عندما تقرأ وتسمع ما يقوله المسؤولون والفاعلون في الحركة الرياضية الوطنية منذ زمن عن الشباب والرياضة والاستراتيجيات والإنجازات والمرافق والإمكانات، وعن الاحتراف والمستوى العالي ورياضة النخبة، تشعر كأننا نتحدث عن بلد غير الجزائر، أو أننا نعيش في كوكب آخر، أو في زمن مغاير، بسبب الهوة الشاسعة بين ما يقال وما يحدث على أرض الواقع في مجال الرياضة والاهتمام بشؤون الشباب الجزائري، وبين ما يقوله المسؤولون لوسائل الإعلام وما يقولونه لنا في الخفاء؛ من أننا لا نملك سياسة وطنية للرياضة، ولا نعرف ماذا نريد وماذا نفعل، وكيف السبيل إلى رسم خريطة طريق للوصول إلى المستوى العالي، وكيف نتألق ونتصالح مع أنفسنا وأبنائنا ومع الممارسة الرياضية.. * عندما نتحدث عن السياسة الرياضية الوطنية نفترض وجودها لكي نناقشها وننتقدها أو نشجعها، ولكن الحقيقة أنها منعدمة تماما، أو غير واضحة المعالم، وإن وجدت فإن الفاعلين والرياضيين لا يعرفون عنها شيئا، كما أن المسؤولين عنها لا يعرفون تطبيقها وتسويقها وتثمينها لأنهم بعيدون عن الواقع أصلا، ولا يعرفون أين الخلل وما العمل. أما إذا أقر وأصر البعض على وجود سياسة وطنية للرياضة فإنني أتساءل مثل غيري: - أين هي؟ وأين نحن منها؟ وهل يعلم بها الرياضيون والمؤطرون؟ وما مفعولها ومقوماتها ونتائجها؟ وما هي استراتيجيتنا وسياستنا في مجال الممارسة الجماهيرية؟ وهل هي موجودة فعلا وتعتبر ثقافة يومية عند أبنائنا؟ وهل نشجعها عبر خلق الفضاءات والمساحات وتنظيم الدورات وتشجيع الحركة الجمعوية على تأطيرها، أم أننا نتذكرها في الاستحقاقات الوطنية فقط؟! - ما هي سياستنا مع الرياضة المدرسية والجامعية؟ وما عدد المرافق الصالحة في المدارس والجامعات؟ وهل الرياضة ممارسة إجبارية للتلاميذ والطلبة؟ وهل قيّمنا تجربة الثانويات الرياضية التي كنا نطبل لها؟ وهل تخرّج منها بطل واحد في الرياضات الفردية مثلا؟ - أين هي رياضة النخبة في المنظومة الرياضية الوطنية؟ وأين هم الرياضيون الواعدون في الملاكمة والسباحة وألعاب القوى؟ وهل تعرفون من بإمكانه منح ميدالية أولمبية للجزائر في لندن مثلا؟ - أين هو التكوين وإعادة التأهيل للمكونين والمسيرين والرياضيين؟ وماذا تفعل المعاهد الرياضية إذا كانت كرة القدم مثلا تعاني من نقص الآلاف من المدربين، وإذا كان مؤطّرو الشبان لا يعرفون أصلا معنى الممارسة الرياضية؟! - ما هي سياستنا مع الهيئات الرياضية الدولية؟ وهل لنا علاقات ثنائية مع وزارات واتحادات وهيئات أجنبية نتبادل معها الخبرات؟ وهل نملك سياسة للتعامل معها؟ وهل نسعى للتواجد فيها عبر استراتيجية وخطة، أم أن همنا هو تكسير كل من يحاول الاقتراب منها، وكل من يصل إليها؟ - أين هي المرافق الرياضية الحديثة والجديدة؟ ومن الذي يديرها ويشرف عليها؟ وأين هي مراكز تحضير المنتخبات الوطنية والملاعب التي أمر بإنجازها رئيس الجمهورية منذ سنوات؟ - ماذا عن الرياضة النسوية والاعتناء ببناتنا وتشجيعهن على الممارسة، وتطوير قدراتهن في مجال المنافسة والتأهيل والتكوين؟ وإذا أراد أي رب أسرة أن تمارس ابنته الرياضة هل يدري كيف السبيل وأين ومتى؟ - أين نحن من قانون التربية البدنية والرياضية الذي ينظم العلاقات بين السلطات والاتحادات ويقنن الممارسة والتأطير والتكوين؟ ولماذا لا نجد الود والتعاون والاحترام بين السلطات والاتحادات، وبين السلطات والشخصيات الرياضية الوطنية من رياضيين ومؤطرين سابقين؟ ولماذا كل هذا الحقد والحسد والكيد والغيرة والإقصاء وتصفية الحسابات داخل أسرة يفترض أن تجتمع ولا تتفرق، وتنجح ولا تفشل، وتزرع الحب وتحصد الخير؟ أتحدى من يثبت عكس ما أقول، ويشرح لنا بالدليل والبرهان - وليس بالكلام فقط - سياستنا الرياضية الوطنية الحالية وحاجاتنا المستقبلية، وخططنا للاعتناء بأبنائنا وتوفير أحسن الظروف لتنمية قدراتهم الذهنية والجسدية والسماح لهم بتأكيد وجودهم، وأتحدى من يعرض علينا المشروع الرياضي المناسب لمجتمعنا في ظل الانشقاق الحاصل واللامبالاة وسياسة الهروب إلى الأمام التي يمارسها الكثير. سياستنا الوحيدة التي نجحنا فيها هي تقسيم الأسرة الرياضية وإذكاء نار الفتنة في أوساطها، وتضييع المواهب وإقصاء الكفاءات وإغراء الجمعيات والنوادي عشية الانتخابات الرئاسية لكي تمنح صوتها لمرشح السلطة.. ومشروعنا الوحيد الذي نجحنا فيه هو الاستغلال المتكرر للانتصارات لأغراض سياسية، وتهميش أو طرد وتهجير الكفاءات من الإداريين والفنيين. قد يقول القارئ بأن المصيبة شاملة ولا نملك استراتيجيات وخططا وسياسات في مجالات وقطاعات عديدة، وأن البلوى إذا عمت خفت، لكني أقول إن من يزرع الكذب والجهل والحقد يحصد الفشل والتذمر، ولن يرحمه التاريخ.. derradjih@gmail.com