خالص التعازي إلى فخامتكم وإلى الشعب الروسي الصديق    الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية بالغة لعلاقاتها مع الجزائر    ضمان اجتماعي: لقاء جزائري-صيني لتعزيز التعاون الثنائي    الرئيس تبون مستشار ترامب : إلتزام قوي لتعزيز العلاقات التجارية والأمنية    تحقيق صافي أرباح بقيمة مليار دج    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    إطلاق مشروع لإنتاج قطع غيار المركبات والشاحنات    الجزائر تسعى إلى جعل الجنوب الكبير قطبا زراعيا استراتيجيا    إقامة شراكة اقتصادية جزائرية سعودية متينة    المجلس الوطني الفلسطيني: اعتراض الاحتلال للسفينة "حنظلة"    إستشهاد 12 فلسطينيا في قصف على خانيونس ودير البلح    الاتحاد البرلماني العربي : قرار ضم الضفة والأغوار الفلسطينية انتهاك صارخ للقانون الدولي    حماس تعلق على الخطوة "الشكلية والمخادعة":إنزال مساعدات جوا في غزة خطوة شكلية لتبييض صورة إسرائيل    رغم الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار.. استمرار القتال بين كمبوديا وتايلاند    وهران.. استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الوطنية المقيمة بالخارج    3,4 مليون تلميذ يستفيدون من المنحة المدرسية    شرطة الشلف تسترجع مركبتين محل سرقة    وفاة 8 أشخاص وإصابة 261 آخرين    ترقب استمرار موجة الحر    الجزائر العاصمة.. حملة لمحاربة مواقف السيارات غير الشرعية    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    وزير الثقافة والفنون يشدد على "ضرورة بلوغ أعلى درجات الجاهزية" لإنجاح الصالون الدولي للكتاب بالجزائر (سيلا 2025)    بيسط: الشعب الصحراوي سينتصر    مصارعة /الألعاب الإفريقية المدرسية: المنتخب الوطني يحرز 10 ميداليات منها 7 ذهبية في مستهل المنافسة    المولودية تتسلم الدرع    أشبال بوقرة يستأنفون تحضيراتهم للمنافسة القارية    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    إنجاز مشاريع تنموية هامة ببلديات بومرداس    المخزن يستخدم الهجرة للضّغط السياسي    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    خطوات استباقية لإنجاح الدخول المدرسي بالعاصمة    870 ألف مكتتب اطلعوا على نتائج دراسة ملفاتهم    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر 2025): القافلة الأولمبية الجزائرية تحل بعنابة    البطولة العربية للأمم ال 26 لكرة السلة /رجال/ الجولة الثانية: فوز كبير للمنتخب الجزائري على نظيره الاماراتي (99-61)    تحذيرات تُهمَل ومآس تتكرّر    مهرجان الأغنية الوهرانية يسدل ستاره    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    مشروع السكة الحديدية أم العسل – تندوف: وتيرة إنجاز متسارعة نحو تحقيق الربط المنجمي الكبير    كان "شاهدا وصانعا ومؤثرا" في تاريخ الصحافة الجزائرية    اختتام مهرجان الأغنية الوهرانية في طبعته ال16: تكريم الفائزين ولمسة عصرية على النغم الأصيل    جثمان المخرج سيد علي فطار يوارى الثرى بالجزائر العاصمة    الجزائر تحتفي بعبقرية تشايكوفسكي في حفل موسيقي عالمي بدار الأوبرا    تعزز الجهود الوطنية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية    الجزائر تشارك في قمة الأمم المتحدة لمتابعة أنظمة الغذاء بأديس أبابا    الجزائر رافعة استراتيجية للاندماج الاقتصادي الإفريقي: معرض التجارة البينية 2025 فرصة لترسيخ الدور الريادي    استشهاد 1200 مسن نتيجة التجويع خلال الشهرين في غزّة    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر-2025): برنامج ثقافي وترفيهي وسياحي ثري للوفود الرياضية المشاركة    افتتاح واعد مُنتظر هذا السبت بسطيف    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفى الشريف والموقف من الحداثة الغربية‬
نشر في الشروق اليومي يوم 23 - 05 - 2015

يلاحظ المرء الخلط الشائع والمتكرر بين مصطلح الحداثة ومصطلح الحداثية في‮ ‬الكتابات السياسية الفكرية،‮ ‬وفي‮ ‬النقد الأدبي،‮ ‬وفي‮ ‬حقول العلوم الانسانية الأخرى سواء في‮ ‬الجزائر أو في‮ ‬الدول المغاربية الأخرى،‮ ‬أو في‮ ‬البلدان المشرقية‮. ‬كما تحفل هذه الكتابات بنزعة اعتبار الحداثة‮ ‬Modernity ‬مرحلة تاريخية ايجابية مطلقة في‮ ‬تاريخ البشرية وعنوانا كليا وشاملا للتقدم السياسي‮ ‬والاقتصادي،‮ ‬وللتنوير الاخلاقي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬وفي‮ ‬مجال العلاقات الدولية‮. ‬
أما الحداثية‮ ‬Modernism‮ ‬فتنظر إليها معظم التحليلات والدراسات العربية بأنها التجلي‮ ‬الثقافي‮ ‬والفني‮ ‬الطليعي‮ ‬للحداثة الأكثر انتصارا لتعددية المنظورات والاختلافات والتنوعات،‮ ‬ولكن هذا النوع من الفهم لكلا المصطلحين‮ ‬يشوبه الكثير من القصور وعدم التمحيص والدقة‮. ‬في‮ ‬هذا السياق نجد الباحث الجزائري،‮ ‬والوزير السابق للتعليم العالي‮ ‬والبحث العلمي‮ ‬لدكتور مصطفى الشريف‮ ‬يحاول في‮ ‬كتابه الذي‮ ‬يحمل عنوان‮: (‬الإسلام والحداثة‮ : ‬هل‮ ‬يكون‮ ‬غدا عالم عربي؟‮) ‬أن‮ ‬يقرأ فيه الحداثة الأوروبية‮ / ‬الغربية قراءة نقدية في‮ ‬علاقتها بالإسلام‮. ‬وبهذا الصدد فإننا نجده‮ ‬يسعى إلى تحقيق هدفين ويتمثل الأول في‮ ‬إظهار المشكلات والتناقضات التي‮ ‬تطرحها هذه العلاقة وفي‮ ‬الوقت ذاته فإنه‮ ‬ينبَهنا إلى أن آليات وأهداف الغرب المعاصر تتمثل في‮ ‬فرض سيطرته على شعوب العالم الثالث،‮ ‬أما هدف الدكتور مصطفى الشريف الثاني‮ ‬الذي‮ ‬يسعى إلى تجسيده فيتلخص في‮ ‬البحث عن ملامح بديلة للحداثة الغربية‮. ‬
لاشك أن الدكتور مصطفى الشريف قد طرح في‮ ‬كتابه هذا أفكارا كثيرة تستحق النقاش فعلا وذلك من أجل تحليلها تحليلا نقديا بقصد توسيعها وإثرائها‮.‬
أبدأ الآن في‮ ‬النظر في‮ ‬مشكلتين مركزيتين تحتاجان في‮ ‬رأيي‮ ‬إلى التحليل والتوضيح وهما مشكلة عدم التحديد الكافي‮ ‬في‮ ‬كتاب الدكتور مصطفى الشريف لمصطلحين أساسيين وهما مصطلح الحداثة،‮ ‬ومصطلح الحداثية أو الحداثوية كما‮ ‬يحلو لبعض المفكرين والنقاد العرب على تسميته،‮ ‬ومشكلة شحَ‮ ‬إبراز الجذور التاريخية لنشأة الحداثة ومكوناتها وأبعادها المؤسساتية،‮ ‬وأبعاد وأسباب عولمة هذه الحداثة خارج جغرافيات العالم الغربي،‮ ‬وفي‮ ‬الجزء الثاني‮ ‬من هذا المقال سأناقش أفكار الدكتور مصطفى الشريف المتصلة بعلاقة الاسلام بما في‮ ‬ذلك إسلام الجزائر بالحداثة الأوروبية‮ / ‬الغربية بنتائج وتداعيات مضامين وأشكال ومؤسسات الحداثة الأوروبية‮ / ‬الغربية ومنطقها الثقافي‮ ‬والفكري‮ ‬والفني‮ ‬وشتى عناصر البناء الفوقي‮ ‬الذي‮ ‬يصطلح عليها مجتمعة بالحداثية أو بالحداثوية‮.‬
‬من الملفت للنظر هو أنَ‮ ‬الدكتور مصطفى الشريف لا‮ ‬يناقش تفاصيل أسس ومؤسسات ظاهرة الحداثة الأوروبية‮ / ‬الغربية وكذا تجلياتها في‮ ‬الممارسات السياسية والاجتماعية والثقافية وهلم جرا،‮ ‬كما أنه لا‮ ‬يعيَن بالتفصيل جغرافياتها وتاريخ نشأتها وتطوراتها‮. ‬إلى جانب هذا فإنه لا‮ ‬يرسم حدود التمييز بين مصطلحين مهمين وأساسيين وهما مصطلح‮ ‬"‬الحداثة‮" ‬Modernity‮ ‬ومصطلح‮ "‬الحداثية‮" ‬Modernism‮ ‬علما أن عدم إبراز الجذور التاريخية لميلاد وكذلك تطور وانتشار ظاهرة الحداثة وأسسها ومؤسساتها،‮ ‬وأن عدم توضيح الفرق الجوهري‮ ‬بين هذين المصطلحين أمر سيؤدي‮ ‬بنا إلى الوقوع في‮ ‬شرك سوء فهم دلالاتهما المختلفة من جهة وإلى ضحالة إدراك الحداثة نفسها كمرحلة وكشرط تاريخي‮ ‬من جهة ثانية‮. ‬
وفي‮ ‬الواقع فإن توضيح هذين المصطلحين مرهون باستيعاب كل من التاريخ الغربي‮ ‬والفكر الغربي‮ ‬معا ضمن الواقع الذي‮ ‬أفرزهما،‮ ‬وعلاقة هذا التاريخ وهذا الفكر بالمجتمعات التي‮ ‬أقام معها الغرب علاقتي‮ ‬المثاقفة أو المصادمة‮. ‬على صعيد الفكر مثلا،‮ ‬هناك الكثير من المرجعيات والمقاربات منها مقاربة المفكر الراحل مدان صاروب الهندي‮ ‬الأصل الاستاذ سابقا بجامعتي‮ ‬كمبريدج،‮ ‬ولندن الذي‮ ‬يرى أن الجذور التاريخية للحداثة الغربية‮ ‬Modernity‮ ‬قد بدأت في‮ ‬عصر النهضة الأوروبية‮ (‬أي‮ ‬من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر الميلادي‮) ‬واستمرت في‮ ‬العالم الغربي‮ ‬حتى انفجار أفكار ما بعد الحداثة في‮ ‬أواخر القرن العشرين‮. ‬ومن جهة أخرى فهو‮ ‬يؤكد أن الحداثة تعني‮ ‬تقدم العقلنة الإدارية والاقتصادية وتمايزات العالم الاجتماعي‮ ‬أي‮ ‬التفريق بين الأخلاقيات وبين المجالات النظرية‮. ‬وفضلا عن هذا فإنَ‮ ‬مدان صاروب‮ ‬يعرَف‮ ‬"‬الحداثية‮" ‬Modernism‮ ‬بأنها مجموعة من الأساليب الجمالية والثقافية التي‮ ‬ميزت الحركات الفنية والأدبية منذ بداية القرن العشرين وما تزال تمارس حضورها إلى الآن‮. ‬
في‮ ‬هذا السياق،‮ ‬نجد عالم الاجتماع البريطاني‮ ‬أنثوني‮ ‬غيدنز،‮ ‬المعروف بكونه أحد كبار عرَابي‮ ‬ما‮ ‬يدعى بالطريق الثالث في‮ ‬الاقتصاد وتنظيم الحياة السياسية وبالديمقراطية الاجتماعية في‮ ‬الدول الرأسمالية المتطورة،‮ ‬ينطلق في‮ ‬تعريف الحداثة على أساس تناقضها مع الموقف التقليدي‮ ‬ولكنه‮ ‬يلاحظ،‮ ‬بحصافة،‮ ‬أنَه‮ ‬يمكن لنا أن نجد في‮ ‬نسيج العالم المدعو بالحديث المعقد بداخل الفضاء الأوروبي‮ / ‬الغربي‮ ‬جملة من العناصر التقليدية التي‮ ‬تتجاور مع العناصر الحديثة ويعطي‮ ‬مثالا لتبرير حجته وهو وجود الثقافات الشفوية إلى جوار العلوم والثقافات الأكثر حداثة في‮ ‬مجتمعات هذا الفضاء‮ . ‬
وفي‮ ‬الوقت نفسه نجد‮ ‬غيدنز‮ ‬يحدد الأبعاد الديناميكية للحداثة ونوردها هنا باختصار كما‮ ‬يلي‮: ‬1‮ ‬‮ ‬فصل الزمان والفضاء،‮ ‬2‮ ‬ تطوير فكَ‮ ‬دمج الميكانيزمات،‮ ‬3‮ ‬ التخصيص الانعكاسي‮ ‬للمعرفة،‮ ‬الذي‮ ‬يوفر وسائل تضمن دقة الزمان والفضاء لتحديد المنطقة،‮ ‬أما دور البعد الثاني‮ ‬فيعني‮ ‬عنده باختصار شديد أيضا إعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية عبر المسافات الزمانية الفضائية الواسعة في‮ ‬حين أنَ‮ ‬البعد الثالث‮ ‬يتمثل في‮ ‬تقديره في‮ ‬إنتاج المعرفة المنهجية لما‮ ‬يتصل بالحياة الاجتماعية التي‮ ‬تصبح مكملة لنظام إعادة الإنتاج ولإبعاد الحياة الاجتماعية عن ما‮ ‬يدعوه بالتثبيتات التقليدية‮.‬
‬حسب أنثوني‮ ‬غيدنز هناك أبعاد مؤسساتية للحداثة‮ ‬ينبغي‮ ‬أخذها بعين الاعتبار لأنه بدون ذلك‮ ‬يصعب علينا أن ندرك جيدا الأسس المكونة لها وكيف تعمل هذه الحداثة في‮ ‬الميدان العملي‮. ‬ونذكر بعض هذه الأسس التي‮ ‬يحددها ويصنفها كالتالي‮: ‬1‮ ‬ الرقابة‮ ( ‬ضبط المعلومات والإشراف الاجتماعي‮ )‬،‮ ‬2‮ ‬ الرأسمالية‮ (‬مراكمة الرأسمال في‮ ‬سياق منافسة العمل وإنتاج الأسواق‮)‬،‮ ‬3‮ ‬ التصنيع‮ (‬تحويل الطبيعة‮ : ‬تطوير البيئة المبدعة‮) ‬و4‮ ‬ القوة العسكرية‮ (‬ضبط وسائل العنف في‮ ‬سياق الصناعة الحربية‮).‬
كما نرى فإن هذه المؤسسات ترتكز بالدرجة الأولى على الرأسمالية وعلى التصنيع ورقابة المعلومات كما نفهم أن الحداثة بالمعنى الذي‮ ‬حدده‮ "‬أنثوني‮ ‬غيدنز‮" ‬لا‮ ‬يمكن إدراكها كمفهوم من دون إدراك الأساس الرأسمالي‮ ‬الذي‮ ‬يعتبر روحها والطاقة الحاسمة التي‮ ‬تدفعها إلى الأمام‮.. ‬هنالك أيضا أبعاد أخرى للحداثة الغربية مثل البنيات الفوقية التي‮ ‬تتأسس على فكرة التقدم في‮ ‬التاريخ،‮ ‬والذات الحرة العاقلة،‮ ‬وفصل الدين عن الدولة،‮ ‬نظام الدولة‮ ‬-‬‮ ‬الأمة التي‮ ‬تعمل وفق نظام تداول السلطة في‮ ‬إطار التعددية الحزبية ووفق آليات الاقتراع الحر‮. ‬إذا كانت الحداثة هكذا فكيف تعاملت وتتعامل معها مجتمعاتنا وهل‮ ‬يوجد مشروع لنا‮ ‬يمكننا من إيجاد بديل لها كما‮ ‬يقترح الدكتور مصطفى الشريف؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.