واحد من المدونين على الفايس بوك (وخوك)، نقل خريطة الجزائر وهي بالمناسبة تشبه خريطة العراق نحو النرويج في أعالي أوروبا في بحر الشمال، وهو الأمر الذي أدى بأمريكا إلى الاحتجاج في مجلس الأمن الدولي! نقل خريطة·· هذا الأمر، إن حدث، سيترك فراغا كبيرا في المنطقة العربية والطبيعة لاتقبل هذا المنطق، وإنما ربما سيشكل عبئا على المنطقة لايشبهه إلا عبء الحرافة (غير الشرعيين) على دول تلك المنطقة الغنية بمالها ورجالها· أمّا سبب هذه النقلة الجغرافية كما فهمناها منقولة من مخ هذا الفيس بوكي فهو أن الجزائر تريد أن تكون حالة شاذة بين العرب مثلما هي كوبا أو فيتنام الشمالية·· الدولتان الشيوعيتان الوحيدتان في العالم وبالتوريث أيضا من شقيق إلى شقيقه والوالد إلى ولده وليحيا الزعيم، وأصل هذا الشذوذ أنها تحرص كل الحرص على أن تشكك في كل مايدب حولها· فأي تغيير ممكن سينشط من جديد حمار الإرهاب غير الأعمى ويفتح التدخلات (الأجنبية) وتحدث الفتن ويضيع الوطن·· ولولا الجزيرة ''القريبة'' لما صرنا نحن العرب إلى مانصير إليه، وهات من المبررات التي أكل عليها الدهر وشرب وسقطت في النهر أو البئر! أول الفرحين بهذه النقلة الجغرافية سيكون المغرب بالتأكيد، وأول الخاسرين ليبيا وتونس··· أما ليبيا القذافية فلعلها تشيع في الناس وفي المعارضة عندها أنهم يتلقون دعما غير مباشر من الجزائر، ولو بالصمت لأن الذي يحارب شعبه الأعزل في الواقع لايحتاج لترسانة كبيرة من السلاح· أما تونس، مهد الثورة الأولى عربيا، فقد تحتج على بعد المسافة لأن مابين الجزائرالجديدة الفارة مثل الفار (والقط) بن علي نحو النرويج، مسافة طويلة ومكلفة تجعل من حجاج السياحة (والسباحة) الجزائريين في ورطة حقيقية، فقد لا يذهبون هناك لإنقاذ الموسم السياحي وينضمون الى حزب وزير السياحة، أي سياحتنا المسكينة فيقررون الاعتكاف تحت الخيام، كما وعد، مع التنصيص هناك على أن الخيام تحت الشمس ليست كالخيام تحت البرد والثلج، الأمر الذي سيجبره على مضاعفة مقاومتها! وعلى كل حال، فإن عدم ذهاب السياح الجزائريين هناك يمكن من عدم الاطلاع على النقلة التي أحدثتها الثورة الشعبية، فقد يصطدم بأن أحزاب بولحية الإسلامية والشيوعية يلتقون في المقهى ويخرج من هناك من يزعم أن له أكبر شنب وأكبر شيب بعد أن هرموا من كثرة المعاناة التي سببها النظام السابق، فجعل الشبان شيبا والفتيان عجائز والكهول شيوخا! وقد يتفاجأ ذلك الزائر بعودة السؤال الذي طالما سمعه ولم ير إجابة عنه من أين لك هذا؟ ويقرأ في صحفهم مالم يقرأه في أي صحف آخرى بعد أن تجاوزت الحدود الخضراء والحمراء! أما العرب وهم أكبر الفائزين بهذه النقلة، فقد يتحقق حلم ملكه السابق محمد الخامس منذ أن كان يردد في السر والعلانية أن من سوء حظ المغرب أن جاره وهو الوحيد على اليسار إسمه الجزائر··· وهذا الكلام ليس سرا على أحد ولا تحاملا على المرحوم، فجلالته نجح في إقناع جانب كبير من الرأي العام بأن كل مشاكله مصدرها جاره المزعج ولولاه لعاشوا في راحة بال واطمئنان، في إشارة ربما لمشكلتي الحدود القديمة التي تعود الى فجر الاستقلال ومشكلة الصحراء الغربية حاليا، غير أن هذا الرأي المغربي سرعان مايقع في تناقض، وقد يتحول الفرح والسرور والحبور الى مايشبه الندم وعظ الأصابع والأنف والفم! فجارنا غير المزعج أي المغرب حتى هو يشهد حركة غير عادية في الشارع شعارها أن الشعب ربما يريد إسقاط النظام، إذ مازال لم يحسم أمره بعد! وهذا الشعار كما تعرفون جميعا غير موجود عندنا، وبالتالي يصبح من الأفضل بالنسبة لجلالته وخليفته أن يحتج مثل أمريكا على محاولة تغيير الخريطة وتحويل الجزائر إلى النرويج··· وهذا بعد أن أصبحت مصدر سلم واستقرار وازدهار بعد سنوات من الدماء والدموع تفرج عليها أو حتى وضع بصمته عليها! نقطة الضعف الرئيسية في الخدمة سواء للسياحة أو للكتاب أو حتى للرعي أو السكن كبديل عن العمارة، نقطة الضعف فيها أقول، هي الأوتاد أي بالعربي الصحيح المسمار! والمسمار هذا عالم كبير ليس له حدود، قد ينطلق من مسمار النجار ويصل الى مسمار جحا! ويقال في الأمثال الشعبية، متسائلين مثلا ماله يذهب كما يذهب مال النجار في المسمار··· علما أن النجار ذاته يبيت وليس له باب·· فكل همه جمع المال ودق أقل عدد من أعواد المسمار وإشعال النار في خدمة اليدين، وقس عليه الحداد والجزار والبناء والطبيب، لكن مالايقال عادة في مسمار السياسة، وهو أمر لايعرفه إلا الخواص يصل إلى مايشبه القصيدة العصماء، وهذه بعض أبياتها مترجمة من الفرنسية تحت عنوان تأثير الفراشة! بسبب المسمار، ضاع منه الحديد وبسبب الحديد ضاع معه الحصان وبسبب الحصان سقط الفارس وبسبب الفارس ضاعت الرسالة وبسبب الرسالة سقطت المعركة، وبسبب الحرب ضاعت الحرية ودام ضياعها··· كل هذا بسبب مسمار واحد! النظرية تلك قدمها عالم برازيلي وطرح التساؤل التالي هل يمكن لجناح فراشة تحرك في البرازيل أن يثير زوبعة في تكساس ومنطقة صحراوية أمريكية؟ والسؤال هذا محوري يدور حول هل يمكن وضع قانون للحظ، أي ''بوزهرون'' الذي يتحجج به البعض، وهو قانون لو عثرنا عليه لجاء ضد فرضية كل قانون ومنطق؟ بغض النظر عن الإجابة عن هذا السؤال الذي يندرج ضمن مسألة التنبؤ (ليس بالأحوال الجوية) وإنما بالأحوال السياسية، وإمكانية تكرار تجارب التعبير، يمكن العودة قليلا إلى السنوات العجاف التي اشتهرت بما يعرف بمسمار جحا! والتسمية، لمن نسي، أطلقتها بعض قيادات الفيس المحظور على الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد للمطالبة برحيله، شيء يشبه مايحدث الآن مع صالح ثمود··· ارحل ارحل···!! والنتيجة في تجربة الشاذلي أنه رُحل (بضم الراء)، أي أجبر على الرحيل من جماعة السلطة نفسها آنذاك بعد أن انحاز للشرعية الانتخابية واكتشف الفيس واقعا طالما حذروه منه وهو أن مسمار جحا يخفي ''بولونات'' من النوع الصلب، وليست فقط مسامير ولكن بعد فوات الآوان! والآن تعود بعض الأصوات لتعزف على نفس المسامير وعلى نفس الوتر الذي عزفت بعض الجماهير العربية التي سبقت في التغيير· والسؤال المطروح يظل دائما يدور حول مسمار السلطة برمتها، وليس شخصا واحدا محددا، والبدائل المطروحة أمامه· أغلب الظن أن الذين يبشرون بالتغيير لايشكلون حتى الآن ظاهريا على الأقل أي بديل يذكر يمكن أن نطمئن اليه، خصوصا أن القاعدة الشعبية أو قطعان الأغنام كما يسميها البعض لاتكاد تفارق منطق الرعيان في الخيام، ممارسة وتفكيرا وغير مطمئنة، وهو مالا يتماشى ومنطق العصر كما تثبته عدة دراسات اجتماعية أصبح فيها البديل الديمقراطي بمثابة التحدي الكبير، مثلما تواجهه عدة أنظمة أخرى كالعراق مثلا بعد أن ضاعت النخب وتاه الكثيرون في الدرب مع دخول الطائفية والدين على الخط! هؤلاء المسمار الوحيد الذي سيدقونه لابد أن يشمل جبة صاحبها، كما في الرواية الشعبية القائلة إن شخصا لكي يثبت العكس طالبوه بأن يدق مسمارا في المقبرة فدق جبته معه وعاد يستغيث!