعة والنقل والسياحة والطاقة    كيف تعمل مراكز النصب السيبراني الآسيوية؟    الوزير الأول يشرف على مراسم توزيع جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية في طبعتها الأولى    الجزائر تترقب مواجهة الثأر أمام النمسا    تلاعب بأوامر الروبوتات يحوّلها لسلاح قاتل!    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    الاحتلال ارتكب 813 خرقا لسريان اتفاق وقف النار : قصف إسرائيلي متفرق وتوغل محدود شرق دير البلح    اليوم العالمي لمناهضة الاحتلال:دعوة بباريس لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آفة العنصرية والكراهية.. الصناعة والتسويق
بقلمبن عجمية بوعبد الله
نشر في الشروق اليومي يوم 31 - 10 - 2020

يولَد الإنسان على الفطرة النقية والسليمة كما جاء ذلك في كل التشريعات السماوية وأكدته البحوث والدراسات النفسية والاجتماعية على السواء، إلا أن البيئة التي يعيش فيها الفرد هي التي تجعله صالحا أو طالحا، مصلحا أو مفسدا، لطيفا أو عنيفا، سليم النفس أو معقد الميول، ديمقراطي أو مستبدّ، متعايش أو عنيف، يقبل الرأي الآخر ويتعايش معه أو مستبدّ برأيه محاولا فرضه بكل الطرق.
ونقصد بالبيئة التي يعيش فيها هي كل المؤسسات والأفراد والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والدينية التي يحتك بها الفرد في سنوات تنشئته الاجتماعية الأولى سواء كانت مجتمعاتٍ مفروضة كالأسرة والمدرسة، أو مجتمعاتٍ اختيارية كالمجتمع أو الصداقات والجماعات والمنظمات والأحزاب بمختلف توجهاتها وقناعاتها، ولذلك يقولون إن الدول والمجتمعات تحكمها المؤسسات لأن نظمها هي التي تجعل من الإنسان الفردَ الصالح أو العكس، الإنسان المنتج أو الخامل.
ويمكن إسقاط هذا المنطق على كل السلوكيات والقيم والمعتقدات، فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر "الديمقراطية"، فإنها كقيمة وقناعة وسلوك في الآن ذاته لا يمكن تبنيها عند الكِبر أو تقمُّصها بعد فترة النضج أو التمثيل وخداع الآخرين بأنك شخصٌ أو مجتمع ديمقراطي، في حين أن القناعة العميقة مستبدَّة ومتسلطة، وإنما السلوك الديمقراطي هو تنشئة اجتماعية ابتداء من الأسرة إلى المدرسة إلى الشارع إلى الإعلام إلى الممارسة السياسية على مستوى الدولة، وقس على ذلك قيم: الصدق والنزاهة والأمانة وإتقان العمل وقبول الآخر والتعاطي مع الحرية وثقافة الحقوق والواجبات…
ولعل من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي أصبحت تميز المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة وبشكل مبرمج ومعلن وموجَّه هو ظاهرة "الكراهية" و"العنصرية" بين أبناء الشعب الواحد، والذي زاد من انتشار وحدَّة وتفاقم هذه الظاهرة هي مواقع التواصل الاجتماعي التي يغيب فيه الرقيبُ والعقاب والحساب، ظاهرة دخيلة على المجتمع الجزائري غذتها عديد الأطراف المستفيدة سواء كانت أطرافا داخلية ذات أجندات مفسدة وفاسدة أو أطرافا خارجية تحاول تعكير صفو الوحدة الوطنية وتخريب نسيجها الاجتماعي القوي الذي كان وإلى وقت قريب يميز المجتمع الجزائري من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وهذه أسباب انتشار وتفاقم هذه الظاهرة:
– تراجع دور المؤسسات الرسمية في الجزائر، لأن الأصل الذي يضمن الوحدة الوطنية ويحميها ويرقيها هو الدولة بمختلف مؤسساتها، وهنا لا أقصد بالدور الفعال هو الشعارات والخطابات الرنانة، بل غرس هذه القيم كثقافة دولة وسلوك مجتمع. ونلاحظ في بعض الأحيان أيضا أن الدولة تشتكي من هذه الظواهر في حين أنها الجهة التي من المفترض أن تكون محل الشكاوى، فهي التي بيدها كل الوسائل والفضاءات والإمكانات لغرس هذه الثقافة ونبذ كل أشكال الكراهية والعنصرية.
– تراجع المؤسسات غير الرسمية أيضا عن أداء دورها في الحدِّ من انتشار هذه الظواهر، وللأسف الشديد نلاحظ كذلك انخراط بعض هذه الفضاءات بقصد أو بغير قصد كي لا نظلم بعضها لتشارك في انتشار هذا المرض النفسي والمجتمعي العضال إنتاجا وتسويقا، كالأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني…
– المنظومة التربوية القائمة على الحشو المعرفي والتلقين التقني للمناهج الدراسية دونما إنتاج فعلي وحقيقي يعزز من قيم المحبَّة والتسامح وقبول الآخر أيا كان توجُّهه وانتماؤه، ما أدى إلى تراجع كبير للمدرسة الجزائرية في لعب دورها الحضاري والفعال في تصدير أناس فاعلين وإيجابيين للمجتمع لتعزيز القيم التي من المفترض أن تعطيها لنا المدرسة كفضاء لا أقول تعليميا فقط ولكن كفضاء تربوي حارس للقيم إنتاجا وحماية وتسويقا.
– جزءٌ من المسؤولية يتحمَّله الإعلام أيضا بمختلف قنواته وجرائده ومواقعه من خلال التوعية والتحذير الدائمين من خطورة هذه السلوكيات الخطيرة التي تهدّد الأمن النفسي والمجتمعي للشعب الجزائري، فالإعلام هو المرآة العاكسة للمجتمعات سواء الانعكاس الايجابي أو السلبي، وستحل الكارثة الكبرى إذا ما انخرط الإعلام في عملية إنتاج وتسويق خطاب الكراهية والعنصرية وهذا الذي ينبغي أن لا يتسامح معه المجتمع أبدا.
– الخطاب المسجدي الذي انزوى في الجانب القصصي والشكلي من ديننا الإسلامي العظيم وشريعتنا الحضارية، بل وسقط في شراك التنميط والتكرار والخوض في المسائل التي لا ينبني عليها تقدُّمٌ أو ازدهار أو تنمية، فتحوَّل المسجد من منارة للتغيير المجتمعي العميق إلى مجرد محطة روتينية يرتادها الكثيرون ويخرجون منها كما يدخلون على اعتبار أداء الفرض لا أكثر ولا أقل، فإعادة الدور الحضاري للخطاب المسجدي كفيلٌ بمساعدة مؤسسات الدولة والمجتمع في القضاء على هذه الظاهرة المقيتة وعلى غيرها من باقي الظواهر التي خرَّبت، وما تزال تحاول، النسيجَ الاجتماعي الجزائري.
– غياب العقوبة والردع فاقم من تزايد الكراهية في المجتمع الجزائري والعنصرية وقد قيل: "من أمن العقوبة أساء الأدب" لا أقول غياب النصوص والتشريعات، فقانون العقوبات كاف لتجريم هذه السلوكيات يُضاف إليه القانونُ الأخير حول تجريم العنصرية والكراهية، لكن كل الجزائريين يعلمون أن المشكلة لا تكمن في النصوص وإنما في الرغبة والإرادة في تطبيق هذه النصوص وتطبيقها العادل والصارم على الجميع، مهما كان هذا الجميع مقتدرا أو له مقامات عليا في الدولة أو المجتمع.
– الصراعات الإيديولوجية والعرقية والإثنية والسياسية في الجزائر، ومن دون تأطير، ساهمت كثيرا في انزواء كل جماعة وحزب ومنظمة ومدرسة فكرية على نفسها مع أتباعها تناصب العداء للآخرين بالرفض والكراهية والإقصاء والتحريض، ما عمَّق هذه السلوكيات كثيرا بالمجتمع الجزائري ليصبح ثقافة عامة وسلوكا شائعا ومنتشرا بين عموم الجزائريين، وأصبح المواطن بدل أن يحتمي بالوطن بمختلف تنوعاته بات ينزوي إلى قبيلته وعشيرته وحزبه وعِرقه طالبا اللجوء والحماية وكأننا في دويلات داخل الدولة الواحدة.
– مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعا حقيقيا لنشر كل أنواع الكراهية والعنصرية والتطرُّف والعداء للآخر على اعتبار أنها فضاءات تقلُّ فيها الرقابة ويشعر فيها المعتدي والمتنمِّر والعنصري بحرية أكبر لأنه يمتلك صفحته الخاصة وهو من يديرها بالنشر والتسويق وهو رئيس تحريرها، فيكتب ما يشاء ويعلق عمن يشاء حتى ولو اقتضى الأمر اختباءه وراء حسابات وصفحات وهمية.
– غياب فكرة "العقد الاجتماعي"؛ هذه الفكرة المنتِجة التي جاء بها عالم الاجتماع الشهير "إيميل دوركايم" والتي تعني اتفاق المجتمع على مجموعة قيم ومبادئ وقناعات توحِّده وتجعله أكثر تماسكا ولحمة وقوة وإنتاجا ضمن منظومة من الاختلاف والتنوع الذي يزيد المجتمع قوة لا تفرقة وتشرذما وصراعا في إطار قوانين صارمة وثقافة واعية تستجيب بكل رغبة وقناعة لهذا العقد الواحد والموحِّد للشعب بمختلف انتماءاته وفي مقدِّمتها فكرة "المواطنة"، إذ نلاحظ في عديد الدول وصول مواطنين من أصول أجنبية وثقافات مختلفة إلى سدة الحكم وإلى مناصب سيادية في هذه الدول بخلفية المواطنة وليس بخلفية الأصول والجذور والانتماءات.
يحتاج مجتمعنا الجزائري فعلا إلى جهود كبيرة وتضحيات عظيمة وإرادة صلبة وقوية للقفز على هذا المشهد الأليم الذي نعيشه للأسف الشديد، وذلك من خلال الاشتغال الحقيقي والجاد والمسئول على الفضاءات التسعة سالفة الذكر، وذلك بفتح ورشات للتفكير والتخطيط والتنفيذ، وبشراكة ومساهمة كل فعاليات المجتمع من دون إقصاء أو تهميش أو تضييق، فنحن نعيش ضمن مجتمع واحد وبلد واحد الأخطار فيه على الجميع والمنجزات فيها للجميع أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.