رئيس الجمهورية يجري تغييرا حكوميا: تشكيلة حكومة سيفي غريب    قطر تدعو إلى اتخاذ إجراءات "حقيقية وملموسة" لمنع تمادي الكيان الصهيوني بعد هجومه الأخير على الدوحة    وفد صحراوي يبحث بجنيف مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان الوضعية بالإقليم المحتل    المالوف من المدرسة إلى العالمية : الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    نظمته "الجاحظية"..لقاء تأبيني لاستذكار خصال الكاتب والمثقف الموسوعي محمد صالح ناصر    لغاية 21 سبتمبر الجاري..مواصلة أعمال الحفر والتنقيب بالموقع الاثري مرسى الدجاج    العدوان الصهيوني : ما يحدث في غزة "إبادة جماعية ممنهجة"    الجمباز /كأس العالم 2025 : تتويج كيليا نمور بذهبية جهاز العارضتين غير المتوازيتين بباريس    مناجم: مجمع سونارم يستقبل وفدا تشاديا لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي    أمن ولاية الجزائر: الاطاحة بعصابة مختصة في سرقة المنازل وحجز أسلحة بيضاء محظورة    تواصل فعاليات المخيم التكويني للوسيط الشبابي للوقاية من المخدرات بالجزائر العاصمة    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    أم البواقي.. الانطلاق قريبا في إنجاز مشروعين للماء الشروب بعين كرشة وعين ببوش    بوغالي يرحب باعتماد الأمم المتحدة قرارا مؤيدا ل"إعلان نيويورك" حول حل الدولتين    81 مشروعا جمعويا يستفيد من برنامج دعم وتمويل الشباب لسنة 2025    إفريقيا لم تعد تقبل بالأمر الواقع    معرض الجزائر سيسهم في سد فجوات تنموية    كريمة طافر تترأس اجتماع عمل    افتتاح الدورة البرلمانية: بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا مع رؤساء المجموعات البرلمانية    التزام ثابت ومقاربات فعّالة لخدمة القارّة    التسجيل في التحضيري يبدأ يوم 28 سبتمبر    تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهما    غالي يدعو إلى الضغط على المغرب    خطة صهيونية لتهجير فلسطينيي غزّة    اليوم الدولي للديمقراطية : مجلس الأمة يبرز الخطوات المحققة لصالح تمكين المرأة في الجزائر    سوق أهراس تستقبل الموروث الثقافي لولاية إيليزي    البطولة الإفريقية للأمم لكرة اليد لأقل من 19 سنة إناث: المستوى الفني كان "جد مقبول"    توقف 03 أشخاص في قضيتين متفرقتين    ضبط أزيد من 2 كلغ من الكيف المعالج    الأولوية الآن بالنسبة للفلسطينيين هي حشد الاعتراف"    توقيع عقود شراكة خلال أيام المعرض فاقت 48 مليار دولار    الرابطة الأولى "موبيليس" (الجولة الرابعة): النتائج الكاملة والترتيب    لا دعوى قضائية من مالي ضد الجزائر    ماكرون في عين إعصار غضب "الخريف الفرنسي"    قسنطينة: مشاركة مرتقبة ل10 بلدان في الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    تسريع وتيرة إنجاز صوامع تخزين الحبوب عبر الولايات    متابعة لمعارض المستلزمات المدرسية وتموين السوق    "مدار" توقّع مذكرة لتصدير السكر إلى ليبيا    إصابة آيت نوري تتعقد وغيابه عن "الخضر" مرة أخرى وارد    آدم وناس يسعى لبعث مشواره من السيلية القطري    عوار يسجل مع الاتحاد ويرد على منتقديه في السعودية    التحضير النفسي للأبناء ضرورة    حفر في الذاكرة الشعبية واستثمار النصوص المُغيَّبة    المهرجان الدولي للرقص المعاصر يعزف "نشيد السلام"    جهازان حديثان لنزع الصفائح الدموية    وفاة سائق دراجة نارية    بقرار يتوهّج    مؤسّسة جزائرية تحصد الذهب بلندن    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الفنان التشكيلي فريد إزمور يعرض بالجزائر العاصمة "آثار وحوار: التسلسل الزمني"    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون حاربوا بومدين وعبد الناصر وتصالحوا مع أنظمة تتودد لإسرائيل وعميلة للغرب
المفكر الأستاذ صالح عوض، في حوار ل"الشروق" / الحلقة الثانية
نشر في الشروق اليومي يوم 13 - 08 - 2014

يشير المفكر صالح عوض، في الحلقة الثانية من حواره مع "الشروق"، إلى تراجع التيار الإسلامي عن الجهاد في فلسطين لمدة 40 سنة من تواجد الكيان الصهيوني، وأن دخول حماس المعركة جزئي وليس ضمن إعلان عام للإخوان ويعتبر ذلك من غياب الرؤية والاستراتيجية الذي دفع الأحزاب الإسلامية إلى السقوط السياسي عبر الأقطار العربية، حسب تحليله.
ربطت الجماعة علاقات إقليمية مع حركات مماثلة في أقطار عربية وإسلامية، فكيف اتسمت تلك العلاقات؟
هناك سمات أصبحت واضحة في الحركة الإسلامية المعاصرة، نحن نستذكر الحركة الإسلامية في الجزائر، الأردن، تونس، ليبيا، فلسطين وسوريا وأكثر من مكان: إنها حركات غير ثورية لا تحمل رؤى جذرية، إنما هي تدخل في العمل السياسي من باب مصلحي بحسابات غير استراتيجية، ولو نضرب مثالا في تونس أو الأردن أو في المغرب.. هناك محاولات للمصالحة مع النظام على حساب قضايا المجتمع، مثلا أنا لا أفهم كيف يتصدى الإخوان في مصر لعبد الناصر ويتصدون في الجزائر لبومدين؟ في حين يتوددون مع الملك حسين في نظام الأردن ومع الملك المغربي ومع أنظمة عربية أخرى مثل السعودية وقطر وغير ذلك.. هذا أمر غير مفهوم وأنا أعتقد أن بومدين وعبد الناصر طرحا قضايا الأمة، فطرحا التصنيع وتقدما في الصناعة تقدما واضحا وهذا يهم عزة الأمة ومناعتها، وطرحا الفلاحة وتقدما فيها وسحباها من يد القطاع حليف الاستعمار ومنحاها للفقراء، وحاولا نشر عدالة اجتماعية وحاولا القيام باكتفاء غذائي، وقاما بحملة ضد الأمية، وحاول بومدين أن يرجع العربية إلى اللسان الجزائري، وتصدى بومدين وعبد الناصر للمشروع الأمريكي والصهيوني والغربي بكل قوة، وعبد الناصر حارب في الجزائر ضد فرنسا وبومدين حارب في فلسطين ضد الكيان الصهيوني إلا أن الاثنين واجها حربا شعواء من حركة الإخوان المسلمين.. هل من أحد يستطيع فهم موقف الإخوان من الاثنين إلا على اعتبارات مصلحة التنظيم؟ ولقد سبق للشهيد سيد قطب أن حذر من مقولة مصلحة الدعوة.

ربما خلافهم معهما في قضية القومية والاشتراكية؟
أنا لا أبرئ بومدين ولا أبرئ عبد الناصر، وبالذات هذا الأخير، أقول إنه ارتكب تجاوزات في حق الإخوان وتعسف وظلم، لكن الإخوان لم يدرسوا ظاهرة عبد الناصر الذي دعا إلى ثورة فلاحية وثورة تصنيع، وجعل العلم مجانيا والطب مجانيا ورفع مستوى الحياة ليبسط استقلال المجتمع وكرامته، فلم يفكروا كيف يتعاملون مع الظاهرة، ولم يلتزموا الحكمة في التعامل معه، هم رأوا في عبد الناصر خطرا على التنظيم فتصدوا له، ولم يقدموا المصلحة العامة للأمة.. فكان الأفضل لهم في تلك المرحلة حل تنظيم الإخوان أو التكيف مع نظام يرفع شعاراتهم في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية.
نفس الشيء في الجزائر، ما الذي فعله بومدين ضد أهداف الحركة الإسلامية؟ إنها مشكلة كبيرة إذا لم نعتقد أن التصنيع والاكتفاء الذاتي والتعليم والتطبيب من مقاصد الشريعة بل هي رسالة الإسلام تفرض على الإسلاميين دعمها وتأييدها.

ربما حملوه مسؤولية بداية مظاهر الانحلال الخلقي؟
لا، جاء بومدين وكان كلامه: أنه من ضمن أسباب إزاحة بن بلّة، هو أن بن بلّة سجن الشيخ البشير الإبراهيمي، ومن شهادات شيوخ جمعية العلماء سمعت أن بومدين حاول أن يتقرب إليهم، وقد جعل بومدين في كل قرية فلاحية مسجدا وفي كل ثكنات الجيش الجزائري مساجد، ودافع عن اللغة العربية دفاعا مستميتا وذهب إلى الأمم المتحدة وتكلم باللغة العربية.. وكان دفاعه عن فلسطين وقضايا الأمة منقطع النظير.
يمكن أن أختلف مع بومدين في الفوارق، لكن أقول إن بومدين مشروع أمة ومشروع مجتمع باجتهاده في الفلاحة والزراعة والصناعة والطب المجاني والعلم المجاني. والسياسة الخارجية.. فما هو مسوغ التصدي له بالعنف؟

ألا تعتقد أن تجاوزات بومدين وعبد الناصر تجاه الإسلاميين أججت الصراع بين الطرفين؟
أنا لا أصادر حق أحد في أن يختلف مع فلان أو علان، لكن أقول يمنع التصدي لمن يرفع من شأن الأمة، فيما يواد نظاما آخر يعيش في حالة وئام وسلام مع إسرائيل، والذي يمنع أي محاولة لمقاومة الشعب الفلسطيني، ويقوم بحالة من السكوت إزاء أنظمة عربية بل يتحالف معها، وهي صديقة للأمريكان وصديقة للفرنسيين والأجانب. بمعنى أنا أقول هنا جملة مركزة أن الإخوان المسلمين ليس لديهم رؤية واضحة لطبيعة النظام السياسي، وليس لهم معيار للموقف السياسي إلا ما له علاقة فقط بمصلحة التنظيم وبطريقة سطحية.. هم يشتغلون بسياسة بلا ضوابط مع النظام.
أقول أي نظام تريدون؟ لماذا أنتم تأتون إلى الأنظمة التي تتصارع مع أمريكا والغرب وتتصارعون معها؟ والأنظمة الحليفة والعميلة للغرب تتصالحون معها، لماذا؟ أنا أرجع ذلك إلى أن الإخوان المسلمين لا يعرفون بالضبط ماذا يريدون، هم يريدون أن يصلوا هم، ولكنهم لا يعرفون ماذا هم فاعلون إذا وصلوا.. هم مستعدون لتنفيذ برامج غيرهم وليست لهم رؤية في الحكم. المهم بالنسبة إليهم أن يصل أشخاصهم إلى الحكم كيفما اتفق.

أتعتقد فعلا أن هذا السؤال لم تكن له إجابة سابقة لدى الإخوان؟
وحتى الآن، هم لا يعرفون طبيعة النظام الذي يريدون، لذلك هم لا يعرفون لماذا يصارعون ولماذا يتصالحون، ولا يدققون جيدا في خطورة التصالح والتصارع، يتصالحون مع أنظمة عميلة ويتصارعون مع أنظمة ثورية تدافع عن فلسطين وعن الأمة، هذا يعنى أن الفكر السياسي لدى الإخوان المسلمين ليس فكرا ثوريا وليس فكرا جذريا بل هو سياسة مهزوزة غير مفهومة على المستوى السياسي.

لو قلنا بأنها ثورية معناه سيكون لها صدامات مع النظام؟
لا، لو كانت ثورية ستكون لها محددات في السياسة، فليس ممنوعا عليها أن تصطدم بل ممنوع عليها أن تصطدم بلا معرفة وبلا محددات، ماذا تريد؟ هل هي تريد على المستوى الاجتماعي أن تتحالف مع البرجوازية والإقطاع ومع أصحاب المال؟ أم أنها ستكون حليفة للشعب المطحون المغلوب على أمره المسكين الذي تنهكه البطالة، الصناعة المدمرة والزراعة المشتتة والبنيان الاجتماعي المهدم؟ مع من تتحالف؟ هذه الطبقة الأولى هي التي دمرت الصناعة ودمرت الزراعة ودمرت الشباب وحتى المجتمع، لا يغنى غني إلا بفقر فقير.. هذه الأموال الموجودة الآن عند الإقطاع والبورجوازية وأصحاب رأس المال هي أموال الفقراء، فما هو موقف الحركة الإسلامية من ذلك؟ ولهذا كان المفكر الكبير سيد قطب ثوريا في رؤيته، فكتب كتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام.. يحارب فيه الإقطاع والبرجوازية وأصحاب المال على اعتبار أنهم ناهبون ليس فقط لمال الشعب، بل هم ناهبون لأمل الشعب في النهضة، لأنهم يشرفون على تدمير صناعته وفلاحته، ليصبح كل شيء عندهم استيرادا.
تتحالف الحركة الإسلامية مع من؟ عندما اصطدمت مع عبد الناصر وعندما تصالحت مع النظام الأردني أو النظام السعودي أو الملك المغربي، أنا لا أجيب، فعليها أن تجيب هي.

تريد القول إنها لا تدرك مصلحتها من وراء مواقفها السياسية؟
أنا أطرح الأسئلة على سبيل التفكر، لأنه لا يمكن أن نتخيل حجم هذه المأساة مما وصلت إليه الحركة الإسلامية، ففي تونس تتنازل الحركة عن الإسلام والشريعة، وتنخرط بانتهازية غير حميدة في حركة مجتمع ليس لها علاقة بأي تغيير أو ليس لها أي بصمة في المجتمع التونسي وتقدم تنازلات على صعيد الموقف السياسي والتوجهات العامة للبلاد، أو نراها في المغرب تقبل يد الملك وتسير في برنامجه في ظل تفشي سلطة اللوبي الصهيوني في التجارة والسياسة الخارجية، أو نراها في مصر في السجون من رئيس الجمهورية إلى أسفلها بمرشدها وكوادرها.. هنا قد يصار إلى القول إن هذه ابتلاءات لإقناع الأتباع.. أعتقد أن هذا ليس مفيدا.

هذه بحسبك إخفاقات سياسية للحركة الإسلامية؟
هذا ما يحصل في كل مكان، ففي غزة بعدما كانت برئيس حكومة تخرج من الحكومة إلى المجهول بعدما خنقت الشعب لمدة 10 سنوات، وفي سوريا تدخل حربا دامية مع النظام، وفي الأردن مشاركة في برلمان يعترف بإسرائيل، وغير ذلك من التجارب الفاشلة أليس هذا كله مدعاة لمراجعة التفكير.

أليست ظروفها وأوضاعها دفعتها إلى تلك المواقف وفقا لمصلحة مجتمعاتها؟
أي مصلحة لمجتمع أنا أتصدى فيها لبومدين أو أتصدى فيها لعبد الناصر.. وأسكت عن ناهبي أموال الشعوب وأصدقاء الصهاينة والأمريكان والموطئين لأعداء الأمة بقواعد عسكرية على أراضي العرب والمسلمين وليس فقط أسكت بل أسعى إلى مودة هذه الحكومات؟ أي مصلحة للمجتمعات في هذا؟

في الجزائر يقال إن المشكل خلقي كموضوع الحجاب ومنع اللحية والحريات؟
الإسلام ليس الحجاب واللحية أو كذا، ولم تمنع مسلمة من لبس الحجاب أو رجل من إعفاء اللحية، بالعكس كان نهوض للفكر الإسلامي شهدته الجزائر في عهد بومدين، وأي فكر إسلامي.. ملتقى الفكر الإسلامي يأتي إليه بدعوة من بومدين كل مفكري العالم الإسلامي معززين مكرمين في أفخم الفنادق ويلتقي بهم شخصيا، ولا يجعله لقاء مغلقا على العلماء، بل يأتي بآلاف الطلاب من الجامعات لحضور المؤتمر وتفتح الأحياء الجامعية في الصيف.
وكان الفكر الإسلامي يناقش كل القضايا بجرأة شديدة، ثم كان في الجزائر مالك بن نبي يدير حلقاته بحرية، كما كانت معارض للكتاب الإسلامي في كل الأحياء الجامعية، ولم يتصد أحد للفكر الإسلامي هنا السؤال: أنتم وقفتم ضد بومدين، ولم تختلفوا معه فكريا بإلقاء بمحاضرة، أو ندوة سياسية بل عملتم عملا منظما ضده مع التحريض عليه، فلماذا هكذا؟ هنا تتعرض للسجن وفي مصر كذلك، ولماذا لا تتعرض للسجن في السعودية وأمام الملك حسين ومشايخ الخليج؟

تتهم الحركة الإسلامية بأنها لم تحدد هدفها الاستراتيجي بالضبط إذن، فمثلا في النقابات نجد نقابات ثورية لتسقط النظام وأخرى مطلبية لتحسين وضع المجتمع؟
اختلطت أمورها وأنا واثق بأنها لا تريد النظام العربي، فمن هذا الباب ثورية جذرية وأساليبها في ذلك إصلاحية أو عنفية، إصلاح حيث لا يكون إصلاح وعنف حيث لا يكون عنف.
ويفترض عليها أن تتفق مع بومدين ومع عبد الناصر، في قضايا إصلاحية تتعلق بتصنيع البلد والثورة الزراعية والتعليم والطب المجاني والتصدي لإسرائيل وأمريكا ويعملون بجدّ واجتهاد معهما لأنها قضاياهم، ويقال لهما: لدينا مطالب في الموضوع كذا وموضوع كذا، والشعب يحتاج كذا وكذا.. وأن نأتي إلى نظام مستبد ينهب ثروات البلد ويقال له: لا، نحن ضدك في كذا وكذا، أوقف هذه الشركات الضخمة التي تنهب ثروات البلد أوقف هذا الارتباط الآثم مع الإدارة الأمريكية أخرج القواعد الامريكية وأوقف هذا الإفساد الرهيب الذي تمارسه في البلد من الحشيش والأفيون والمخدرات وربطها في تجارتك واقتصادك بحركة العجلة الصهيوينة، هذا موقف وهذا موقف.. لكن الصورة منقلبة تماما..
أنا لا أقول إن الإخوان المسلمين جبناء.. إنهم رجال مبادئ بدليل أنهم يدخلون السجون كرجال وأبطال ولكنهم يفقدون الرؤية.

أنت تتهمهم بأنانية البحث عن تحقيق النصر على أيديهم بدل غيرهم؟
هذه من النقاط، لكن هم في مشكلة.. أنهم دائما ينظرون إلى الخارج أي الغرب ماذا يقول، لماذا علاقاتهم مع الأنظمة حليفة الغرب؟ هم لا يرحبون بأي نصر لا يأتي على أيديهم.. فمثلا تجربة السودان المنتصرة تركوها وحدها ولم يعيروها اهتماما بل يكون لحقها منهم بعض الغمز.

أنت تشير إلى اتهام آخر يتعلق بولاءات خارج البلد؟
علاقاتها داخل البلد لا توجد معايير في العلاقات مع النظام، ومع الحركات السياسية هناك ما هو أخطر وأسوأ. أما خارج البلد فأنا لا أتهم ولكني أقول هناك خدمات مجانية غير مفهومة.

تقصد مع التنظيمات المماثلة لها؟
المماثلة لها والمخالفة، هناك غياب نظرية سياسية لدى الإخوان المسلمين، هناك سلوك سياسي لكن لا توجد نظرية سياسية تحتكم إلى معايير.

هل كانت لها نفس المسافة مع بقية الحركات والقوى السياسية؟
أنا أعتقد أن الإخوان المسلمين كأكبر قوة سياسية في الوطن العربي مفتوحة عليها جبهات عديدة، وهي لا بد أن تكون مؤهلة للرد والإجابة على كل هذه الجبهات، لا أن تعتقد أنها إذا لم تجب هي في منجاة، ترد على موضوع فلسطين والعلاقة مع الغرب وأمريكا بالذات، والعلاقة بالنظام أين تلتقي وأين تفترق، ومع القوى السياسية ومع القوى العلمانية الموجودة في بلدانها، والعلاقة في المجتمع الإسلامي بين المسلمين وغير المسلمين، أسئلة عديدة.. ثم، ما هي رؤيتها في الاقتصاد في الاجتماع وفي الثقافة في الصناعة والتفتح على العالم؟ ثم تبحث عمن تتقاطع معه فإذا تقاطعت مع النظام في 60 بالمائة تقول نحن معك وننجحك، وإذا تقاطعت 30 بالمائة تدافع عن تلك النسبة، ثم إذا تقاطعت مع تنظيمات وقوى سياسية إسلامية وغير إسلامية بنسبة 80 بالمائة تدخل من باب مفتوح، هنا أرجع مكررا المشكلة الجوهرية فيما تلبس فيه فكرة التنظيم والمرجعية، الذي يحرمها من الانفتاح على الآخرين ويبقيها في الغيتو.

تعتقد أن كل علاقاتها لم تكن صحية أو سليمة؟
إنها مترددة متوجسة نحو الآخرين، ولا تقيم علاقات مفتوحة وعلى اتفاقيات واضحة وعلى رؤى حقيقية لديها إنما تقيمها على صفقات.. وتحيط سلوكها بمزيد من الريبة والتوجس لأنها غير قادرة على التعايش مع الآخر.

أنت تبرئ الآخرين وتلقي كل اللوم على التيار الإسلامي؟
لا.. أبدا أنا أبحث عن أسباب فشل الحركة الإسلامية ومن غير المنطقي أن أتحدث في هذا السياق عن مكر الآخرين وتآمرهم لأن هذا معلوم من السياسة بالضرورة.. صحيح هذا الذي تحدثناه عن الحركة، لكن ليس معنى ذلك أن الآخرين أبرياء أو ما شاء الله عليهم طيبون وكرام، لكن الحياة والطبيعة لا تعرف الفراغ، والناس يملؤون مواقعهم غلابا، والآخرون منتبهون وفاتحون كل الجبهات على التيار الإسلامي، وفي اللحظة التي تغفل فيها الحركة عن أي جبهة ستسقط هناك.
الدنيا صراع، والانتصار في الدنيا مبني على سنن وقوانين ونواميس ومن يجمع الأسباب ينتصر، ومن يتخل عنها سيفشل وينهزم حتى ولو كانوا الصحابة، هذا كلام مهم ليس لأنك مسلم وترفع الشعار الإسلامي فإنك منتصر، وليس لأنك انهزمت فهذا ابتلاء من الله فقط، بل هذا عقاب من الله، عندما ترك المسلمون الجبل وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انهزموا عقابا من الله، أما تقديم كل هزيمة تحصل لهم على أنها ابتلاء من الله كأنهم أنبياء.. لا، ما تواجهه الحركة الإسلامية في تونس هذا مسخ لها، لأنها تراجعت عن الشريعة الإسلامية، ماذا تريد؟ تريد أن تصل بأشخاصها، لا.. غير معقول، لا يوجد لديها برنامج ولا يوجد شيء، ثم يأتون بأقربائهم وزراء وأعيانا وكذا.. مثلهم في سلوكهم مثل سلوك الآخرين.
أنت تأتي في المغرب، ماذا تفعل؟ اقتصاد مركب مع الحركة الصهيونية، أدوار مخربة للمنطقة، سياسة تبحث عن تقسيم المنطقة، ماذا تفعل أنت في الحكومة؟ إذن أنت تريد أن تحكم لا تريد أن تُحكّم شرع الله، تريد أن تحكم أنت باسم شرع الله.

هل احتكت هذه التنظيمات وتقاربت من المجتمع، وعاشت قضاياه وهمومه؟
للأسف الحركة الإسلامية تدافع عن قضايا الآخر، وليس قضايا الواقع، أتذكر هنا قولا رائعا لابن باديس، لمن أعيش؟ فقال: "للجزائر وللإسلام"، أضرب هنا مثالا، فلسطين محتلة ومغتصبة منذ 1948، واليهود الصهاينة والغربيون شرّدوا أهلها، وجرحها مفتوح ويترع دما، فما هو موقف الإخوان المسلمين الفلسطينيين منذ 1948؟ ففي حين دفعوا للتطوع والمشاركة في قتال أفغانستان بشبابهم من كل الأقاليم العربية والإسلامية اكتفوا في فلسطين ببيانات أو في أحسن الأحوال وأخيرا بجمع تبرعات تصل إلى إخوانهم في التنظيم الإخواني في فلسطين.. إنه أمر محير حقا ولكن لا يمكنني إلا أن أحيله لعدم وجود رؤية.

هم كانوا يتبنون القضية الفلسطينية؟
في هذا المجال والمكان فيما يخص فلسطين، لا مكان للكلام هذا مكان للدم والقتال والجهاد، كما كان شأنهم في سوريا وأفغانستان وإلى حد الآن لم يعلنوا كتنظيم دولي الجهاد على إسرائيل.

ربما استراتيجية لعدم الجهر بالجهاد؟
لكنه أعلن ذلك في أفغانستان، فما يجعلهم يتدافعون هناك؟ ولا يتدافعون لقتال الكيان الصهيوني من قواعد جنوب لبنان وحدود الأردن كما كانت تفعل المقاومة الفلسطينية فتح الشعبية؟

لكن حسن البنا كان يدعو إلى الجهاد في فلسطين؟
وماذا بعد حسن البنا ؟ هل انتهت قضية فلسطين؟ إن مبررات استمرار الجهاد موجودة فلماذا توقف؟ أنا قلت ما هو موقف الإخوان المسلمين الفلسطينيين من 1948 إلى سنة 1987، أي 40 سنة، خلالها قاتل الوطنيون وقاتل الشيوعيون وقاتل القوميون، قاتلت فتح وقاتلت الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والصاعقة.. تنظيمات قومية وطنية ويسارية وسقط شهداء كثيرون، فأين كانت الحركة؟ أين الإخوان المسلمون الأردنيون الذين ينحدر معظمهم من أصل فلسطيني؟ أين هم من الجهاد؟ أين الإخوان المسلمون اللبنانيون والسوريون؟ أليست فلسطين قلب بلاد الشام؟
كان عبد الله عزام أحد قيادات الإخوان في فلسطين يذهب بأسرته إلى أفغانستان ليقاتل الاتحاد السوفياتي الاحتلال الشيوعي لأفغانستان ويستشهد هناك، لقد كانت فلسطين أولى به.. كانت دعوة إلى بعث شباب الإخوان المسلمين الفلسطينيين إلى القتال في أفغانستان.. كيف نفهم هذا؟
هل هذا يعقل؟ عندما يهب الشعب الفلسطيني بكل فصائله على نهر الأردن بعد 1967حربا على إسرائيل، أن يتخلى الإخوان المسلمون الفلسطينيون في الأردن عن واجب المشاركة في الجهاد للاستشهاد من أجل فلسطين؟ هل كان ينبغي أن ينتظروا 40 سنة حتى يبدؤوا الحرب من غزة؟ ومازال الإخوان المسلمون في الأردن حتى الآن، وهم على الخط مع فلسطين لا يقاتلون من أجل فلسطين ما يمنعهم؟ فيتركون الصهاينة على مرمى حجر، ويذهبون على بعد 2000 كلم، فهذه معركة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا لا ناقة لنا ولا جمل فيها.

هل تريد القول إن علاقاتهم الإقليمية أثرت على أهدافهم؟
لا أميل إلى اتهام لكن أقول إنه تغيب عنهم الرؤية، ممكن جدا أن تكون أنظمة الخليج والسعودية قد أوحت إليهم بأن وجودهم في المعركة ضد الاتحاد السوفياتي سيجعلهم يأخذون أكثر نصيب في المنطقة، ويمكن أمر آخر أن هذا عدو شيوعي لكن لماذا التراجع عن قتال العدو الصهيوني وهو أسبق في قضية أكثر وضوحا.
وكيف يقف الإسلاميون ضد السلطة الفلسطينية ضد ياسر عرفات لأنه وقع اتفاقية مرحلية "أوسلو" وليس فيها صلح ولا إنهاء صراع؟ ويتحالفون مع الملك حسين الذي وقع اتفاقية "وادي عربة"؟ ثم كيف يحاربون الأسد الذي رفض "كامب ديفد" ولا يحاربون نظام مصر الذي صنع "كامب ديفد"؟ ولهذا نقول إن مصلحة الإخوان ليست مصلحة الأمة بل مصلحة التنظيم.

ذهبوا هناك بحجة إنقاذ المسلمين؟
تترك هنا شعب فلسطين المرابط والأرض الوحيدة المذكورة بالمباركة في القرآن، وتذهب إلى جبال أفغانستان أين توجد تجارة الحشيش والموقع الاستراتيجي لأمريكا وروسيا.. أليس في فلسطين مسلمون ومستضعفون يحتاجون إلى من ينقذهم؟
لقد كانت معاركهم في أكثر من مكان لمصلحة حزبية، وليست معارك الشعب وليست قضايا الناس، هانحن نرى مثلا في المغرب فبدل أن تخوض الحركة حربا ضد النظام من أجل الدفاع عن الناس وكرامتهم وتحرير الاقتصاد المغربي من اللوبيات الصهيونية وتعديل النظام السياسي الذي يريد تخريب المنطقة وإثارة الفتن والقلاقل.. ينخرطون في الاستوزار والتنعم بمواقع السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.