عبد الناصر لا يوجد شعب في العالم الإسلامي يمجد شهر رمضان مثل الشعب الجزائري، فهو قد يفرط في كل أركان الإسلام، إلا في ركن الصيام، لكنه تمجيد يخرج للأسف عن إطاره الديني والإجتماعي، فيحول الشهر إلى كابوس يزلزل ميزانيات الناس ومعنوياتهم. فلا حديث هذه الأيام إلا عن شهر الصيام، فوزير التجارة الذي صام بقية الشهور عن الكلام، أفطر في شعبان، بالحديث عن الحليب وعن الخبز، ووزير التضامن الذي اختص في حافلات التضامن يتسحر هذه الأيام بالحديث عن القفة وما تحتويه من مواد قابلة للإلتهام، حتى رئيس الجمهورية تدخل من "خلوة" عطلته ليرفع الحصار عن السيدة "بطاطا"... مما يعني أن كل الطبول قد قُرعت والرايات رُفِعت إحتفاء بقدوم هذا الشهر الذي هو خير من ألف شهر بالنسبة للكثيرين من مرضى الإحتيال والنصب والجشع. الهلال عندنا يظهر في شهر شعبان، فالجميع في حالة تأهب قصوى حتى يخيل إليك أن البلد على مشارف حرب طويلة.. بل إنها دخلت الحرب فعلا، فالمساكن تحولت إلى مخازن لمختلف المأكولات من ضروريات وكماليات وحركة الموانئ التهبت بحاويات متخمة بالزبيب والأناناس، والحوانيت غيرت نشاطاتها لأجل بيع ما يدخل البلعوم من مأكل ومشرب، فالتعامل مع رمضان مازال يسير منذ سنوات بذات الوتيرة، إذ ترفع الدولة من "ريتم" استيرادها للمأكولات والتجار يراهنون على فرصة العام للثراء، والشعب مقتنع بشعار "إذا غلى الشيء زدت ثمنه بعدم الترك..". ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فحوادث السرقة والغش والإعتداء تتحول إلى وجبة أخرى تعاطاها الناس حتى بعد أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسو د، إذ تنشر مصالح الأمن والدرك الوطني ومصالح التجارة والمنافسة وقمع الغش كتائبها في كل المواقع، بينما يحرق المجرمون القدامى والجدد رايات السلام البيضاء في تمرد وعصيان إجتماعي ليحولوا الساحات إلى مواقع للتباري، فيسقط الضحايا في شهر الرحمة كما لا يسقطون في بقية الشهور ويقضي عامة الناس نصف يومهم في الطوابير أمام بنوك رهن المجوهرات وطلب السلفيات وترقب هلال الراتب الشهري، فتكتشف الكثير من العائلات فقط في هذا الشهر بكثير من البؤس والقنوط بأنها فقيرة معدمة المعروف في ديننا الحنيف أنه بحلول شهر رمضان توصد أبواب جهنم وتفتح أبواب الجنة وتشد الأغلال حول أيدي الشياطين.. لكن للأسف نشهد نحن مزيدا في انفتاح أبواب نار الأسعار وغلق محكم لأبواب جنة القناعة والرحمة، بينما يطلق سراح ما تبقى من الشياطين فيحولون شهر الرحمة .. إلى كابوس مرعب!