خطفت الانتخابات الرئاسية، التي تجري اليوم عبر كامل التراب الوطني، أنظار كبرى القوى والدول في العالم، فرنساالولاياتالمتحدةالأمريكية، ودول أوروبا، قطر المغرب والصحراء الغربية ودول الساحل.. كلها تترقب بحذر الرئيس الذي سيفرزه الصندوق، تحسبا لما سيترتب عن ذلك من تغير في الموازين والإستراتيجيات والسياسات العامة والمواقف الجزائرية، إزاء مختلف القضايا الدولية الراهنة والمستقبلية، والتي قد تنعكس إيجابا أو سلبا على المصالح المختلفة لهذه الدول والقوى داخل الجزائر بصفة خاصة، وفي منطقة الساحل، ومنطقة المغرب العربي، وإفريقيا بصفة عامة، نظرا لوزن وثقل الجزائر كقوة ضاربة في المنطقة، كونها بلدا محوريا للعالم العربي والقارة الإفريقية، وبلدا مطلا على دول أوروبا. ومربط الفرس في هذه الانتخابات يكمن في أنها تجري في ظروف استثنائية، وسط مخاوف من حدوث اضطرابات قد تمس باستقرار البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كونها ستكون متبوعة مثلما ينص عليه الدستور الجزائري مباشرة باستقالة الحكومة الحالية، وتعيين أخرى بديلة، وخطة عمل جديدة للمرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار صرح المحلل السياسي وأستاذ في العلوم السياسية بجامعية الجزائر 3، لزهر ماروك في اتصال مع "البلاد" أن الجزائر تعتبر بلدا مهما بالنسبة لدوائر صنع القرار في واشنطن التي تنظر بعين الأهمية للجزائر باعتبارها شريكا إستراتيجيا على أساس التعاون الاستخباراتي والأمني، والعلاقات السياسية والاقتصادية المتنامية في السنوات الأخيرة. أما بالنسبة القوى الأوروبية، ودول الاتحاد الأوروبي بصفة عامة فإن الجزائر تعد من الدول الرائدة والمهمة، في شبكة المصالح الأوروبية الدولية باعتبارها مصدر الطاقة لأوروبا، خاصة مع مخاوف الأزمة الأكرانية، وتوقف الإمدادات الغازية الروسية، لتصبح الجزائر، بديلا طاقويا لها. وبالتالي حسب لزهر ماروك فإن هذه القوى لا يهمها من يحكم أو من يفوز في الانتخابات باعتباره شأنا داخليا بقدر ما يهمها شيئان اثنان، هما الاستقرار والأمن وتحقيق المصالح المشتركة. وبخصوص الاهتمام الخاص الذي تبديه كل من فرنساوالولاياتالمتحدة بالانتخابات الرئاسية في الجزائر، أكد ماروك أن ذلك تقف وراءه عدة مبررات ففرنسا تعتبر من أكبر القوى القريبة من الجزائر، وبالتالي تبدي دوائر صنع القرار الفرنسية اهتماما ملحوظا بهذه الانتخابات. أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الجوانب الأمنية والاقتصادية، تحدد مستوى الاهتمام الإمريكي بالانتخابات في الجزائر على أساس أن واشنطن لا ترغب في أن تتحول الانتخابات الرئاسية إلى مأزق أو أزمة في الجزائر، كما حدث في بعض الدول العربية، بل تغرب في أن تكون خطوة نحو المزيد من الأمن والاستقرار، انطلاقا من أن انهيار الوضع في الجزائر سيؤدي إلى طوفان من الفوضى، سيغرق منطقة شمال إفريقيا والساحل، وهو ما يشكل تهديدا خطيرا على المصالح الإسراتيجية الأمريكية، وعلى أمن واستقرار منطقة جنوب أوروبا، ومنطقة البحر المتوسط. وقال ماروك إنه "من الطبيعي أن تراقب الكثير من الدول، وخاصة تلك التي لديها مصالح حيوية مع الجزائر ما ستسفر عليه الانتخابات الرئاسية، ففوز المترشح بوتفليقة، يعني بالنسبة لها الاستمرار في سياسات داخلية وخارجية واضحة المعالم، أما في حالة فوز مترشح آخر فإن هذه الدول ستجد نفسها أمام وقت طويل لمعرفة التوجهات التي سيقدم عليها. وبالنسبة لقطر ودول المغرب العربي، قال لزهر ماروك إن الجزائر تعد من بين الدول القلائل التي تحظى بعلاقات جد مميزة مع قطر التي تحرص كل الحرص على استقرار الجزائر، والتعاون والتشاور معها بخصوص القضايا الإقليمية والدولية، وزيارة الأمير القطري إلى الجزائر مؤخرا، ولقائه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكبار المسؤولين، ثم لقائه وزير الخارجية جون كيري، أعطى الجزائر مكانة الدولة الأساسية في محور واشنطنالدوحة، على اعتبار أن قطر أصبحت من الدول الأكثر فاعلية في منطقة الشرق الأوسط، التي تلعب دورا في إدارة شؤون هذه المنطقة". بالنسبة للمغرب، قال لزهر ماروك إن كل ما يهمه من انتخابات الرئاسية للجزائر هو من يفوز فيها، وهل سيحقق له ثلاثة أشياء هي حل مشكلة الصحراء الغربية، بما يتماشى والرؤية المغربية، فتح الحدود لتنشيط القطاع السياحي للولايات الشرقية المغربية وتعزيز العلاقات الثنائية اقتصاديا وسياسيا، فبالتالي الفائز بالانتخابات الذي لا يحقق هذه المطالب فهو بالنسبة له، كسابقه، لا يغير شيئا. من جهته قال المحلل السياسي الدكتور عبد القادر عبد العالي المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية إن الظروف التي جاءت فيها هذه الانتخابات وهي مرض الرئيس وإصراره على الترشح، أثارت مخاوف الدول الكبرى وهو ما يفسر الزيارات الرسمية الأجنبية المكثفة للجزائر في الفترة الأخيرة، للاطمئان على مستقبل مصالحها في الجزائر، باعتبار الجزائر بلدا نفطيا، ومنطقة مهمة جدا لاستقرار دول الشمال المتوسطي، خاصة أن محاولة إثارة الفوضى ستكون له عواقب وخيمة على كامل المنطقة. وقال الدكتور عبد العالي إن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ستدفع الثمن في حالة عدم استقرار الجزائر بعد الرئاسيات، فإن كتلا بشرية هائلة جدا ستهاجر إلى الضفة الشمالية، كما أن الولاياتالمتحدة لا تريد جزائر غير مستقرة. أما بخصوص دول المغرب العربي والساحل فقال المتحدث إنهم غير متخوفين من وجود أجندة خارجية لترجيح مرشح على آخر لأن كل المترشحين ينتمون إلى التيار السياسي نفسه وليس هناك أي مترشح يطرح أجندة راديكالية.